تخطى إلى المحتوى

حكم الإحتفال بالمولد النبوي الشريف 2024.

  • بواسطة
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
يقول السائل: بالنسبة للاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول من كل عام، أنا أعرف أنه بدعة، ولكنني سمعت من يقول بأن هناك بدعة حسنة أو بدعة مستحبة، وهناك من يعملونه في كل عام هجري في شهر ربيع الأول، فأرجو إيضاح ذلك، بارك الله فيكم؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم أمر قد كثر فيه الكلام، وكتبنا فيه كتابات متعددة، ونشرت في الصحف مرات كثيرة، ووزعت مرات كثيرة، وكتب فيه غيري من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم، وبيَّن أولئك العلماء أنه بدعة، وأن وجوده من بعض الناس لا يبرر كونه سنة، ولا يدل على جوازه ومشروعيته.

وقد نص على ذلك أيضا الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام، وكتب في هذا أيضا شيخنا العلامة الكبير محمد بن إبراهيم رحمه الله كتابة وافية، وليس في هذا والحمد لله شك عند من عرف الأصول وعرف القاعدة الشرعية في كمال الشريعة والتحذير من البدع، وإنما يُشكل هذا على بعض الناس الذين لم يحققوا الأصول ولم يدرسوا طريقة السلف الصالح دراسة وافية كافية، بل اغتروا بمن فعل المولد من بعض الناس فقلدوه، أو اغتروا بمن قالت إن في الإسلام بدعة حسنة.

والصواب في هذا المقام أن الاحتفال بالموالد كله بدعة، بمولده عليه الصلاة والسلام وبمولد غيره، كمولد البدوي أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهما، لم يفعله السلف الصالح، ولم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم احتفالا بمولده، وهو المعلم المرشد عليه الصلاة والسلام، وقد بلغ البلاغ المبين، ونصح الأمة وما ترك سبيلا يقرب من الله ويدني من رحمته إلا بيَّنه للأمة وأرشدهم إليه، وما ترك سبيلا يباعد من رحمة الله ويدني من النار إلا بيَّنه للأمة وحذرهم منه، فقد قال الله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا [المائدة: 3].

وقد أقام عليه الصلاة والسلام في مكة ثلاث عشرة سنة وفي المدينة عشر سنين ولم يحتفل بهذا المولد، ولم يقل للأمة افعلوا ذلك، ثم صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا ذلك، لا الخلفاء الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة، ثم التابعون لهم بإحسان من التابعين وأتباع التابعين من القرون المفضلة كلهم على هذا السبيل، لم يفعلوا شيئا من هذا؛ لا قولا ولا عملا.
ثم أتى بعض الناس في القرن الرابع ممن ينسب إلى البدعة من الشيعة الفاطميين المعروفين، حكام مصر والمغرب فأحدثوا هذه البدعة، ثم تابعهم غيرهم من بعض أهل السنة جهلا بالحق، وتقليدا لمن سار في هذا الطريق، أو أخذا بشبهات لا توصل إلى الحق.
فالواجب على المؤمن أن يأخذ الحق بدليله، وأن يتحرى ما جاءت به السنة والكتاب حتى يكون حكمه على بينة وعلى بصيرة، وحتى يكون سيره على منهج قويم.

والله يقول: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى: 10]، ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59].

وإذا نظرنا فيما يفعله الناس من الاحتفالات ورددناها إلى القرآن العظيم لم نجد فيه ما يدل عليها، وإذا رددناه إلى السنة لم نجد فيها ما يدل على ذلك لا فعلا ولا قولا ولا تقريرا، فعلم بذلك أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة بلا شك يجب تركها ولا يجوز فعلها، ومن فعل ذلك من الناس فهو بين أمرين: إما جاهل لم يعرف الحق فيعلم ويرشد، وإما متعصب لهوى وغرض، فيدعى للصواب ويدعى له بالهداية والتوفيق، وليس واحد منهما حجة؛ لا الجاهل ولا المتعصب، وإنما الحجة فيما قاله الله ورسوله لا في قول غيرهما.

ثم القول بأن البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة وإلى محرمة وواجبة؛ قول بلا دليل، وقد رد ذلك أهل العلم واليقين وبينوا خطأ هذا التقسيم، واحتجوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد يعني: فهو مردود (متفق على صحته)، وروى مسلم رحمه الله في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد يعني: فهو مردود.

وفي الصحيح عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ولم يقل البدعة فيها كذا وكذا؛ بل قال: كل بدعة ضلالة. وقد وعظ أصحابه فقال: وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
والبدعة شرعا إنما تكون في أمور الدين والتقرب إلى الله سبحانه، لا في أمور الدنيا، أما أمور الدنيا مثل المآكل والمشارب فللناس أن يحدثوا بمآكلهم وطعامهم وشرابهم صناعات خاصة، يصنعون الخبز على طريقة والأرز على طريقة، وأنواعا أخرى على طريقة، لهم أن يتنوعوا في طعامهم، وليس في هذا حرج.

وإنما الكلام في القربات والعبادات التي يتقرب بها إلى الله، هذا هو محل التبديع، وكذلك الصناعات، وآلات الحرب للناس أن يحدثوا أشياء يستعينون بها في الحرب، من القنابل والمدافع وغير ذلك، وللناس أن يحدثوا المراكب والطائرات والسفن الفضائية والقطارات، ليس في هذا شيء، إنما الكلام فيما يتقرب به إلى الله، ويعده الناس قربة وطاعة يرجون ثوابها عند الله.

هذا هو محل النظر، فما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو ولا أصحابه، ولم يدل عليه صلى الله عليه وسلم، ولم يرشد إليه، بل أحدثه الناس وأدخلوه في دين الله فهو بدعة؛ شاء فلان أم غضب فلان، فالحق أحق بالاتباع.

ومن هذا الباب ما أحدثه الناس من بناء المساجد على القبور واتخاذ القباب عليها، فهذه من البدع التي وقع بها شر كثير، حتى وقع الشرك الأكبر وعبدت القبور من دون الله؛ بأسباب هذه البدع، فيجب على المؤمن أن ينتبه لما شرعه الله فيأخذ به، وعليه أن ينتبه لما ابتدعه الناس فيحذره؛ وإن عظَّمه المشار إليهم من أهل الجهل، أو التقليد الأعمى، والتعصب.

فلا عبرة عند الله بأهل التقليد الأعمى، ولا بأهل التعصب، ولا بأهل الجهل، وإنما الميزان عند الله لمن أخذ بالدليل واحتج بالدليل وأراد الحق بدليله، هذا هو الذي يعتبر في الميزان، ويرجع إلى قوله، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.

بدعة المولد

محمد ناصر الدين الألباني

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ}.
{يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}.
{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.

أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد فقد بدا لي أن أجعل كلمتي في هذه الليلة بديل الدرس النظامي حول موضوع احتفال كثير المسلمين بالمولد النبوي، وليس ذلك مني كل قيام بواجب التذكير وتقديم النصح لعامة المسلمين، فإنه واجب من الواجبات كما هو معلوم عند الجميع، جرى عرف المسلمين من بعد القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية على الاحتفال بولادة النبي – صلى الله عليه وسلم -، وبدأ الاحتفال بطريقة وانتهى اليوم إلى طريقة، وليس يهمني في هذه الكلمة الناحية التاريخية من المولد وما جرى عليه من تطورات إنما المهم من كلمتي هذه أن نعرف موقفنا الشرعي من هذه الاحتفالات، قديمها وحديثها؛ فنحن معشر أهل السنة لا نحتفل احتفال الناس هؤلاء بولادة الرسول – صلى الله عليه وسلم -، ولكننا نحتفل احتفالاً من نوع آخر، ومن البدهي أنني لا أريد الدندنة حول احتفالنا نحن معشر أهل السنة وإنما ستكون كلمتي هذه حول احتفال الآخرين، لأبين أن هذا الاحتفال وإن كان يأخذ بقلوب جماهير المسلمين؛ لأنهم يستسلمون لعواطفهم التي لا تعرف قيداً شرعياً مطلقا، وإنما هي عواطف جانحة.
فنحن نعلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – جاء بالدين كاملاً وافياً تاماً، والدين هو كل شيء يتدين به المسلم وأن يتقرب به إلى الله – عز وجل – ليس ثمة دين إلا هذا الدين، هو كل ما يتدين به ويتقرب به المسلم إلى الله – عز وجل -، ولا يمكن أن يكون شيء ما من الدين في شيء ما، إلا إذا جاء به نبينا صلوات الله وسلامه عليه، أما ما أحدثه الناس بعد وفاته – صلى الله عليه وسلم -، فلا سيما بعد القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، فهي لاشك ولا ريب من محدثات الأمور.

وقد علمتم جميعاً حكم هذه المحدثات من افتتاحية دروسنا كلها حيث نقول فيها كما سمعتم آنفاً "خير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" ونحن وإياهم مجمعون على أن هذا الاحتفال أمر حادث لم يكن ليس فقط في عهده – صلى الله عليه وسلم -، بل ولا في عهد القرون الثلاثة كما ذكرنا آنفاً.

ومن البدهي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته لم يكن ليحتفل بولادته؛ ذلك لأن الاحتفال بولادة إنسان ما إنما هي طريقة نصرانية مسيحية لا يعرفه الإسلام مطلقاً في القرون المذكورة آنفاً، فمن باب أولى ألا يعرف ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولأن عيسى نفسه الذي يحتفل بميلاده المدّعون إتباعه، عيسى نفسه لم يحتفل بولادته، مع أنها ولادة خارقة للعادة، وإنما الاحتفال بولادة عيسى – عليه السلام – هو من البدع التي ابتدعها النصارى في دينهم، وهي كما قال ربنا – عز وجل – {ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}، هذه البدع التي اتخذها النصارى -ومنها الاحتفال بميلاد عيسى- ما شرعها الله – عز وجل -، وإنما هم ابتدعوها من عند أنفسهم. فلذلك إذا كان عيسى لم يحتفل بميلاده ومحمد – صلى الله عليه وسلم – أيضاً كذلك لم يحتفل بميلاده، والله – عز وجل – يقول {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، فهذا من جملة الإقتداء بنبينا وبعيسى – عليه الصلاة والسلام -، وهو نبينا أيضاً، ولكن نبوّته نسخت ورفعت بنبوة خاتم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهما. ولذلك فعيسى حينما ينزل في آخر الزمان -كما جاء في الأحاديث الصحيحة المتواترة- إنما يحكم بشريعة محمد – صلى الله عليه وسلم -.

فإذاً محمد – صلى الله عليه وسلم – لم يحتفل بميلاده، وهنا يقول بعض المبتلين بالاحتفال غير المشروع -الذي نحن في صدد الكلام عليه-، يقولون محمد – صلى الله عليه وسلم – ما راح يحتفل بولادته، طيب سنقول: لم يحتفل بولادته – عليه السلام – بعد وفاته أحب الخلق من الرجال إليه، وأحب الخلق من النساء إليه، ذلكما أبو بكر وابنته عائشة – رضي الله عنهما -، ما احتفلا بولادة الرسول – صلى الله عليه وسلم -، كذلك الصحابة جميعاً، كذلك التابعون، كذلك أتباعهم، وهكذا. إذاً لا يصح لإنسان يخشى الله ويقف عند حدود الله ويتعظ بقول الله – عز وجل -: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، فلا يقولن أحد الناس الرسول ما احتفل لأنه هذا يتعلق بشخصه لأنه يأتي بالجواب؛ لا أحد من أصحابه جميعاً أحتفل به – عليه السلام -، فمن الذي أحدث هذا الاحتفال من بعد هؤلاء الرجال الذين هم أفضل الرجال، ولا أفضل من بعدهم أبداً، ولن تلد النساء أمثالهم إطلاقاً.

من هؤلاء الذين يستطيعون -بعد مضي هذه السنين الطويلة ثلاثمائة سنة يمضون- لا يحتفلون هذا الاحتفال أو ذاك، وإنما احتفالهم من النوع الذي سأشير إليه إشارة سريعة كما فعلت آنفاً -فهذا يكفي المسلم أن يعرف أن القضية ليست قضية عاطفة جانحة لا تعرف الحدود المشروعة وإنما هو الاتباع والاستسلام لحكم الله – عز وجل – ومن ذلك {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، فرسول الله ما احتفل، إذاً نحن لا نحتفل، إن قالوا ما احتفل لشخصه، نقول ما احتفل أصحابه أيضاً بشخصه من بعده، فأين تذهبون؟ كل الطرق مسدودة أمام الحجة البينة الواضحة التي لا تفسح مجالاً مطلقاً للقول بحسن هذه البدعة، وإن مما يبشر بالخير أن بعض الخطباء والوعاظ بدأوا يضطرون ليعترفوا بهذه الحقيقة، وهي أن الاحتفال هذا بالمولد بدعة وليس من السنة، ولكن يعودهم ويحتاجون إلى شيء من الشجاعة العلمية، التي تتطلب الوقوف أمام عواطف الناس الذين عاشوا هذه القرون الطويلة وهم يحتفلون، فهؤلاء كأنهم يجبنون أو يضعفون أن يصدعوا بالحق الذي اقتنعوا به، ولذلك لا تجد يروق -ولا أريد أن أقول يسدد ويقارب- فيقول صحيح أن هذا الاحتفال ليس من السنة ما احتفل الرسول ولا الصحابة ولا السلف الصالح، ولكن الناس اعتادوا أن يحتفلوا ويبدو أن الخلاف فقري، هكذا يبرر القضية ويقول الخلاف شكلي.

لكن الحقيقة أنهم انتبهوا أخيراً إلى أن هذا المولد خرج عن موضوع الاحتفال بولادة الرسول – صلى الله عليه وسلم -في كثير من الأحيان-، حيث يتطرف الخطباء أموراً ليس لها علاقة بالاحتفال بولادة الرسول – صلى الله عليه وسلم -، أريد ألا أطيل في هذا، ولكني أذكّر لأمر هام جداً طالما غفل عنه جماهير المسلمين، حتى بعض إخواننا الذين يمشون معنا على الصراط المستقيم وعلى الابتعاد من التعبد إلى الله – عز وجل – بأي بدعة، قد يخفى عليهم أن أي بدعة يتعبد المسلم بها ربه – عز وجل -، هي ليست من صغائر الأمور ومن هنا نعتقد أن تقسيم البدعة إلى محرمة وإلى مكروهة يعني كراهه تنزيهيه، هذا التقسيم لا أصل له في الشريعة الإسلامية، كيف وهو مصادم مصادمة جلية للحديث الذي تسمعونه دائما وأبداً « كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار».

فليس هناك بدعة لا يستحق صاحبها النار، ولو صح ذلك التقسيم لكان الجواب ليس كل بدعة يستحق صاحبها دخول النار، لم؟ لأن ذاك التقسيم يجعل بدعة محرمة، فهي التي تؤهل صاحبها النار، وبدعة مكروهة، تنزيهاً لا تؤهل صاحبها للنار، وإنما الأولى تركها والإعراض عنها والسر.

وهنا الشاهد من إشارتي السابقة التي لا ينتبه لها الكثير، والسر في أن كل بدعة كما قال – عليه الصلاة والسلام – بحق ضلالة، هو أنه من باب التشريع في الشرع الذي ليس له حق التشريع إلا رب العالمين تبارك وتعالى، فإذا انتبهتم لهذه النقطة عرفتم حينذاك لماذا أطلق – عليه الصلاة والسلام – على كل بدعة أنها في النار -أي صاحبها ذلك-، لأن المبتدع حينما يشرّع شيئاً من نفسه فكأنه جعل نفسه شريكاً مع ربه تبارك وتعالى، والله – عز وجل – يأمرنا أن نوحده في عبادته وفي تشريعه فيقول -مثلاً- في كتابه: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أنداداً في كل شيء، من ذلك في التشريع. ومن هنا يظهر معشر الشباب المسلم الواعي المثقف الذي انفتح له الطريق إلى التعرف على الإسلام الصحيح، من المفتاح "لا إله إلا الله" وهذا التوحيد الذي يستلزم -كما بين ذلك بعض العلماء قديما وشرحوا ذلك شرحا بينا ثم تبعهم بعض الكتاب المعاصرين- أن هذا التوحيد يستلزم إفراد الله – عز وجل – بالتشريع، يستلزم ألا يشرع أحد مع الله – عز وجل – أمراً ما، سواء كان صغيراً أم كبيراً، جليلاً أم حقيراً، لأن القضية ليست بالنظر إلى الحكم هو صغير أم كبير وإنما إلى الدافع إلى هذا التشريع فإن كان هذا التشريع صدر من الله، تقربنا به إلى الله، وإن كان صدر من غير الله – عز وجل – نبذناه، وشرعته نبذ النواة.

ولم يجز للمسلم أن يتقرب إلى الله – عز وجل – بشيء من ذلك، وأولى ألا يجوز للذي شرّع ذلك أن يشرعه وأن يستمر على ذلك وأن يستحسنه، هذا النوع من إفراد الله – عز وجل – بالتشريع هو الذي اصطلح عليه اليوم بعض الكتّاب الإسلاميين، بتسمية بأن الحاكمية لله – عز وجل – وحده. لكن مع الأسف الشديد، أخذ شبابنا هذه الكلمة -كلمة ليست مبيّنة مفصّلة لا تشتمل كل شرعة أو كل أمر أدخل في الإسلام وليس من الإسلام في شيء- أن هذا الذي أدخل قد شارك الله – عز وجل – في هذه الخصوصية، ولم يوحّد الله – عز وجل – في تشريعه، ذلك لأن السبب -فيما أعتقد- في عدم وضوح هذا المعنى الواسع لجملة أن الحاكمية لله – عز وجل – هو أن الذين كتبوا حول هذا الموضوع أقولهم -مع الأسف الشديد- ما كتبوا ذلك إلا وهم قد نبّهوا بالضغوط الكافرة التي ترد بهذه التشريعات وهذه القوانين من بلاد الكفر وبلاد الضلال، ولذلك فهم حينما دعوا المسلمين وحاضروا وكتبوا دائماً وأبداً حول هذه الكلمة الحقة -وهي أن الحاكمية لله – عز وجل – وحده- كان كلامهم دائماً ينصبّ ويدور حول رفض هذه القوانين الأجنبية التي ترد إلينا من بلاد الكفر -كما قلنا- لأن ذلك إدخال في الشرع ما لم يشرعه الله – عز وجل -. هذا كلام حق لاشك ولا ريب، ولكن قصدي أن ألفت نظركم أن هذه القاعدة الهامة -وهي أن الحاكمية لله – عز وجل – لا تنحصر فقط برفض هذه القوانين التي ترد إلينا من بلاد الكفر، بل تشمل هذه الجملة هذه الكلمة الحق كل شيء دخل في الإسلام، سواء كان وافداً إلينا أو نابعاً منا، مادام أنه ليس من الإسلام في شيء.

هذه النقطة بالذات هي التي يجب أن نتنبه لها، وأن لا نتحمس فقط لجانب هو هذه القوانين الأجنبية فقط -وكفرها واضح جداً- نتنبه لهذا فقط بينما دخل الكفر في المسلمين منذ قرون طويلة وعديدة جداً، والناس في غفلة من هذه الحقيقة، فضلاً عن هذه المسائل التي يعتبرونها طفيفة. لذلك فهذا الاحتفال يكفي أن تعرفوا أنه محدث ليس من الإسلام في شيء ولكن يجب أن تتذكروا مع ذلك أن الإصرار على استحسان هذه البدعة مع إجمال جميل كما ذكرت آنفا أنها محدثة فالإصرار على ذلك أخشى ما أخشاه أن يدخل المصر على ذلك في جملة {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ}، وأنتم تعلمون أن هذه الآية لما نزلت وتلاها النبي – صلى الله عليه وسلم -، كان في المجلس عدي بن حاتم الطائي، وكان من العرب القليلين الذين قرأوا وكتبوا، وبالتالي تنصّروا فكان نصرانياً، فلما نزلت هذه الآية لم يتبين له المقصد منها، فقال يا رسول الله كيف ربنا يقول عنا نحن النصارى سابقاً {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ}، ما اتخذناهم أحبارنا أرباباً من دون الله – عز وجل -كأنه فَهِمَ أنهم اعتقدوا بأحبارهم ورهبانهم أنهم يخلقون مع الله يرزقون مع الله وإلى غير ذلك من الصفات التي تفرد الله بها – عز وجل – دون سائر الخلق- فبيّن له الرسول – عليه السلام – بأن هذا المعنى الذي خطر في بالك ليس هو المقصود بهذه الآية، وإن كان هو معنى حق، لا يجوز للمسلم أن يعتقد أن إنساناً ما يخلق ويرزق، لكن المعنى هنا أدق من ذلك، فقال له: « أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ » قال أما هذا فقد كان فقال – عليه السلام -، فذاك اتخاذكم إياهم أربابا من دون الله ". لذلك فالأمر خطير جداً؛ استحسان بدعة المستحسن، وهو يعلم أنه لم يكن من عمل السلف الصالح -ولو كان خيرا لسبقونا إليه-، قد حشر نفسه في زمرة الأحبار والرهبان الذين اتُخذوا أرباباً من دون الله – عز وجل -، والذين أيضاً يقلّدونهم، فهم الذين نزل في صددهم هذه الآية أو في أمثالهم {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ}، غرضي من هذا أنه لا يجوز للمسلم -كما نسمع دائماً وكما سمعنا قريباً- الخلاف شكلي؛ الخلاف جذري وعميق جداً لأننا نحن ننظر إلى أن هذه البدعة وغيرها داخلة أولاً في عموم الحديث السابق « كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار » وثانياً، ننظر إلى أن موضوع البدعة مربوط بالتشريع الذي لم يأذن به الله – عز وجل -، كما قال – تعالى -: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} وهذا يقال كله إذا وقف الأمر فقط عند ما يسمى بالاحتفال بولادته – عليه السلام -، بمعنى قراءة قصة المولد، أما إذا انضم إلى هذه القراءة أشياء وأشياء كثيرة جداً، منها أنهم يقرءون من قصته – عليه الصلاة والسلام – قصة المولد، أولاً مالا يصح نسبته إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وثانياً يذكرون من صفاته – عليه السلام – فيما يتعلق بولادته ما يشترك معه عامة البشر، بينما لو كان هناك يجب الاحتفال -أو يجوز على الأقل- بالرسول – صلى الله عليه وسلم – كان الواجب أن تذكر مناقبه – عليه الصلاة والسلام -، وأخلاقه وجهاده في سبيل الله، وقلبه لجزيرة العرب من الإشراك بالله – عز وجل – إلى التوحيد من الأخلاق الجاهلية، الطالحة الفاسدة، إلى الأخلاق الإسلامية. كان هذا هو الواجب أن يفعله لكنهم جروا على نمط من قراءة الموارد -لا سيما إلى عهد قريب- عبارة عن أناشيد وعبارة عن كلمات مسجعة ويقال في ذلك من جملة ما يقال مثلا مما بقى في ذاكرتي والعهد القديم "حملت به أمة تسعة أشهر قمرية" ما الفائدة من ذكر هذا الخبر؟

وكل إنسان منا تحمل به أمه تسعة أشهر قمرية، القصد هل أفضل البشر وسيد البشر – عليه الصلاة والسلام – يذكر منه هذه الخصلة التي يشترك فيها حتى الكافر؟ إذا خرج القصد من المولد خرج عن هدفه بمثل هذا الكلام الساقط الواهي، بعضهم مثلا يذكرون بأنه ولد مختوناً، مشروع وهذا من الأحاديث الضعيفة والموضوعة فهكذا يمدح الرسول – عليه السلام -؟

يعني نقول أن الاحتفال في أصله لو كان ليس فيه مخالفة سوى أنه محدث لكفى وجوباً الابتعاد عنه للأمرين السابقين، لأنه محدث ولأنه تشريع والله عز رجل لا يرضى من إنسان أن يشرع للخلق ما يشاء، فكيف وقد انضم إلى المولد على مر السنين أشياء وأشياء -مما ذكرنا ومما يطول الحديث فيما لو استعرضنا الكلام على ذلك-، فحسب المسلم إذاً التذكير هنا والنصيحة أن يعلم أن أي شيء لم يكن في عهد الرسول – عليه السلام – وفي عهد السلف الصالح، فمهما زخرفه الناس ومهما زيّنوه ومهما قالوا هذا في حب الرسول -وأكثرهم كاذبون فلا يحبون الرسول إلا باللفظ وإلا بالغناء والتطريب ونحو ذلك-، مهما زخرفوا هذه البدع فعلينا نحن أن نظل متمسكين بما عليه سلفنا الصالح – رضي الله عنهم – أجمعين.

وتذكروا معنا بأن من طبيعة الإنسان المغالاة في تقدير الشخص الذي يحبه لاسيما إذا كان هذا الشخص لا مثل له في الدنيا كلها، ألا وهو رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فمن طبيعة الناس الغلو في تعظيم هذا الإنسان، إلا الناس الذين يأتمرون بأوامر الله – عز وجل – ولا يعتدون؛ فهم يتذكرون دائماً وأبداً مثل قوله- تبارك وتعالى -: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}، فإذا كان الله – عز وجل – قد اتخذ محمداً – صلى الله عليه وسلم – نبياً، فهو قبل ذلك جعله بشراً سوياً، لم يجعله ملكاً خلق من نور مثلاً -كما يزعمون- وإنما هو بشر، تأكيداً للقرآن الكريم: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}، هو نفسه أكد ذلك في غير ما مناسبة فقال: « إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكّروني »، وقال لهم مرة « لا ترفعوني فوق قدري، فإن الله اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا ».

لذلك في الحديث الصحيح في البخاري ومسلم عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: « لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ».

هذا الحديث تفسير للحديث السابق « لا ترفعوني فوق قدري، فإن الله اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا »، فهو يقول لا تمدحوني كما فعلت النصارى في عيسى بن مريم، كأن قائلاً يقول كيف نقول يا رسول الله كيف نمدحك؟ قال « أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله » ونحن حينما نقول في رسولنا – صلى الله عليه وسلم – عبد الله ورسوله فقد رفعناه ووضعناه في المرتبة التي وضعه الله – عز وجل – فيها، لن ننزل به عنها ولم نصعد به فوقها. هذا الذي يريده رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منا. ثم نجد النبي صلوات الله وسلامه عليه يطبق هذه القواعد ويجعلها حياة يمشي عليها أصحابه صلوات الله وسلامه عليه معه، فقد ذكرت لكم غير ما مرة قصة معاوية بن جبل – رضي الله عنه – حينما جاء إلى الشام -وهي يومئذ من بلاد الروم بلاد النصارى يعبدون القسيسين والرهبان- بقي في الشام ما بقي لتجارة فيما يبدو، ولما عاد إلى المدينة فكان لما وقع بصره على النبي – صلى الله عليه وسلم -، همّ ليسجد لمن؟ لسيد الناس، فقال له – عليه الصلاة والسلام – « مه يا معاذ، قال يا رسول الله إني أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون لقسيسيهم وعظمائهم، فرأيتك أنت أحق بالسجود منهم »، فقال – عليه الصلاة والسلام – « لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها » وهذا الحديث جاء في مناسبات كثيرة -لا أريد أن أستطرد إليها-، وحسبنا هنا أن نلفت النظر إلى ما أراد معاذ بن جبل أن يفعل من السجود للنبي – صلى الله عليه وسلم -، ما الذي دفعه على هذا السجود؟ هل هو بغضه للرسول – عليه السلام -؟ بطبيعة الحال لا، إنما هو العكس تماماً هو حبه للنبي – صلى الله عليه وسلم – الذي أنقذه من النار. لولا الرسول – عليه السلام – أرسله الله إلى الناس هداية لجميع العالم، لكان الناس اليوم يعيشون في الجاهلية السابقة وأضعاف مضاعفة عليها، فلذلك ليس غريباً أبداً، لاسيما والتشريع بعد لم يكن قد كمل وتم. ليس غريباً أبداً أن يهمّ معاذ بن جبل بالسجود للنبي – صلى الله عليه وسلم – كإظهار لتبجيله واحترامه وتعظيمه، لكن النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي كان قرر في عقولهم وطبعهم على ذلك، يريد أن يثبت عملياً بأنه بشر وأن هذا السجود لا يصلح إلا لرب البشر، ويقول « لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها ». في بعض روايات الحديث "ولكن لا يصلح السجود إلا لله – عز وجل – ".

إذا نحن لو استسلمنا لعواطفنا لسجدنا لنبينا – صلى الله عليه وسلم -، سواء كان حياً أو ميتاً لماذا؟ تعظيماً له لأن القصد تعظيمه وليس القصد عبادته – عليه السلام -، ولكن إذا كنا صادقين في حبه – عليه الصلاة والسلام – فيجب أن نأتمر بأمره وأن ننتهي بنهيه وألا نضرب بالأمر والنهي عرض الحائط -بزعم أنه نحن نفعل ذلك حباً لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – كيف هذا؟ هذا أولاً عكس للنص القرآني ثم عكس للمنطق العقلي السليم. ربنا – عز وجل – يقول {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}. فإذاً اتباع الرسول – عليه السلام – هو الدليل الحق الصادق الذي لا دليل سواه على أن هذا المتبع للرسول – عليه السلام – هو المحب لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم -.

ومن هنا قال الشاعر قوله المشهور:
تعصى الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمرك في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لاطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع

هناك مثال دون هذا، ومع ذلك فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ربّى أصحابه على ذلك، أن الناس في الجاهلية كانوا يعيشون على عادات جاهلية -وزيادة أخرى- عادات فارسية أعجمية، ومن ذلك أنه يقوم بعضهم لبعض، كما نحن نفعل اليوم تماماً لأننا لا نتبع الرسول – عليه السلام – ولا نصدق أنفسنا بأعمالنا أننا نحبه – عليه الصلاة والسلام -، وإنما بأقوالنا فقط؛ ذلك أن الناس كان يقوم بعضهم لبعض، أما الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقد كان أصحابه معه كما لو كان فرداً منهم، لا أحد يظهر له من ذلك التبجيل الوثني الفارسي الأعجمي شيئاً إطلاقاً وهذا نفهمه صراحة من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه -، قال: "ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – و كانوا لا يقومون لما يعلمون من كراهيته لذلك" أنظروا هذا الصحابي الجليل الذي تفضل الله عليه فأولاه خدمة نبيه عشرة سنين، أنس بن مالك، كيف يجمع في هذا الحديث بين الحقيقة الواقعة بينه – عليه السلام – وبين أصحابه من حبهم إياه، وبين هذا الذي يدندن حوله أن هذا الحب يجب أن يقيّد بالإتباع وأن لا ينصاع، وأن لا يخضع صاحبه لمن هوى " وحبك الشيء يعمي ويصم" فهو يقول حقاً ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، هذه حقيقة لا جدال فيها، لكنه يعطف على ذلك فيقول: "وكانوا لا يقومون لما يعلمون من كراهيته لذلك". إذاً لماذا كان أصحاب الرسول – عليه السلام – لا يقومون له؟ إتباعاً له، تحقيقاً للآية السابقة {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}، فاتباع الرسول هو دليل حب الله حباً صحيحاً، ما استسلموا لعواطفهم -كما وقع من الخلف الطالح-، نحن نقرأ في بعض الرسائل التي ألفت حول هذا المولد -الذي نحن في صدد بيانه- أنه محدث جرت مناقشات كثيرة -مع الأسف والأمر كالصبح أبلج واضح جداً- فناس ألفوا في بيان ما نحن في صدده أن هذا ليس من عمل السلف الصالح وليس عبادة وليس طاعة، وناس تحمّسوا واستسلموا لعواطفهم، وأخذوا يتكلمون كلاماً لا يقوله إلا إنسان ممكن أن يقال في مثله إن الله – عز وجل – إذا أخذ ما وهب أسقط ما أوجب، لماذا؟ لأن في المولد حتى الطريقة القديمة -ما أدري الآن لعلهم نسخوها أو عدلوها كانوا يجلسون على الأرض فكانوا إذا جاء القارئ لقصة ولادة الرسول – عليه السلام – ووضع أمه إياه قاموا جميعاً قياماً وكانوا يبطشون بالإنسان إذا لم يتحرك وظل جالساً فجرت مناقشات حول هذا الموضوع- فألف بعضهم رسالة فقال هذا الإنسان الأحمق، قال لو استطعت أن أقوم لولادة الرسول – عليه السلام – على رأسي لفعلت، هذا يدري ما يقول الحق ما قال الشاعر:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

ترى إذا عملنا مقابلة بين هذا الإنسان الأحمق، وبين صحابة الرسول الكرام حسبنا واحد منهم -ليس الصحابة حتى لا نظلمهم- ترى من الذي يحترم ويوقر الرسول – عليه السلام – أكثر، أذاك الصحابي الذي إذا دخل الرسول – عليه السلام – لا يقوم له، أم هذا الخلف الأحمق، يقول لو تمكنت لقمت على رأسي؟

هذا كلام إنسان – مثل ما قلنا آنفاً يعني هايم ما يدري ما يخرج من فمه- وإلا إذا كان يتذكر سيرة الرسول – عليه السلام – وأخلاقه وتواضعه، وأمره للناس بأنه ما يرفعوه -إلى آخر ما ذكرنا آنفاً – لما تجرأ أن يقول هذه الكلمة -لاسيما وهو يقول ذلك بعد وفاته – عليه السلام – حيث الشيطان يتخذ طريقاً واسعاً جداً لإضلال الناس وإشكال الناس لنبيهم بعد وفاته أكثر منه في حياته – عليه السلام – لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو حي يرى فينصح ويذكر ويمعلم – وهو سيد المعلمين – فلا يستطيع الشيطان أن يتقرب إلى أحد بمثل هذا التعظيم الذي هو من باب الشرك، أما بعد وفاته – عليه السلام – فهنا ممكن أن الشيطان يتوغل إلى قلوب الناس وإخراجهم عن الطريق الذي تركهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

فإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته ما يقوم له أحد وهو أحق الناس بالقيام لو كان سائغاً، فنحن نعلم من هذا الحديث -حديث أنس- أن الصحابة كانوا يحبون الرسول – عليه السلام – حباً حقيقياً وأنهم لو تركوا لأنفسهم لقاموا له دائماً وأبداً ولكنهم هم المجاهدون حقاً، تركوا أهواءهم إتباعاً للرسول – عليه السلام -، ورجاء مغفرة الله – عز وجل – ليحفظوا بحب الله – عز وجل – لهم، فيغفر الله لهم.

هكذا يكون الإسلام فالإسلام هو الاستسلام، هذه الحقيقة هي التي يجب دائماً نستحضرها وأن نبتعد دائماً وأبداً عن العواطف التي تفق الناس كثيراً وكثيراً جداً، فتخرجهم عن سواء السبيل.
لم يبق الآن من تعظيم الرسول – عليه السلام – في المجتمعات الإسلامية إلا قضايا شكلية، أما التعظيم من حق كما ذكرنا وهو إتباعه، فهذا أصبح محصوراً و محدوداً في أشخاص قليلين جداً. وماذا يقول الإنسان في الاحتفالات اليوم؟ رفع الصوت والتطريب وغناء لو رفع صوته هذا المغني واضطرب وحرك رأسه ونحو ذلك أمام الرسول – صلى الله عليه وسلم – لكان ذلك -لا أقول هل هو الكفر- وإنما هو إهانة للرسول – عليه السلام – وليس تعظيماً له وليس حباً له لأنه حينما ترونه يرفع صوته ويمد ويطلع وينزل في أساليب موسيقية – ما أعرفها – وهو يقول يفعل ذلك حباً في رسول الله، أنه كذاب ليس هذا هو الحب، الحب في اتباعه.
ولذلك الآن تجد الناس فريقين فريق يقنعون لا ثبات أنهم محبون للرسول – عليه السلام – على النص على الصمت، وهو العمل في أنفسهم في أزواجهم في ذرياتهم وناس آخرون يدعون هذا المجال فارغاً في بيوتهم في أزواجهم في بناتهم في أولادهم لا يعلمونهم السنة ولا يربونهم عليها، كيف وفاقد الشيء لا يعطيه؟ وإنما لم يبق عندهم إلا هذه المظاهر، إلا الاحتفال بولادة الرسول – عليه السلام -، ثم جاء الظغث على إبالة -كما يقال- فصار عندنا أعياد واحتفالات كثيرة، كما جاء الاحتفال بسيد البشر تقليداً للنصارى، كذلك جرينا نحن حتى في احتفالنا بمواليد أولادنا أيضاً، على طريقة النصارى.

وإن تعجب فعجب من بعض هؤلاء المنحرفين عن الجادة، يقولون النصارى يحتفلوا بعيساهم بنبيهم نحن ما نحتفل بميلاد نبينا – عليه الصلاة والسلام -؟ أقول هذا يذكرنا بما حينما كان في طريق في سفر فمروا بشجرة حنخمة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا كلمة بريئة جداً ولكنها في مشابهة لفظية قالوا "يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال – عليه السلام – الله أكبر هذه السنن لقد قلتم كما قال قوم موسى لموسى أجعل لنا إلها لما لهم آلهة" قد يستغرب الإنسان كيف الرسول – عليه السلام – يقتبس من هذه الآية حجة على هؤلاء الذين ما قالوا اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة وإنما قالوا اجعل لنا شجرة نعلق عليها أسلحتنا كما لهم شجرة فقال له هذه السنن، بدأتهم تسلكون سنن من قبلكم كما في الأحاديث الصحيحة- قلتم كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة فكيف بمن يقول اليوم صراحة النصارى يحتفلوا بعيساهم نحن ما نحتفل بنبينا – عليه السلام -؟
الله أكبر هذه السنن وصدق الرسول – صلى الله عليه وسلم – حين قال « لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه » قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى هم قال« فمن الناس »؟

أخيراً أقول إن الشيطان قاعد للإنسان بالمرصاد، فهو دائماً وأبداً يجتهد لصرف المسلمين عن دينهم ولا يصرفهم معلناً.

بارك الله فيك اللهم اهدنا واهد بنا
تقليد النصارى في أعيادهم ليس فيه خير بل كله ضرر للمسلمين ولاخير في أمة كثرت أعيادها ، لكن يجوز التذكير بسيرة الرسول وليس بالضرورة يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.