الحــكم: (الحكم(1)، العدل)(2)
قال رحمه الله تعالى: "ومن أسمائه الحكم العدل الذي يحكم بين عباده في الدنيا، والآخرة بعدله، وقسطه فلايظلم مثقال ذرة، ولا يحمل أحداً وزر أحد، ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه، ويؤدي الحقوق إلى أهلها، فلا يدع صاحب حق إلا وصل إليه حقه.
وهو العدل في تدبيره، وتقديره {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(3) (4).
والحكم العدل الذي إليه الحكم في كل شيء فيحكم تعالى بشرعه، ويبين لعباده جميع الطرق التي يحكم بها بين المتخاصمين، ويفصل بين المتنازعين، من الطرق العادلة الحكيمة، ويحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ويحكم فيها بأحكام القضاء، والقدر، فيجري عليهم منها ما تقتضيه حكمته ويضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها، ويقضي بينهم يوم الجزاء، والحساب، فيقضي بينهم بالحقّ، ويحمده الخلائق على حكمه حتى من قضى عليهم بالعذاب يعترفون له بالعدل، وأنه لم يظلمهم مثقال ذرة"(5).
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
(1) ودليل هذا الإسم قوله صلى الله عليه وسلم : "إن الله هو الحكم وإليه الحكم".
أخرجه أبو داود (5/240) كتاب الأدب باب في تغيير الاسم القبيح، والنسائي كتاب القضاء حديث (5389) باب إذا حكموا رجلاً فقضى بينهم، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/936) حديث (4145).
(2) لم أقف على دليل صحيح يدل على إسميته لله تعالى والله أعلم.
(3) هود (56).
(4) التفسير (5/627).
(5) توضيح الكافية الشافية (ص127) والحق الواضح المبين (ص80).
[ الصفحة: 185 ]
****************************** ***************
الحكــيم(1):
قال رحمه الله تعالى: "الحكيم هو الذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره الذي أحسن كل شيء خلقه {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(2).
فلا يخلق شيئاً عبثا، ولا يشرع شيئاً سدى، الذي له الحكم في الأولى، والآخرة، وله الأحكام الثلاثة لا يشاركه فيها مشارك، فيحكم بين عباده في شرعه، وفي قدره، وجزائه.
والحكمة: وضع الأشياء مواضعها، وتنزيلها منازلها(3).
والحكيم: الموصوف بكمال الحكمة، وبكمال الحكم بين المخلوقات، فالحكيم هو واسع العلم، والإطلاع على مبادئ الأمور، وعواقبها، واسع الحمد تام القدرة غزير الرحمة، فهو الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه، وأمره، فلا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال.
وحكمته نوعان:
أحدهما: الحكمة في خلقه فإنه خلق الخلق بالحق، ومشتملاً على الحق، وكان غايته والمقصود به الحق، خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام، ورتبها أكمل ترتيب، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات، وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته، وهيئته، فلا يرى أحد في خلقه خللاً، ولا نقصاً، ولا فطوراً، فلو اجتمعت عقول الخلق من أولهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن، والانتظام، والإتقان لم يقدروا، وأنى لهم القدرة على شيء من ذلك
وحسب العقلاء الحكماء منهم أن يعرفوا كثيراً من حكمه، ويطّلعوا على بعض ما فيها من الحسن، والإتقان.
وهذا أمر معلوم قطعاً بما يعلم من عظمته، وكمال صفاته، وتتبع حكمه في الخلق، والأمر.
وقد تحدى عباده، وأمرهم أن ينظروا، ويكرروا النظر، والتأمل هل يجدون في خلقه خللاً أو نقصاً، وأنه لابد أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الإنتقاد على شيء من مخلوقاته.
النوع الثاني: الحكمة في شرعه وأمره، فإنه تعالى شرع الشرائع، وأنزل الكتب وأرسل الرسل ليعرفه العباد، ويعبدوه، فأي حكمة أجل من هذا، وأي فضل، وكرم أعظم من هذا، فإن معرفته تعالى، وعبادته وحده لا شريك له، واخلاص العمل له وحده، وشكره، والثناء عليه أفضل ال****ا منه لعباده على الإطلاق.
وأجل الفضائل لمن منَّ الله عليه بها، وأكمل سعادة، وسروراً للقلوب، والأرواح، كما أنها هي السّبب الوحيد للوصول إلى السّعادة الأبدية، والنّعيم الدّائم.
فلو لم يكن في أمره، وشرعه إلاّ هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات، وأكمل اللذات، ولأجلها خلقت الخليقة، وحق الجزاء، وخلقت الجنة، والنار، لكانت كافية شافية.
هذا وقد اشتمل شرعه، ودينه على كل خير، فأخباره تملأ القلوب علماً، ويقيناً، وإيماناً، وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب، ويزول انحرافها، وتثمر كل خلق جميل، وعمل صالح، وهدى، ورشد، وأوامره، ونواهيه محتوية على عناية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ولا ينهي إلا عما مضرته خالصة أو راجحة.
ومن حكمة الشّرع الإسلامي أنه كما أنه هو الغاية لصلاح القلوب، والأخلاق، والأعمال، والاستقامة على الصراط المستقيم، فهو الغاية لصلاح الدنيا، فلا تصلح أمور الدنيا صلاحاً حقيقياً إلاّ بالدّين الحقّ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم،
وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل، فإن أمّة محمد لمّا كانوا قائمين بهذا الدين أصوله، وفروعه، وجميع ما يهدي، ويرشد إليه كانت أحوالهم في غاية الاستقامة، والصلاح، ولما انحرفوا عنه، وتركوا كثيراً من هداه، ولم يسترشدوا بتعاليمه العالية انحرفت دنياهم كما انحرف دينهم.
وكذلك انظر إلى الأمم الأخرى التي بلغت في القوة، والحضارة، والمدنية مبلغاً هائلاً، ولكن لمّا كانت خالية من روح الدين، ورحمته، وعدله كان ضررها أعظم من نفعها، وشرّها أكبر من خيرها، وعجز علماؤها، وحكماؤها، وساساتها عن تلافي الشّرور الناشئة عنها، ولن يقدروا على ذلك ماداموا على حالهم،
ولهذا كان من حكمته تعالى أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين، والقرآن أكبر البراهين على صدقه، وصدق ما جاء به لكونه محكماً كاملاً لا يحصل إلا به، وبالجملة، فالحكيم متعلقاته المخلوقات، والشرائع، وكلها في غاية الإحكام، فهو الحكيم في أحكامه القدرية، وأحكامه الشرعية، وأحكامه الجزائية.
والفرق بين أحكام القدر، وأحكام الشّرع أن القدر متعلق بما أوجده، وكونه وقدره، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
وأحكام الشّرع متعلقة بما شرعه، والعبد المربوب لا يخلو منهما أو من أحدهما، فمن فعل منهم ما يحبه الله، ويرضاه فقد اجتمع فيه الحكمان، ومن فعل ما يضاد ذلك فقد وجد فيه الحكم القدري، فإن ما فعله واقع بقضاء الله، وقدره، ولم يوجد فيه الحكم الشرعي لكونه ترك ما يحبه الله، ويرضاه.
فالخير، والشّرّ، والطّاعات، والمعاصي كلّها متعلقة، وتابعة للحكم القدري، وما يحبّه الله منها هو تابع للحكم الشّرعي، ومتعلقه، والله أعلم(4).
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
(1) ودليل هذا الاسم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 28).
(2) المائدة (50).
(3) التفسير (5/621).
(4) الحق الواضح المبين (ص50 إلى 54) وانظر: توضيح الكافية الشافية (ص119).
[ الصّفحات: 186، إلى بداية 189 ]