تخطى إلى المحتوى

سلسلة تفسير سورة الفاتحة(أية: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) 2024.

  • بواسطة

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ :

1- {إِيَّاكَ} مفعول قدم للحصر ، ليحصر مراد المتكلم فيما يريد أن يفصح عنه .

2- {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك ، وهذا هو كمال الطاعة ، والعبادة في اللغة من الذلة ، يقال : طريق معبد ، وبعير معبد ، أي مذلل ، وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف ، وهي خاصة بالله سبحانه وتعالى .

3- قال بعض السلف : الفاتحة سر القرآن وسرها – أي الفاتحة – هذه الكلمة :
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
فالأول أي : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} تبرؤ من الشرك .
والثاني أي : {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} تبرؤ مـن الحول والطول والقوة ، و(فيها تمام) التفويض إلى الله عز وجل .

4- في هذه الآية : تحول الكلام من صيغة الغائب إلى صيغة المخاطب بكاف الخطاب بقوله {إِيَّاكَ} وذلك مناسب ، لأن العبـد لما حمد الله وأثنى عليه ومجده وتبرأ من عبادة غيره ، ومن الاستعانة بسواه ، فكأنه اقترب من الله عز وجل ، وأصبح حاضراً بين يديه تعالى ، فناسب أن يخاطبه بكاف الخطاب بقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما :
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إياك نوحد ونخاف ونرجوا يا ربنا لا غيرك .
{وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على طاعتك ، وعلى أمورنا كلها .
وقدم : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لأن العبادة هي الغاية ، والاستعانة هي الوسيلة إليها – (كما جاء عند) ابن كثير- .
قال ابن القيم في مدارج السالكين : وسر الخلق ، والكتب والشرائع ، والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين ، وعليهما مدار العبودية والتوحيد ، حتى قيل : أنزل الله مائة كتاب وأربعة : جمع معانيها في التوراة والإنجيل ، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن في الفاتحة في : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .

من هداية الآية :

1- ذكر علماء اللغة العربية أن الله تعالى قدم المفعول به (إياك) على الفعل (نعبد) و (نستعين) ليخص العبادة والاستعانة به وحده، ويحصرها فيه دون سواه، فيكون معناها : (نخصك بالعبادة والاستعانة وحدك) أو :
( لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك يا الله).
وأركان العبادة : الإخلاص والمحبة والرجاء والخوف ، وعبادة الله وحده بما شرعه الله ، حسب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2- معنى العبادة والاستعانة في قوله تعالى :
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} :
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إياك نوحد ونخاف ونرجو.
{وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على طاعتك.
قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.

3- إن العبادة في هذه الآية تعم جميع العبادات كلها ، مثل الصلاة ، والذبح ، والنذر ، ولا سيما الدعاء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة).
فكما أن الصلاة عبادة لا تجوز لرسول، ولا لولي، فكذلك الدعاء عبادة، فهو لله وحده لا لغيره.
{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} . ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله).
يقول الإمام النووي في تفسير هذا الحديث ما خلاصته : إذا طلبت الإعانة على أمر من أمور الدنيا والآخرة ، فاستعن بالله ، ولا سيما في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله : كشفاء المرض ، وطلب الرزق والهداية ، فهي مما اختص الله بها وحده ، قال تعالى : {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ}.

4- وأما الاستعانة بالأحياء الحاضرين فيما يقدرون عليه من مداواة مريض، أو بناء مسجد، وغير ذلك فهي جائزة لقوله تعالى : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
ومن أمثلة الاستعانة الجائزة قول الله في طلب ذي القرنين من قومه:{فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}.

5- إن هذه الآية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} التي يكررها المسلم عشرات المرات في الصلاة هي خلاصة سورة الفاتحة ، وهي أعظم سورة في القرآن .

6- في الآية توحيد العبادة لله الذي دعت إليه جميع الرسل، قال تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} . – والطاغوت : كل ما عُبد من دون الله برضاه – .

بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء
و فيك بارك الله أخي أبو ندى.
أرجوا أن تكون متابعا لجميع السلاسل، حفظك ربي من كل سوء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.