تخطى إلى المحتوى

سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى(شرح اسم: الرفيق، الرقيب ، الشهيد) 2024.


القعدة

الرّشيد(1):

قال رحمه الله تعالى:

"وهو الرّشيد الذي أقواله رشد، وأفعاله رشد، وهو مرشد الحائرين في الطّريق الحسّي، والضّالين في الطّريق المعنوي، فيرشد الخلق بما شرعه على ألسنة رسله من الهداية الكاملة، ويرشد عبده المؤمن، إذا خضع له وأخلص عمله أرشده إلى جميع مصالحه، ويسّره لليسرى وجنّبه العسرى(2)

والرّشد الدّال عليه اسم الرّشيد وصفه تعالى والإرشاد لعباده.

فأقواله القدريّة التي يوجد بها الأشياء ويدبّر بها الأمور كلّها حقّ لاشتمالها على الحكمة، والحسن، والإتقان.

وأقواله الشّرعية الدّينيّة وهي: أقواله الّتي تكلّم بها في كتبه، وعلى ألسنة رسله المشتملة على الصّدق التّام في الأخبار، والعدل الكامل في الأمر، والنّهي فإنه لا أصدق من الله قيلا ولا أحسن منه حديثاً {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً}(3) في الأمر والنهي.

وهي أعظم وأجلّ ما يرشد بها العباد بل لا حصول إلى الرّشاد بغيرها فمن ابتغى الهدى من غيرها أضلّه الله، ومن لم يسترشد بها فليس برشيد فيحصل بها :

الرّشد العلمي وهو بيان الحقائق والأصول، والفروع والمصالح والمضار، الدّينيّة والدّنيويّة،

– ويحصل بها الرّشد العملي فإنّها تزكّي النّفوس، وتطهّر القلوب، وتدعو إلى أصلح الأعمال، وأحسن الأخلاق، وتحثّ على كلّ جميل، وترهب عن كلّ ذميم رذيل،

فمن استرشد بها فهو المهتدي ومن لم يسترشد بها فهو ضال، ولم يجعل لأحد عليه حجّة بعد بعثته للرّسل وإنزاله الكتب المشتملة على الهدي المطلق، فكم بفضله هدى ضالاً وأرشد حائراً، وخصوصاً من تعلّق به وطلب منه الهدى من صميم قلبه، وعلم أنه المنفرد بالهداية" (4).

———–
(1) أورد المؤلف رحمه الله تعالى هذا الاسم ضمن أسماء الله ولكنه يفتقر إلى دليل يدل على تسمية الله تعالى به.

(2) توضيح الكافية الشافية (ص127).

(3) الأنعام (115).

(4) الحق الواضح المبين (ص78 و79) والتفسير (5/631).

الرّفيق:

قال رحمه الله تعالى: "ومن أسمائه "الرّفيق" في أفعاله وشرعه، وهذا قد أخذ من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إن الله رفيق يحبّ أهل الرّفق، وإن الله يعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف"(1).

فالله تعالى رفيق في أفعاله خلق المخلوقات كلّها بالتدريج شيئاً فشيئاً بحسب حكمته ورفقه مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة(2).

ومن تدبّر المخلوقات وتدبّر الشّرائع كيف يأتي بها شيئاً بعد شيء شاهد من ذلك العجب العجيب،

فالمتأنِّي الذي يأتي الأمور برفق وسكينة ووقار إتباعاً لسنن الله في الكون وإتباعاً لنبيه صلى الله عليه وسلم.

فإن كان هذا هديه وطريقه تتيسّر له الأمور، وبالأخصّ الذي يحتاج إلى أمر النّاس ونهيهم وإرشادهم، فإنه مضطرّ إلى الرّفق واللّين، وكذلك من آذاه الخلق بالأقوال البشعة وصان لسانه عن مشاتمتهم، ودافع عن نفسه برفق ولين، اندفع عنه من أذاهم ما لا يندفع بمقابلتهم بمثل مقالهم وفعالهم، ومع ذلك فقد كسب الرّاحة، والطّمأنينة والرّزانة والحِلم.

ومن تأمّل ما احتوى عليه شرعه من الرّفق وشرع الأحكام شيئاً بعد شيء وجريانها على وجه السِّعة واليسر ومناسبة العباد وما في خلقه من الحكمة إذ خلق الخلق أطواراً، ونقلهم من حالة إلى أخرى بحكم واسرار لا تحيط بها العقول.

والرّفق من العبد لا ينافي الحزم، فيكون رفيقاً في أموره متأنِّياً، ومع ذلك لا يفوّت الفرص إذا سنحت، ولا يهملها إذا عرضت"(3).

————-

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (4/2017، 2024) كتاب البر والصلة باب فضل الرفق من حديث عائشة رضي الله عنها بنحوه.

(2) الحق الواضح المبين (ص63).

(3) توضيح الكافية الشافية (ص123).

[ الصّفحات: في آخر 206 إلى بداية 207 ]


الرّقيب: (الرّقيب الشّهيد)

قال رحمه الله: "الرّقيب والشّهيد من أسمائه الحسنى وهما مترادفان، وكلاهما يدلّ على إحاطة سمع الله بالمسموعات وبصره بالمبصرات، وعلمه بجميع المعلومات الجليّة والخفيّة، وهو الرّقيب على ما دار في الخواطر، وما تحرّكت به اللّواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظّاهرة بالأركان(1).

والرّقيب المطّلع على ما أكنته الصّدور، القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير(2).

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(3) {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(4)

ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال القلوب هي التّعبّد لله باسمه الرّقيب الشّهيد، فمتى علم العبد أنّ حركاته الظّاهرة، والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله، أوجب له ذلك حراسة باطنة عن كلّ فكر وهاجس يبغضه الله، وحفظ ظاهره عن كلّ قول أو فعل يسخط الله وتعبّد بمقام الإحسان فعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه"(5).

———

(1) الحق الواضح المبين (ص58).
(2) التفسير (5/625).
(3) النساء (1).
(4) المجادلة (6).
(5) الحق الواضح المبين (ص58-59) وانظر: توضيح الكافية الشافية (ص122).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.