أبعثها لكم بكل صدق ووضوح فأرجو منكم أن تعطوني نظركم وتتأملون فيما أكتبه حرفاً حرفاً لعل الله أن ينفعكم به فتغيرون من أسلوبكم ومعاملتكم معهما إن كنتم مقصرين في حقهما.
لعل من أهم الدوافع التي جعلتني أكتب تلك الرسالة ما رأيت بأم عيني في دار المسنين من عقوق للوالدين.. منذ زمن وأنا تراودني نفسي لزيارة دار المسنين حتى منَّ الله علي وأكرمني بتلك الزيارة التي أترقبها وأنتظرها منذ زمن بعيد..
فقد سمعت من أنواع العقوق من بعض النزيلات ما يدمي القلب ويتفطر له في هذا الزمان الذي قل فيه الخير وكثر فيه الشر وللأسف فإن العالم الإسلامي اليوم يموج بالكثير من الأولاد والبنات الذين ساروا على منهج الأعداء، وخالفوا أوامر الرب فانتشر العقوق انتشاراً رهيباً وذلك نتيجة للخواء الروحي والانحلال من القيم والمبادئ الإسلامية وعدم الاستقرار النفسي والعاطفي فقد بلغ السيل الزبى، وبلغ الأمر منتهاه حتى أصبح المجتمع المسلم يواجه مشكلة عقوق الوالدين.
رفع الإسلام من شأن الوالدين إلى أسمى المراتب وجعل رضاهما غاية سامية يسعى إليها كل إنسان وأوصى الله ورسوله الكريم بها قال الحسن البصري: حق الوالد أعظم وبر الأم ألزم، وبكل أسف في هذا العصر اختلفت المعايير الإنسانية وانقلبت الموازين على عقبيها لننظر إلى بعض الأبناء والعياذ بالله تجاه والديهم من التأفف والتضجر وهذا بطبيعة الحال عقوق وذلك من الأخلاق الذميمة لقسوة قلوبهم والبعد عن المنهج الرباني في طاعة الوالدين. الوالدان هم مصدر السعادة والراحة والأمان والألفة والاطمئنان ولهم عظيم الشأن وإن مما يحز في النفس أن ترى أناساً قد ارتفع مستواهم الاجتماعي والمادي، والمعنوي، وعاشوا في الترف وطغوا وبغوا وتكبروا على والديهم وأعمت الدنيا أبصارهم وطمست قلوبهم وعقوا والديهم بسبب الحرص على الدنيا وحب الشهوات فقد أورد القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: إن الله أمر بعبادته وتوحيده وجعل بر الوالدين مقروناً بذلك كما قرن شكرهما بشكره فقال: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }وقال: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام وقال تعالى: { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } فهل أحسنتم لهما؟!.
وسئل الحسن البصري ما بر الوالدين؟ قال: إن تبذل لهما ما ملكت وأن تطيعهما فيما أمرك به إلا أن يكون معصية.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح (أي يكون وقت الصباح) إليهما محتسباً إلا فتح الله له بابين (يعني من الجنة) وإن كان واحداً فواحداً وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه، قيل وإن: ظلما؟ قال: وإن ظلما.
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: (بر الوالدين كفارة الكبائر).
ولنعلم جميعاً أن الوالدين اللذين نسعى لخدمتهم ونحرص لمرضاتهم بعد رضى الله ورسوله ونبذل ما في وسعنا كي يناما قريري العين ما هم إلا عنصر بشري فيه من الأنس والشوق والمحبة ما الله به عليم.
فهم عطر الحياة الذي يفوح شذاه، وزهر يشم رائحته الأبناء، هم دفء الحياة وجمالها.. هم صمام الأمان والوقاية من النار، هم مدرسة الحياة التي تخرج منها الأبناء والبنات بالمبادئ السامية والأخلاق العالية..
هم كواكب مضيئة في حياتنا، وبلسم جروحنا، وملاذنا من عواصف الزمان وصروف الأيام والدهر، وجودهم نعمة عظيمة يجب شكر الله عليها..
وقد يدور في ذهن من توفى أبوه أو أمه بماذا أبرهما فاقرأ هذا الحديث: عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: فيما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبي شيء أبرهما بعد موتهما؟ قال: (نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما) والصلاة عليهما: أي الدعاء لهما فأرجو أن يأخذ كل واحد عهداً على نفسه إن كان عاقاً لهما فارجع وتب إلى الله وبرهما وإن كنت باراً بهما فكثف وأكثر ونمِّ برك بهما عسى الله أن يجعلك ممن يبر بهما.
ولا ننسى من كانت لهم صور مشرفة من بر الوالدين فهاهو أحد البارين يقول أبلغ من العمر ستين عاماً لا أذكر أني قد مشيت قبل أمي أو سبقت خطوتي خطواتها أو علا صوتي على صوتها أو أكلت قبلها أو أكلت منفرداً بدونها أو نمت قبل موعد نومها عمري ستون عاماً وفراشي بفراشها، فلله درك يا عبدالله هنيئاً لك برك بوالدتك ألم يقل في الحديث الشريف الجنة تحت أقدام الأمهات بل وتحت أقدام الآباء..!!
وأخيراً أرجو أن تكون هذه الرسالة مفتاح لكل خير وأن ينفع الله بها الجميع.