السلام عليكم ورحمة الله
السؤال:
أحسَن الله إليكم، وهذه امرأةٌ تسأل؛ تقول: تشكو زوجَها حيث إِنَّه قد بلغَ السبعين من عمره، ولا يزال تاركًا للصِّلاة بالكُلِيَّة، وكَسْبُهُ حرام، ويُدَخِّن ويَسُبُّ الدِّين، وأحيانًا يَسُبُّ الله – عزّ وجلّ- وقد نوصح مَرَّاتٍ وكَرَّات، ولا يزال على ما هو عليه؛ فما توجيهكم لهذه الزَّوجة – حفظكم الله-؟
الجواب:
إذا كُنْتِ مستوثقة من قولِك وعندكِ البَيِّنة؛ فارفعي أمرك للحاكم القاضي، واطلبي فسخ النِّكاح؛ لا خَيْرَ فيه، بل هو إن لم يكن كافرًا بما ذكرتِ – والعُهْدَةُ عليكِ– هو قريب من الكفر، لأنَّه خالفَ عوامَّ المسلمين فكيف بالعُقَلاء والعلماء؟! لا يوجد عامِّيٌ عاقل يَسُبُّ الله – عزَّ وجل – ويَسُبُّ الدِّين، وإن كانَ فاسِقًا من الفُسَّاق.
الشيخ: عبيد بن عبد الله الجابري
فقد جاء الإسلام ليهدي الضالين ليتمكنوا بحججه وبيناته من التفريق بين الحق والباطل، كما قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ…﴾ [البقرة (185)]
اصبري عليه ياختي
ولا ريب أن سب الله عزّ وجلّ يُعد أقبح وأشنع أنواع المكفِّرات القولية ، وإذا كان الاستهزاء بالله كفراً سواء استحله أم لم يستحله ، فإن السب كفر من باب أولى .
يقول ابن تيمية : إن سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم كفر ظاهراً وباطناً ، سواء كان السَّاب يعتقد أن ذلك محرم ، أو كان مستحلاً ، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده .
وقال ابن راهويه : قد أجمع المسلمون أن من سب الله تبارك وتعالى أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بما أنزل الله .
قال تعالى : { إنَّ الذين يُؤذون الله ورسوله لعلنهم الله في الدُّنيا والآخرة وأعدَّ لهم عذاباً مٌّهيناً . والَّذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً ميبناً } فرَّق الله عزّ وجلّ في الآية بين أذى الله ورسوله، وبين أذى المؤمنين والمؤمنات ، فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً، وجعل على ذلك اللعنة في الدنيا والآخرة وأعد له العذاب المهين، ومعلوم أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم وفيه الجلد، وليس فوق ذلك إلا الكفر والقتل.
قال القاضي عياض : لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم .
وقال أحمد في رواية عبد الله في رجل قال لرجل : يا بن كذا وكذا – أعني أنت ومن خلقك : هذا مرتد عن الإسلام تضرب عنقه.
وقال ابن قدامة : من سب الله تعالى كفر، سواءً كان مازحاً أو جاداً .
سُئل الشيخ محمّد بن عثيمين السؤال التالي:
هل يجوز البقاء لي بين قوم يسبُّون الله عزّ وجلّ؟
فأجاب رحمه الله: لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عزّ وجلّ
لقوله تعالى: ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا )
وسئل العلامة بن باز – رحمه الله – هذا السؤال :
لقد تزوجت قبل خمسة شهور من رجل يكبرني بسنة، وقبل الاتفاق على الزواج سألته عن الصلاة فأجابني بأنه لا يصلي، وواعدني بأن الصلاة ستكون بعد الزواج إن شاء الله، لكن للأسف بعد زواجي اكتشفت أنه لم يوف بوعده، ولم يؤد فريضة الصلاة ما عدا يوم الجمعة فيصليها في المسجد، ودائماً أدعوه للصلاة بالحسنى لأني أخاف الله، وقد سمعت أنه لا يجوز العيش مع إنسان كافرٍ تارك للصلاة، فهل هذا صحيح؟ ومشكلة أخرى أنه يشتغل في محل بيع ويسرق منه فلوس، كما ويحضر معه أغراض إلى البيت من هذا المحل وأستعملها؛ لأنني في أشد الحاجة إليها، فهل عليّ ذنب في استعمالها، وأكل ما يحضره من المحل، وعندما أشاهده يعمل ذلك أزجره على عمله ، إلا أنه يأخذ بشتمي وسبي وسب ديني وربي والعياذ بالله ، وزيادةً على ذلك فهو لا يريد أولاداً إلا بعد ثلاث أو خمس سنوات ، ويستعمل معي طريقة العزل وهي تؤذيني وأتألم منها ، وقد تعبت معه وأنا أحبه إلا أنني أكره أعماله ، وقد طلبت منه أن يطلقني وذهبنا إلى القاضي إلا أن القاضي أصلحنا مع بعضنا ، ووعد الجميع بأن يرتدع ولكن للأسف بدون فائدة! أفيدوني وأرشدوني ماذا أفعل؟".
فأجاب – رحمه الله :
مادام هذا الزوج في الحالة التي ذكرت من كونه لا يصلي إلا الجمعة ومن كونه يسبك, ويسب دينك, ويسب ربك هذا كافر لا يجوز البقاء معه, وسبه الرب وسبه الدين أعظم وأكبر من تركه الصلاة, ومن سب الدين كفر, ومن سب الرب كفر بإجماع أهل العلم, ومن ترك الصلاة كفر أيضاً في أصح قولي العلماء وإن لم يجحد وجوبها, لقول النبي – صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) , وقال عليه الصلاة والسلام : ( بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة ), فالصلاة أمرها عظيم, وهي عمود الإسلام فمن تركها جاحداً لوجوبها كفر بإجماع المسلمين, ومن تركها تكاسلاً وتهاوناً وهو يعلم أنها واجبة كفر أيضاً في أصح قولي العلماء للحديثين السابقين ولغيرهما من الأحاديث الصحيحة, ولكن سبه للدين, وسبه للرب أكبر وأعظم, فالواجب عليك أن تبتعدي عنه, وأن لا تمكنيه من نفسك, والنكاح والحال الذي ذكر باطل لا يصح لكونه ليس أهلاً لذلك, فالكافر لا ينكح المسلمة, والله يقول- سبحانه : ( لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ), ويقول سبحانه : ( وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ ) وهذا مشرك بسبه الدين وسبه الرب – عز وجل -, وكافر أيضاً بتركه الصلاة وإن صلى يوم الجمعة وإن صلى بعض الصلوات, فالواجب عليك الحذر منه والبعد عنه, وعدم تمكينه من نفسك علاوة على هذا فهو أيضاً لا يبالي بالحرام ويستحل الحرام ويأخذ مال من استأمنه بغير حق من المال الذي هو مستأمن عليه يأخذ منه ويأتي إليك بالحرام, فهذا فيه شر كثير وفيه البلاء العظيم, وعنده منكرات عظيمة كفر وغير كفر ، كفر ومعصية, فالواجب عليك الحذر من هذا الرجل, وعدم تمكينه من نفسك, والذهاب إلى أهلك, والمطالبة بإعطائك من القاضي وثيقة بإبطال بفسخ النكاح والتفرقة بينك وبينه نسأل الله لك العافية من شر هذا وبلاءه ونسأل الله أن يهديه ويرده إلى الإسلام .