فاتقوا الله عباد الله تفلحوا واعدوا ليوم القيامة عدته تنجوا وتسعدوا يقول الله جل جلاله : {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ()}([1]) .أيها الأحبة في الله كان الحديث في الخطبة الماضية عن ثمرات الزواج من الزوج الصالح واليوم سيكون الحديث عن الطرف المقابل وهو ثمرات الزواج من الزوجة الصالحة وهذا الزواج إنما هو اتباع لوصية الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه لنا معاشر الرجال حيث قال : ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ))(2).وقال : ((الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ))(3).لم كانت المرأة الصالحة هي خير متاع الدنيا ؟أعيروني أحبتي أسماعكم لأصف لكم طرفاً من ثمرات ذلك الزواج المبارك،أول تلك الثمرات أنها تكون عوناً لزوجها على النجاح والفلاح في الآخرة فهي إن قامت من الليل فصلت أيقظت زوجها ليغتنم ذلك الأجر متذكرة قول نبيها صلوات ربي وسلامه عليه عند أبي داود وابن ماجة والنسائيl(رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ))(4).
والزوج لا يغضب بل يطير فرحاً بامرأة أعانته على صلاة ركعتين في جوف الليل علها تكون منجية له غداً يوم القيامة. المرأة الصالحة ليست حريصة على الدنيا فترهق زوجها بالمطالب التي لا نهاية لها ولكن همها الآخرة فهي توصيه عند الخروج كما كانت تلك المرأة من نساء السلف توصي زوجها فتقول له:يا فلان اتق الله ولا تطعمنا من كسب حرام فإنا نصبر على حر الجوع ولا نصبر على حر النار، وإذا رأت من زوجها تقصيراً في أداء عمله الذي يكسب منه عيشهم دفعته لإصلاح ذلك التقصير حتى يحلل لقمة عيشهم لا كما يحدث من بعض النساء التي تحث زوجها على التقصير والغياب ليلبي لها رغباتها المرأة الصالحة تكون عوناً لزوجها فإذا ما شغل عنها بأمور الدعوة إلى الله وتبصير الناس بأمور دينهم وأنفق من ماله في سبيل الله كانت مشجعة له على ذلك وقدوتها في ذلك خديجة بنت خويلد رضي الله عنها التي وقفت إلى جوار خير البرية وواسته بنفسها ومالها فرضي عنها زوجها رسول الأمة صلوات ربي وسلامه عليه ورضي عنها قيوم السموات والأرض فأرسل إليها العظيم من فوق سبع سموات ملك من أكرم ملائكته جبريل عليه السلام يحمل لها سلام من رب العالمين ويبشرها بجائزتها بيت في الجنة من قصب لا تعب فيه ولا صخب أخرج ذلك البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ(6) حفظ لها النبي صلى الله عليه وسلم وقفتها حتى بعد موتها تقول الصديقة رضي الله عنها (مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِي فِي خَلَائِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ)(7) نعم هكذا تكون الزوجة وهكذا يكون الوفاء من الزوج، فكم من داعية إلى الله اختار الجمال على الدين فقعدت به زوجته عن ركب الصالحين فتاه مع التائهين،وكم من ناجح في حياته جذبته زوجته إلى حياة الكسالى الخاملين،
المرأة الصالحة عون لزوجها في كل ما يقرب إلى رضوان الله،تفعل ذلك محبة لزوجها فهي تعلم أنها إن عاشت مع زوجها طوال الحياة الدنيا فلا بد من لحظة فراق فمن ذكائها وفطنتها أنها تحرص أن تكون مع زوجها في حياة النعيم السرمدي في جنات الخلد ،
ثاني تلك الثمرات أنها تكون سبباً في استقرار حياة زوجها الأسرية فهي دائمة الزينة لا يراها زوجها إلا في أبهى حلة ولا يشم منها إلا أطيب ريح، لا كما يحدث من بعض النساء اللواتي لا يعرفن الزينة ولا العطور إلا عند الخروج للمناسبات أما في البيت فهي في صورة منفرة مقززة تفوح منها روائح العرق والطبخ ونحوها ، الزوجة الصالحة إلى جوار ذلك تستقبل أوامر زوجها بكل رحابة صدر ما لم يأمرها بمعصية لله الواحد الديان، تفعل ذلك لأنها ترجو من أن كون ممن شهد النبي لهن بالخيرية ففي مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ قَالَ ((الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَلَا فِي مَالِهِ))(5).
المرأة الصالحة تتكلم مع زوجها بكل أدب واحترام لعلمها بعظيم حقه عليها متذكرة قول النبي صلى الله عليه وسلم :((لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا))(8)،
المرأة الصالحة تسعى لكسب رضا زوجها بشتى الوسائل لأنها تعلم أن في رضاه رضى الرحمان وفي سخطه سخط الجبار علمها ذلك خير البرية حينما أوصى تلك المرأة فقال لها (أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ كَيْفَ أَنْتِ لَهُ قَالَتْ مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ قَالَ فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ))(9). علمها هذه القضية خير البرية يوم أن قال:((أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ))(10)
المرأة الصالحة تكون عوناً للرجل على بر والديه فهي ترى أن أمه أولى بالبر منها لأنها تذكر سؤال الصديقة للنبي صلى الله عليه وسلم من أحق الناس بحسن صحابة المرأة؟ فقال زوجها،فقالت من أحق الناس بحسن صحابة الرجل؟ فقال أمه ، فمع هذا الفهم يسلم الرجل من الدخول في دوامة الخيار المر بين أمه وامرأته.
ثالث تلك الثمرات أنه يتحقق لمن تزوج بذات الدين العفاف الذي يمنعه من السقوط في أوحال الرذيلة لأن زوجته لا تمنع نفسها عنه لعلمها لما يترتب على ذلك من عقوبة وسخط من الله أخبرها بذلك رسولها صلى الله عليه وسلم حيث قال:((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا))(11).
وكم من النساء الجاهلات بأحكام الدين أصبحن يتخذن من هذه القضية سلاح يبتززن به أزواجهن وما علموا فداحة ثمن ذلك العمل،وكم من الرجال تمنعت عليه زوجته فهوى في الخطيئة أو كاد لرقة دينه وسيطة الشهوة عليه.
رابع تلك الثمرات:أن من يتزوج من امرأة صالحة يكون بإذن الله قد ضمن راعياً أميناً لبيته وأولاده في غيابه لأن المرأة الصالحة تجعل نصب عينيها قوله صلى الله عليه وسلم : ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا))(12).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}(13).
اللهم آمين
صيد الفوائد
([1]) لقمان : 33.(2)البخاري،كتاب النكاح،ح(4700).(3)مسلم،كتاب الرضاع،ح(2668).(4)النسائي،كتاب قيام الليل..،ح(1592).(5)المسند،ح(92 17). (6)لبخااري،كتاب المناقب،ح(3536).(7)البخاري،كتا ب المناقب،ح(3532).(8)الترمذي،كتا ب الرضاع،ح(1079).(9)الإمام أحمد،الكوفيين،ح(18233).(10)ابن ماجة،كتاب النكاح،ح(1844).(11)مسلم،كتاب النكاح،ح (2595) .البخاري،كتاب الجمعة،ح(844).(13)الفرقان:74.
و فيكم بارك الرحمن و جزاكم خيرا