ومع الاحتلال والنهب الاقتصادي – التي هي الأهداف الكبرى للاستعمار الغربي – سعت " الحملة " الفرنسية إلى التبشير بالعلمانية ووضع الأسس الأولى للقوانين الوضعية ، بل سعت إلى اختراق منظومة " القيم " الإسلامية من وراء إحلال " نموذج " المرأة الفرنسية محل " نموذج " المرأة المسلمة / الشرقية : إحلال " العُري" محل " الحشمة " ، و" الخلاعة " محل " الوقار " .
يقول الجبرتي ( 1167 – 1237 هـ / 1745 – 1822م ) – مؤرخ العصر ، وشاهد العيان على هذه الـ حملة – … : " إنهم قد عملوا على تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء ؛ فكانت النساء الفرنسيات يركبن الخيول والحمير ويسقنها سوقاً عنيفاً مع الضحك والقهقهة ، ومداعبة المكارية وحرافيش العامة ، فمالت إلى الفرنسيين نفوسُ أهل الأهواء من النساء السوافل والفواحش ، وخطب كثيرٌ من الفرنسيين بناتِ الأعيان وتزوجوهن رغبةً في سلطانهن ونوالهن ، فيظهر الفرنسي حالة العقد الإسلامَ ، وينطق الشهادتين ، لأنه ليس له عقيدة يخشى فسادها . ولما وفى النيل ، ودخل الماء في الخليج ، وجرت فيه السفن ، وقع عند ذلك من تبرج النساء واختلاطهن بالفرنسيين ، ومصاحبتهم لهن في المراكب والرقص والغناء والشرب في النهار والليل ، في الفوانيس والشموع الموقدة ، وعليهن الملابس الفاخرة ، والحلي والجواهر المرصعة ، ويتجاوبون برفع الصوت وتحريك المجاديف بسخايف موضوعاتهم وخصوصاً إذا دبت الحشيشة في رؤوسهم ، وتحكمت في عقولهم ، فيصرخون ويطبلون ويرقصون ويزمرون ويجاوبون بمحاكاة ألفاظ الفرنساوية في غنائهم ، وتقليد كلامهم شئ كثير . ولقد تداخل مع الفرنسيين كثيرٌ من النساء الفواجر حتى كثرت الفواحش بين النساء " .
هكذا تحدث الجبرتي عن الاختراق الفرنسي لمنظومة القيم الإسلامية ، من خلال إشاعة " العُري " و" الخلاعة " وإضفاء المشروعية ، والعلنية ، على المحرمات والانحرافات .
وإذا كان هذا الاختراق الاستعماري لمنظومة القيم الإسلامية قد غدا سنةً متبعةً في كل الممارسات الاستعمارية بكل البلاد الإسلامية التي وقعت في قبضة الاحتلال ، فإن الفكر الاستعماري قد دافع عن هذا الاختراق ؛ فرأينا الكثير من الكتاب الغربيين ينحازون إلى " العري " بدلا من " الحشمة " في ثياب النساء ، حتى لتصدرها القوانين الغربية بذلك في القرن الواحد والعشرين .
لكن بعض الأصوات الغربية قد تحلت بالشجاعة عندما دعت المرأة الشرقية ، والمسلمة ، إلى التمسك بالقيم الإسلامية وهي تسعى إلى النهوض ، وإلى التحرر بالإسلام ، وليس التحرر من الإسلام .
ومن هذه الأصوات الغربية صوت المستشرقة الألمانية " سيجريد هونكة " ( 1913 – 1999م ) التي كتبت عن موقف الإسلام من المرأة ، ومكانة المرأة في الإسلام فقالت … : ( إن الرجل ، والمرأة ، في الإسلام ، يتمتعان بالحقوق نفسها ، من حيث النوعية ، وإن لم تكن تلك الحقوق هي ذاتها في كل المجالات . وفي الحياة الزوجية ، التي يهتم بها القرآن اهتماماً رئيسياً ، تنظر المرأة إلى زوجها نظرة العارفة بقوامته عليها ، وذلك أن كبرياءها يأبى عليها الامتثال والطاعة إلا لمن ترفع بصرها إليه إعجاباً وتقديراً ، فالعلاقة بينهما تخضع للامتثال القائم على الثقة والخضوع والولاء . ولا تعني تلك الطاعة عبئاً ينوء المرء تحته معانياً ، بل إن المرء يتمتع بخضوعه هنا دون الحد من قدْره ، بل إنه ليبلغ بخضوعه أسمى الدرجات ، سواء في عبوديته لله ، أو في حبه لمن يحب ، وهذا هو الذي عبر عنه ابن حزم الأندلسي (384 456 هـ / 994 – 1064م) في " طوق الحمامة " حيث يقول … : " ومن عجب ما يقع في الحب من طاعة المحب لمحبوبه ، ولقد وطئت بساط الخلفاء وشاهدت محاضر الملوك ، فما رأيت هيبة تعدل هيبة المحب لمحبوبه ، وهذا مكان تتقاصر دونه الصفات ، وتتلكن بتحديده الألسن " ) .
لذلك ، فعلى المرأة العربية أن تتحرر من النفوذ الأجنبي ، وألا تتخذ المرأة الأوربية ، أو الأمريكية ، أو الروسية ، قدوةً تحتذيها ، أو أن تهتدي بفكر عقائدي مهما كان مصدره ، لأن في ذلك تمكيناً جديداً للفكر الدخيل المؤدي لفقدها لمقومات شخصيتها ، وإنما عليها أن تتمسك بهدي الإسلام الأصيل ، وأن تسلك سبيل السابقات من السلف الصالح ، اللاتي عشنه منطلقاتٍ من قانون الفطرة التي فُطرن عليها ، وأن تلتمس المرأة العربية لديهن المعايير والقيم التي عشن وفقاً لها ، وأن تكيف تلك المعايير والقيم مع متطلبات العصر الضرورية ، وأن تضع نصب عينيها رسالتها الخطيرة المتمثلة في كونها أمَّ جيل الغد العربي الذي يجب أن ينشأ عصامياً يعتمد على نفسه .