السؤالهل يجوز أن نطلِقَ على مَن يرجِعُ نسَبُه إلى أهل البيت بأنهم سادَة ؟ الجوابلا، هذا ليس بمشروع، وهذا لم يأتِ إلا فِي القرنِ السادس مِن بعضِ المتزلِّفِين إلى أهل بيتِ النبوة، ولم يثبتْ أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – خصَّهم.
والسيدُ – في اللغة -: مَن سادَ قومَه، وأما إذا كان ليس له من السيادةِ شيءٌ؛ فلا.
وفي مكة ربما يُطلقون عليه الشريف، وهذه تسميات ما أنزل اللهُ بها مِن سلطان.
والتابعون لم يقولوا: عن سيدي علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -! بل يقولون: عن علي بن أبي طالب: عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
[تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب، فضائل آل بيت النبوة].
وإنما دلَّت الأدلةُ الكثيرةُ على أن الخليفةَ بعده هو أبو بكر الصديق – رضيَ الله عنه، وعن سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -. ولكنه – صلى الله عليه وسلم – لم ينص على ذلك نصًّا صريحًا، ولم يُوصِ به وصيةً قاطعة، ولكنه أمَرَ بما يدلُّ على ذلك؛ حيث أمرَه بأن يَؤُمَّ الناسَ في مرضِه. ولما ذكر له أمْر الخلافةِ بعدَه، قال – عليه الصلاة والسلام -: " يأبَى اللهُ والمؤمنون إلا أبا بكر ". ولهذا بايعه الصحابةُ – رضي الله عنهم – بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومِن جُملتِهم: عليّ – رضي الله عنه -. وأجمعوا على أنَّ أبا بكر أفضلُهم.
وثبت في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يقولون في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم -: (خيرُ هذه الأمة بعد نبيِّها: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان)، ويقرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – على ذلك.
وتواترت الآثارُ عن عليٍّ – رضي الله عنه – أنه كان يقول: (خيرُ هذه الأمةِ بعد نبيِّها: أبو بكر، ثم عمر)، وكان يقول – رضي الله عنه -: (لا أوتَى بأحد يُفَضِّلُني عليهما؛ إلا جلدته حدَّ المُفتري)، ولم يَدَّعِ يوما لنفسه أنه أفضلُ الأمة، ولا أن الرسولَ – صلى الله عليه وسلم – أوصى له بالخلافة، ولم يقل أن الصحابة – رضي الله عنهم – ظلموه وأخذوا حقَّه.
ولمَّا توفيتْ فاطمة – رضي الله عنها – بايع الصديقَ بيعةً ثانية؛ تأكيدًا للبيعة الأولى، وإظهارًا للناس أنه مع الجماعة، وليس في نفسه شيءٌ مِن بيعة أبي بكر – رضي الله عنهم جميعًا -.
ولمَّا طُعِنَ عمر، وجعلَ الأمرَ شورى بين ستة مِن العشرة المشهود لهم بالجنة – ومِن جملتهم: علي رضي الله عنه -؛ لم يُنكَر على عمر ذلك – لا في حياتِه، ولا بعد وفاتِه -، ولم يقل أنه أولى منهم جميعًا.
فكيف يجوز لأحد مِن الناس أن يكذبَ على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ويقول إنه أوصى لعلي بالخلافة! وعلي – نفسُه – لم يَدَّع ذلك، ولا ادَّعاه أحدٌ مِن الصحابة له، بل قد أجمعوا على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، واعترف بذلك علي – رضي الله عنه -، وتعاون معهم جميعًا في الجهاد والشورى وغير ذلك.
ثم أجمع المسلمون بعد الصحابةِ على ما أجمع عليه الصحابة. فلا يجوز – بعد هذا – لأي أحد من الناس، ولا لأي طائفة – لا الشيعة ولا غيرهم – أن يَدَّعوا أن عَليًّا هو الوصي، وأن الخلافةَ التي قبله باطلة. كما لا يجوز لأي أحد مِن الناس أن يقول إن الصحابة ظلموا عليا وأخذوا حقَّه، بل هذا مِن أبطل الباطل، ومِن سوء الظن بأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومِن جملتهم علي – رضي الله عنه، وعنهم أجمعين -.
وقد نزَّه اللهُ هذه الأمةَ المحمديَّةَ، وحفظَها مِن أن تجتمعَ على ضلالة، وصحَّ عنه – صلى الله عليه وسلم – في الأحاديث الكثيرة أنه قال: " لا تزال طائفةٌ مِن أمتي على الحقِّ منصورة "؛ فيستحيل أن تجتمعَ الأمةُ في أشرفِ قرونِها على باطل -وهو خلافة أبي بكر وعمر وعثمان -، ولا يقول هذا مَن يؤمن بالله واليوم الآخر، كما لا يقوله مَن له أدنى بصيرة بحكم الإسلام. واللهُ المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
وقد بسط الكلامَ في هذه المسألة الإمامُ العلامةُ شيخُ الإسلام ابنُ تيمية في كتابه: " منهاج السنة "، فمَن أراد ذلك؛ فليراجعه. وهو كتاب عظيم جدير بالعناية والمراجعة والاستفادة منه.
واللهُ وليُّ التوفيق، وصلى اللهُ وسلَّم على نبيِّنا محمد وآلِه وصحبِه.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز – المجلد الثالث].