بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
يرفع القبر شبراً، بمعنى: أن القبور لا ينبغي أن تكون مستوية بالأرض؛ لأن استواءها بالأرض يوجب الجهل بها، وعدم الرعاية لحرمتها، فكلما كانت معروفةً بينة كان ذلك أدعى لحفظها بعدم الوطء والجلوس عليها والصلاة إليها، وأما إذا كانت مستويةً بالأرض فالأمر على خلاف ذلك وهو مأخوذٌ من السنة؛ لأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم كان مرتفعاً عن الأرض، فلم يكن لاصقاً بالأرض ولا مبالغاً في رفعه؛ بل كان مرفوعاً قدر شبر كما ورد في بعض الروايات، وهذا القدر هو المأذون به. ومما يدل على مشروعية رفع القبر: ما ثبت في الصحيح من حديث علي رضي الله عنه: أنه قال لـأبي الهياج : (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تدع صورةً إلا طمستها، ولا تمثالاً إلا كسرته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) فدل هذا الحديث على أن السنة: ألا يترك القبر مشرفاً، وهو: أن يبالغ في رفعه على الأرض، وكذلك أيضاً لا يترك مستوياً بالأرض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خص الإزالة بالمشرف، فدل على أن القبر غير المشرف، وهو الذي ارتفع ارتفاعاً معقولاً دون أن يكون فيه مبالغة؛ يترك على حاله. (مسنماً) أي: غير مسطح، فالتسنيم اجتماع الطرفين كسنام البعير ، وهذه هي السنة: أن يكون القبر مسنماً خلافاً لمن قال من العلماء: إن السنة أن يكون مسطحا
ويكره تجصيص القبر، وهو وضع الجص فيه، وذلك يكون ببناء داخله، وهذا يكون بتزويقه وتجميله ووضع الرخام ونحو ذلك في داخل القبر، فكل ذلك مكروهٌ كراهة تحريم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبر كما ثبت في حديث جابر وغيره.
[وأما البناء عليه فقد ذكره أخونا –ميميد- في بحث سابق حول حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور].
الكتابة على القبر، ورد في الترمذي : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة على القبر)، والكتابة على القبر نوعٌ من الإعلان، والكتابة تأتي على صور: الصورة الأولى: الكتابة على القبر من باب المدح والثناء وقد يكون ذماً له وتوبيخاً له، وهذه الأحوال كلها محرمة.
الصورة الثانية: الكتابة للإعلام وهي: أن يكتب اسم الشخص، وللعلماء فيها وجهان: من أهل العلم من يرى أن عموم النهي يشملها، ورخص بعض أهل العلم رحمهم الله في الكتابة فقالوا: إن المنهي عنه إنما هو الكتابة من أجل الذم والمدح.
وضع علامة يتميز بها القبر لكي يزور الإنسان قريبة أو يدفن الأقارب بجانب هذا الميت، وقد ورد ما يدل على ذلك في حديث عثمان بن مظعون رضي الله عنه وأرضاه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبره أمر بحجرٍ عليه حتى يُعلّم، قال: فأدفن إليه أهل بيته أو قرابته
مشروعية الدفن بجوار الخير والصالح، وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على ورود السنة به؛ فإن أبا بكر طلب أن يدفن إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر طلب أن يدفن إلى جوار صاحبيه دون غلو ودون أن يعتقد أنهم ينفعوه أو يكون هناك غلو في الاعتقاد فيهم.
ويحرم الجلوس على القبر، وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (لأن يجلس الرجل على جمرة من نار فتحرق ثيابه وتخلص إلى جسده، أهون من أن يجلس على قبر) وألحقوا بذلك الامتهان: كالبول وقضاء الحاجة بين القبور، ووطئها بالنعال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (انزع يا ذا السبتيتين فقد آذيت). والله أعلم
نقلها أخوكم عبد الحق.