تغريبة بني هلال
لم يكن في القصيم في العصر الجاهلي وصدر الإسلام مدن كبيرة تستحق أن يكون لها الاستقلال من الناحية الإدارية.. وإنما كان ميداناً لعدد من القبائل العربية كانت تعيش في ارجائه، وتنتقل بين فلواته فيختص كل منها بموارد المياه وينسب إليها أصحاب المعاجم ما كان في مناطق نفوذها من أعلام جغرافية كالجبال والأودية وغيرها .
وعلى الرغم من عدم وجود نص صريح على وجود إحداها في المذنب غير قول الحفصي، فإنه يتبين من التوزيع القديم لمناطق نفوذ هذه القبائل أن اقربها للمنطقة هي مواطن قبيلة تميم الذين كانوا يختصون بشرقي القصيم والدهناء ولا يتعدون
نفود الشقيقة غرباً بالإضافة لمناطق نفود قبيلة باهلة التي كانت ولا تزال في منطقة تشمل دخنة وأضاخ ونفي والمناطق المجاورة لها من الغرب والجنوب .
وقد كان لبني نمير وبني ضبة مواضع معروفة في منطقة السر الواقعة جنوب المذنب التي عرفت بهذا الاسم منذ القديم. أما اكثر القبائل نفوذاً في القصيم فبنو أسد في الشمال والوسط في الأماكن التي ظهرت فيها – فيما بعد – مدن بريدة والرس. كما كان بنو عبس في شمال القصيم الغربي في عيون الجواء وبنو كلاب وفزارة وبنو عامر في جنوب القصيم الغربي.
وقد كانت هذه القبائل في تناحر دائم وحروب متصلة تثور لأتفه الأسباب كحرب البسوس وحرب داحس والغبراء وغيرها من أيام العرب قبل الإسلام. وقد انتهى وجود بعض هذه القبائل بالرغم من شهرتها في الماضي حتى لم يعد أحد ينتسب إليها الآن حيث إن معظمها قد هجر موطنه القديم بعد انتشار الفتوحات الإسلامية مما شجع العديد من أفرادها على الانتقال إلى حواضر الخلافة الإسلامية في العراق والشام ومصر .
ومن اكثر هذه القبائل شهرة بنو هلال الذين ينسب إليهم عامة أهل نجد لما يشاهدون من آثار قديمة لا يعرفون عن اصلها التاريخي شيئاً لما رسخ في آذانهم عن أخبار بني هلال عبر الأساطير العربية المتداولة عن (تغريبة بني هلال) المليئة بأخبار الفروسية والأشعار الشعبية التي تحكي قصة انتقالهم من نجد بعد أن أصابها الجفاف المتواصل لأكثر من سبع سنوات إلى تونس الخضراء التي استقروا بها بعد معارك عديدة ضد خصومهم في الشام ومصر وشمال إفريقيا. وقد كانت سيرة بني هلال وأخبار زعمائهم كحسن بن سرحان وأبو زيد الهلالي ودياب بن غانم تروى على الأسماع في المجالس العامة في مصر والشام مما جعلها على كل شفة ولسان في معظم الأقطار العربية وقد صدر منها عدة كتب مطبوعة .
ولقد لخص هذه السيرة شعراً الشاعر اللبناني بولس سلامة فيما يزيد على الثلاثمائة بيت من الشعر في ملحمة (عيد الرياض) على لسان راوية نجد الشهير عبد الله العجيري عندما مر موكب جلالة الملك عبد العزيز في طريقه إلى الحجاز بأرض مران التي يعتقد بأنها كانت أحد مواطنهم في الماضي. ويقابل هذه السيرة المعروفة عند أهل نجد روايات شعبية في تونس والجزائر ومصر تختلف عنها كلياً في المضمون وتتشابه معها في ذكر أبطال السيرة وبعضاً من أحداثها.
أما الحقيقة التاريخية الثابتة عن بني هلال فإنهم بطن من قبيلة هوازن المعروفة، تنتسب إليهم أم المؤمنين زينب بنت خزيمة وميمونة بنت الحارث وهم أخوال عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد. وقد شاركوا مع هوزان في غزوة حنين ضد المسلمين في السنة الثامنة من الهجرة، كما دخلوا مع بني عمهم بني عامر في يوم من أيام العرب في الجاهلية ضد بني تميم. وقد دخولا في الإسلام بعد أن وفد زعيمهم هلال بن عامر على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الهمداني في مواضع متفرقة من كتاب (صفة جزيرة العرب) أن منازل بني هلال في تربة ورنية ووادي جلدان وعكاظ التي كان ينعقد بها اكبر أسواق العرب في الجاهلية. واشار الأصمعي والفيروز أبادي إلى أن جل منازلهم في الحجاز. ونسب الأصفهاني إلى العامري قوله: ليس ببلادنا قفاف وإنما القفاف في بلاد تميم. وقال الاصطخري (يغلب على نواحي شرق مكة بنو هلال). وذكر الشيخ عبد الله بن خميس في كتابه (المجاز ين اليمامة والحجاز) أن مران شمال شرق الطائف كانت قاعدة رئيسية لهم في الماضي، وأنها كانت مدينة عامرة كثيرة الآبار تجود فيها زراعة النخيل ويطيب القمح، كما أشار الشيخ سعد بن جنيدل في كتابه (عالية نجد) إلى بعض الأشعار الشعبية المنسوبة إلى مهلهل وعليا من بني هلال، كما يقال والتي ورد فيها ذكر لإجزاء عالية نجد كوادي سميرا وذريع وغسل .
وبذا تنحصر منازل بني هلال في الجاهلية وصدر الإسلام بالطائف والجهات الشرقية منه وأجزاء من عالية نجد من حيث كانوا يجاورون بني عمهم بنو عامر من الجنوب والغرب، ولم يذكر لهم منازل في شرق نجد. وقد كان بنو هلال ضمن القبائل التي شاركت في الفتوح الإسلامية أيام الخلفاء الراشدين. وقد انتقل كثير منهم كسائر القبائل الأخرى إلى المناطق المفتوحة. وبقي بعضهم في منازلهم القديمة. فاستقر بعضهم في الكوفة بالعراق، وكان لهم مسجد يعرف بمسجد بني هلال. كما كان لهم وجود في الموصل وحلب في القرن الأول الهجري. وقد شاركوا في بعض الثورات ضد الدولة العباسية لأسباب تاريخية معروفة كفتنة القرامطة فانتقل بعضهم إلى مصر واستقروا فيها وخاصة في الصعيد .
وقد اشتهر أمرهم في أيام الخلافة الفاطمية عندما دفعهم الخليفة المستنصر لمحاربة المعز بن باديس الذي خلع طاعة الفاطميين في تونس. فرغب الخليفة الفاطمي في التخلص منه أو منهم بعد أن كثرت مشكلاتهم. فأرسل إليهم أحد أمرائه الحسن بن علي العقيلي الذي قضى على ما بينهم من خلافات وأرسلهم نحو الغرب عام 442هـ بأعداد كبيرة تراوحت حسب تقدير المؤرخين ما بين 200 – 500 ألف شخص. وقد استطاع بنو هلال أن يهزموا ابن باديس وخربوا مدينة القيروان عام 449هـ التي بناها القائد المشهور عقبة ابن نافع وقد حاربوا قبائل البرير مثل زنانة وصنهاجة واستمروا في تقدمهم إلى الجزائر. وقد كان لهم أثر في نشر اللغة العربية في شمال إفريقيا وإن كان لهم اثر سلبي على الحضارة والعمران في تلك الجهات. وقد أورد المؤرخ الشهير عبد الرحمن بن خلدون معلومات كثيرة وأشعاراً متعددة عن بني هلال في تاريخه المعروف .
وبالرغم من أن الأصل التاريخي يثبت أن بني هلال لم يكونوا أمة متحضرة تهتم بالعمران، ولم يسكنوا شرق نجد فإن بعض أهالي المنطقة – كغيرهم من أهل القصيم وعامة أهل نجد – يعتقدون بان لبني هلال وجوداً سابقاً في المذنب دون تحديد زمني وينسبون اليهم بعض الآبار في روضة السفالة مثل الكليبية نسبة لكليب والوزرية نسبة للزير، ومن المعروف أن كليب بن وائل وأخاه المهلهل الذي يسمى الزير سالم من قبيلة تغلب التي شاركت في حرب البسوس ضد قبيلة بكر وحلفائها. وكانت أشهر مواقعهم في الذنائب وقضة وواردات، وكلها تقع جنوب غرب نفود الشقيقة غرب المذنب. كما تتداول الألسن اخبار الكنوز التي خلفها بنو هلال في المنطقة وعودتهم لأخذها واطلاع بعض السكان على هذا الأمر في القرن الماضي .
كما ينسب لبني هلال بعض الأشعار الشعبية التي يجهل قائلها منها أبيات ورد فيها ذكر لمواقع في منطقة المذنب كقول الشاعر :
عن بــرزة يـمة المصـلي حذقة العصـــا
مـن الـمال مـا يغــني جميع القبايل
وآبار برزة ثلاث كانت توجد في الغدان شرق المذنب،وقد تم ردمها منذ فترة قصيرة .
وتعتبر نسبة الأشعار الشعبية القديمة لبني هلال أمراً ملحوظاً في سائر جهات نجد حيث ينسب أهل الشماسية لبني هلال قول الشاعر:
لي ديــرة بـــين الصريـف وخـرطم
يجي الحول مـا تقضـى كنايـــس جرينه
وينسب لبني هلال – أيضاً – قول الشاعر الذي يذكر مواقع تقع قرب القوارة شمال القصيم:
يـــا ليلـة الـمرحال يـا دمعـة لـي
يوم أن ابـن سرحـان نـــوى الــحرايب
عن راس القــارة الحمــراء امام المصلي
مــع ايسـر المشـراف توصيـف شــايب
تسع ميـه مـــن غـرس جـدي محمد
منــايح النيران غـــير القـرايـــــب
كما تروي قصص عديدة وأشعار أخرى في الكتب الشعبية عن بني هلال لم يذكر فيها مواضع محددة ولا تنسب إلى فترة تاريخية محددة. كقول الشاعر :
إلا يا صــاحبي لك بالحشا زرع وبستان
وقصـيرات مبناة علـى عصــر الهــلاليــة
وقد نسبت هذه الأشعار وغيرها لبني هلال على الرغم من أن اللهجة العامية التي وردت بها لم تكن منتشرة أثناء هجرتهم إلى شمال أفريقيا في القرن الخامس الهجري .
على
هذا الموضوع القيم