الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فبين أيدينا هذه الرسالة – رسالة ثلاثة الأصول – وهي رسالة جليلة مختصرة مؤيدة بالأدلة من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – .
وهذه الرسالة في أصل عظيم من أصول الإسلام وهو العقيدة ، وكان العلماء يهتمون بهذه المختصرات يؤلفونها ، ويتعبون على اختصارها وتهذيبها ثم يحفظونها لطلبتهم ؛ لتبقى أصولا عندهم وذخيرة عندهم يستفيدون منها ويفيدون منها .
والبداءة بهذه المختصرات هي الأساس لطلبة العلم ، فطالب العلم يبدأ بالتعلم شيئا فشيئا يأخذ من مبادئ العلم وأصوله ، ويتدرج فيه .
فهذه المختصرات طريق المطولات . لا يمكن أن تفهم المطولات إلا بعد فهم المختصرات والتدرج منها شيئًا فشيئًا ؛ ولهذا قالوا في معنى قوله تعالى : وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران : 79 ] إن الربانيين هم الذين يبدؤون بصغائر مسائل العلم قبل كباره ، يربون أنفسهم وطلابهم ابتداء من المسائل الصغيرة إلى المسائل الكبيرة ، وهذا شيء طبيعي ؛ لأن كل الأشياء تبدأ من أصولها وأساساتها ثم تكبر وتعظم بعد ذلك .
فأما الذي يهجم على العلم هجوما من أعلاه ، فهذا يتعب ولا يحصل على شيء ، بينما الذي يبدأ من الأصول ويتدرج هذا هو الذي – بإذن الله – يسير مع الطريق الصحيح والاتجاه السليم .
قال تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [ البقرة : 189 ] هؤلاء سألوا عن الأهلة ، لماذا يبدأ الهلال صغيرا ثم يكبر ثم يكبر حتى يتكامل ثم يصغر حتى يعود هلالا ؟ فعتب الله عليهم ، ووجههم أن يسألوا عما ينفعهم ، وأن يأتوا بيوت العلم من أبوابها .
أما السؤال عن الهلال وأحواله وصغره وكبره ، فهذا لا فائدة لهم فيه ، بل الفائدة هي أن يسألوا عما يحتاجون إليه ، وهو معرفة فوائد الأهلة ولهذا قال : قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ، بين لهم فوائدها ، وهي أن الله جعلها مواقيت للناس يعرفون بها العبادات والمعاملات والآجال ، وغير ذلك .
فأرشدهم إلى فوائد الأهلة ، ولم يجبهم عن سؤالهم عن حقيقة الأهلة ، لأنه ليس لهم في ذلك فائدة وليوجههم إلى ما ينبغي أن يسألوا عنه ، وهو أبواب العلم لا ظهور العلم والمسائل الفضولية التي لا يحتاجون إليها ، وإن احتاجوا إليها فهي حاجة قليلة .
قال رحمه الله : بسم الله الرحمن الرحيم [ 1 ]
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
[ 1 ] ابتدأ رحمه الله هذه الرسالة بالبسملة اقتداء بكتاب الله – عز وجل – ، فإن أول ما يقع عليه بصرك في المصحف وقبل كل سورة منه " بسم الله الرحمن الرحيم " .
فالبداءة بها في الرسائل وفي الكتب وفي المؤلفات اقتداء بكتاب الله – عز وجل – ، وكذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يكتبها في أول رسائله حينما يكتب إلى الأمراء والرؤساء وإلى من في أقطار الأرض يدعوهم إلى الإسلام يبدأ كتابته " ببسم الله الرحمن الرحيم " .
وكان – صلى الله عليه وسلم – يفتتح أحاديثه وكلامه " ببسم الله الرحمن الرحيم " مما يدل على أن البداءة " ببسم الله الرحمن الرحيم " سنة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ، كما أن سليمان – عليه السلام – لما كتب إلى بلقيس ملكة سبأ بدأ كتابه " ببسم الله الرحمن الرحيم " : (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)[ النمل : 29 – 31 ] ينبغي البدء " ببسم الله الرحمن الرحيم " في كل أمر له أهمية وكل مؤلف له أهمية وله قيمة ، وكل رسالة .
وعلى هذا فالذين لا يبدءون مؤلفاتهم ورسائلهم " ببسم الله الرحمن الرحيم " هؤلاء تركوا السنة النبوية والاقتداء بكتاب الله – عز وجل – ، وربما بسبب ذلك أن كتبهم هذه ورسائلهم ليس فيها بركة وليس فيها فائدة ؛ لأنها إذا خلت من " بسم الله الرحمن الرحيم " فإنها منزوعة الفائدة .
لماذا تركوا " بسم الله الرحمن الرحيم " ؟ إنما تركوها لأنها سُنة ، وهم ينفرون من السنة ، أو يقلدون من ينفر من السنة ، فينبغي التنبه لمثل هذا .
فمعنى " بسم الله الرحمن الرحيم " : الاستعانة باسم الله .
فقوله : بسم الله : جار ومجرور متعلق بمحذوف ، تقديره : أستعين بسم الله الرحمن الرحيم ، أو أبتدئ ببسم الله الرحمن الرحيم تبركا بها واستعانة بالله – عز وجل – .
فهي مطلع عظيم للكلام وللكتب والرسائل ، فالإنسان يستعين بالله في بدايتها ويتبرك باسمه سبحانه وتعالى .
وفقك الله الى ما فيه رضاه.