السؤال: ما هو حكم تخصيص فترة مابين صلاة المغرب وصلاة العشاء لذكر الله تعالى والصلاة على النبي ؟ وأيضا حكم تخصيص الفترة من بعد صلاة الجمعة حتى صلاة العصر لذكر الله ؟ جزاكم الله أعالي الجنان
الجواب : الحمد لله
تخصيص وقت لذكر الله أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، يقع على صورتين :
الأولى : أن يكون على سبيل التعبد واعتقاد الفضل في إيقاع العبادة في هذا الوقت ، وهذا لا يشرع إلا فيما ثبت تخصيصه من قبل الشارع .
والثانية : ألا يكون على سبيل التعبد ، بل يقع التخصيص لكونه وقت فراغ الإنسان ونشاطه ، ونحو ذلك ، وهذا لا حرج فيه ، ولم يزل السلف والخلف يحددون أوقاتا للدروس ، أو للمراجعة ، أو للحفظ ، أو للإقراء ، بما يناسب حالهم وحال المتلقي عنهم . وهذا هو الغالب على حال الناس فيما يختارونه ويخصصونه من الأوقات ، لكن وجد من أهل البدع من يتعبد بتخصيص وقت أو عدد أو هيئة لم ترد في الشرع . وقد عد هذا أهل العلم من البدع الإضافية.
قال الشاطبي رحمه الله : " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة ، تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه … ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة ، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا ، وما أشبه ذلك .
ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة ، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة ، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان ، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/37-39).
ومن الأوقات التي يشرع تخصيصها بالذكر : ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس ، وما بين العصر إلى غروبها ؛ لقوله تعالى : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ) طه/130 ، وقول سبحانه : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ) الأعراف/205، والآصال جمع أصيل ، وهو : ما بين العصر والمغرب .
وقال سبحانه : ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ . وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ) الروم/17، 18
وروى مسلم (670) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا .
وروى الترمذي (586) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
قال ابن القيم رحمه الله : " الفصل الأول في ذكر طرفي النهار ، وهما ما بين الصبح وطلوع الشمس ، وما بين العصر والغروب ، قال سبحانه وتعالى : ( يا أيها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ) والأصيل : قال الجوهري : هو الوقت بعد العصر إلى المغرب ، وجمعه أصل وآصال وآصائل … وقال تعالى : ( وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ) فالإبكار : أول النهار ، والعشي : آخره ، وقال تعالى : ( فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) وهذا تفسير ما جاء في الأحاديث من قال كذا وكذا حين يصبح وحين يمسي ، أن المراد به قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر " انتهى من "الوابل الصيب" ص 127
وذهب بعض أهل العلم إلى أن وقت أذكار المساء يمتد إلى العشاء .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قال المؤلف رحمه الله تعالى باب الذكر في الصباح والمساء .
يعني فضيلته في الصباح والمساء ، يعني أول النهار ، وآخر النهار وأول الليل ، ويدخل الصباح من طلوع الفجر ، وينتهي بارتفاع الشمس ضحى ، ويدخل المساء من صلاة العصر ، وينتهي بصلاة العشاء أو قريبا منها " انتهى من "شرح رياض الصالحين".
ومن الأوقات التي يستحب فيها الذكر والدعاء : الساعة الأخيرة من يوم الجمعة ؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَوْمُ الجُمُعة ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً ، لاَ يُوجَد فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله شَيْئاً إِلاَّ آتَاهُ إِيَّاهُ ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ العَصْر ) رواه أبو داود (1048) والنسائي (1389) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " ، والنووي في "المجموع" (4 / 471) .
وينظر : سؤال رقم (82609)، ورقم(112165).
ولم نقف على أفضلية للوقت الواقع بين صلاة الجمعة والعصر ، وعليه يقال : لا حرج في تخصيص هذا الوقت للذكر ، إذا لم يكن التخصيص على سبيل التعبد واعتقاد فضل هذا الوقت ، بل لكونه وقت الفراغ أو النشاط .
وأما ما بين المغرب والعشاء فهو وقت لأذكار المساء ، عند بعض أهل العلم كما سبق ، وذهب بعضهم إلى استحباب التنفل فيه مطلقا ، كما قال قتادة وعكرمة . [ ينظر : البحر المحيط لأبي حيان 8/437] .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
بارك الله فيك
وفقكم الباري..
تحياتي,,