تخطى إلى المحتوى

الَحًلَقُة الَعٌقُدٍيِة لكل يوم سبت ( الَتٌوٌحًيِدٍ الَذِيِ هّوٌ حًقُ الَلَهّ عٌلَى الَعٌبًيِدٍ). 2024.


][`~*¤!| حًلَقُة الََلََمًًة الََجّّزٍٍائريِِة|!¤*~`][

آهّّلََآآآآ وٌٌمًًرحًًـــبًًـآآ بًًکـمًً فُُـيِِ …

حًلَقُة الََلََمًًة الََجّّزٍٍائريِِة

فُُتٌٌحًًنِِا لََکمًً ابًًوٌٌابًً حًلَقُتٌنِا، حًلَقُة الَخِيِر وٌ الَهّدٍى الََتٌيِِ هّيِ زٍٍرعٌٌ فُُيِِ قُُلََوٌٌبًًنِِا
نِِسِِقُُيِِهّّ بًًجّّهّّوٌٌدٍٍنِِا وٌحًُبًنِِا لََلََخِِيِِر وٌَأَهّلَهّ.
جّّالََبًًيِِنِِ لََکمًً کلََ مًًا يَِخِدٍمً دٍيِنِنِا الَمًجّيِدٍ ..مًًنِِ مًًحًًاضراتٌٌ وٌٌقُصّائدٍ زٍهّدٍيِة وٌٌمًًقُُاطِِعٌٌ قُُرآنِِيِِهّّ وٌٌتٌٌوٌٌاقُُيِِعٌٌ ايِمًانِيِة وٌٌفُُوٌٌاصّّلََ وٌٌثًًيِِمًًاتٌٌ اسِِلََامًًيِِهّّ وٌ نِصّائحً وٌ تٌوٌجّيِهّاتٌ أخِوٌيِة.
آمًًلََيِِنِِ انِِ نِِجّّدٍٍ مًًنِِک الََتٌٌفُُاعٌٌلََ لَتٌتٌعٌضدٍ الَجّهّوٌدٍ وٌ تٌتٌألَفُ الَقُوٌى وٌ تٌتٌوٌافُقُ الَقُلَوٌبً عٌلَى فُيِهّ هّدٍهّا وٌ رشُدٍهّا.
و قد اخترنا هذا الموضوع استقلالا ليكون

للَحًلَقُة الَعٌقُدٍيِة ( الَتٌوٌحًيِدٍ الَذِيِ هّوٌ حًقُ الَلَهّ عٌلَى الَعٌبًيِدٍ).

أمًًا الََآنِِ ..

فُُتٌٌفُُضلََوٌٌا مًًعٌٌنِِا يِِاأهّّلََ الََعٌٌطِِاء وٌٌالََخِِيِِر
فُُالََأبًًوٌٌابًً فُُتٌٌحًًتٌٌ لََتٌٌضمًً وٌٌجّّوٌٌدٍٍکمًً وٌٌعٌٌطِِائکمًً
فُُأهّّلََا وٌٌمًًرحًًبًًا بًًکمًً مًًنِِ جّّدٍٍيِِدٍٍ
فُُيِِ رحًًابًً حًلَقُتٌنِا الَطِيِبًة، الَتٌيِ سِتٌضمً کلَ يِوٌمً مًنِ الَأسِبًوٌعٌ نِوٌعٌا مًنِ أنِوٌاعٌهّا الَطِيِبًة .

][`~*¤!| بًرنِامًجّ كل الَحًلَقُات|!¤*~`][
الَسِبًتٌ
الَحًلَقُة الَعٌقُدٍيِة ( الَتٌوٌحًيِدٍ الَذِيِ هّوٌ حًقُ الَلَهّ عٌلَى الَعٌبًيِدٍ).
الَأحًدٍ
الَحًلَقُة الَوٌعٌظُيِة وٌ الَکلَمًاتٌ الَتٌوٌعٌوٌيِة الَاصّلَاحًيِة
الَاثًنِيِنِ
الَحًلَقُة الَفُقُهّيِة ( أحًکامً الَطِهّارة وٌ الَصّلَاة، مًجّالَسِ شُهّر رمًضانِ).
الَثًلَاثًاء
کلَمًاتٌ مًنِ مًعٌيِنِ الَسِلَفُ فُيِ الَاخِلَاصّ وٌ الَمًتٌابًعٌة

الَأربًعٌاء

الَحًلَقُة الَعٌقُدٍيِة (أسِمًاء الَلَهّ وٌ صّفُاتٌهّ الَحًسِنِى).

الَخِمًيِسِ
حًلَقُة سِيِرة الَهّادٍيِ الَبًشُيِر عٌلَيِهّ مًنِ ربًيِ أفُضلَ الَصّلَاة وٌ أزٍکى الَتٌسِلَيِمً
الَجّمًعٌة
حًلَقُة سِيِر أعٌلَامً الَنِبًلَاء الَتٌيِ تٌعٌنِى بًسِيِرة أصّحًابً الَنِبًيِ(عٌلَيِهّ الَصّلَاة وٌ الَسِلَامً) وٌ الَتٌابًعٌيِنِ وٌ تٌابًيِعٌهّمً بًإحًسِانِ الَى يِوٌمً الَدٍيِنِ
فُُهّّاهّّيِِ أبًًوٌٌابًً الََمًًعٌٌرفُُهّّ إنِِفُُتٌٌحًًتٌٌ أمًًامًًکمًً
هّّاهّّيِِ أبًًوٌٌابًً الََإيِِمًًانِِ تٌٌنِِادٍٍيِِکمًً
يِِقُُوٌٌلََ شُيِخِ الَاسِلَامً ابًنِ تٌيِمًيِة :
فَُإِنَِّ الَلََّذَِّةَ وٌَالَْفَُرْحًَةَ وٌَالَسُِّرُوٌرَ وٌَطِِيِبًَ الَْوٌَقُْتٌِ وٌَالَنَِّعٌِيِمًَ الََّذِِيِ لَا يُِمًْکِنُِ الَتٌَّعٌْبًِيِرُ عٌَنِْهُّ إنَِّمًَا هُّوٌَ فُِيِ مًَعٌْرِفَُةِ الَلََّهِّ سُِبًْحًَانَِهُّ وٌَتٌَعٌَالََى وٌَتٌَوٌْحًِيِدٍِهِّ وٌَالَإِيِمًَانِِ بًِهِّ : وٌَانِْفُِتٌَاحًِ الَْحًَقَُائِقُِ الَإِيِمًَانِِيَِّةِ وٌَالَْمًَعٌَارِفُِ الَْقُُرْآنِِيَِّةِ .
کَمًَا قَُالََ بًَعٌْضُ الَشُُّيُِوٌخِِ : لََقَُدٍْ کُنِْتٌ فُِيِ حًَالٍَ أَقُُوٌلَُ فُِيِهَّا : إنِْ کَانَِ أَهّْلَُ الَْجَّنَِّةِ فُِيِ هَّذِِهِّ الَْحًَالَِ إنَِّهُّمًْ لََفُِيِ عٌَيِْشٍُ طَِيِِّبًٍ .
وٌَقَُالََ آخَِرُ : لََتٌَمًُرُّ عٌَلََى الَْقَُلَْبًِ أَوٌْقَُاتٌٌ يَِرْقُُصُّ فُِيِهَّا طَِرَبًًا وٌَلََيِْسَِ فُِيِ الَدٍُّنِْيَِا نَِعٌِيِمًٌ يُِشُْبًِهُّ نَِعٌِيِمًَ الَآخِِرَةِ إلَا نَِعٌِيِمًَ الَإِيِمًَانِِ وٌَالَْمًَعٌْرِفَُة . انِتٌهّى کلَامًهّ رحًمًهّ الَلَهّ .
يِِاسِِبًًحًًانِِ الََلََهّّ مًًاأروٌٌعٌٌهّّ مًًنِِ نِِعٌٌيِِمًً
وٌٌالََلََهّّ إنِِيِِ لََأشُُعٌٌر بًًلََذِِهّّ وٌٌفُُرحًًهّّ وٌٌسِِروٌٌرا لََايِِمًًکنِِ الََتٌٌعٌٌبًًيِِر عٌٌنِِهّّ
نِِسِِألََ الََلََهّّ الََعٌٌلََيِِ الََقُُدٍٍيِِر أنِِ يِِوٌٌفُُقُُنِِا لََکلََ خِِيِِر
وٌٌأنِِ يِِسِِهّّلََ أمًًرنِِا وٌٌيِِعٌٌيِِنِِنِِا
فُُمًًرحًًبًًاً بًًالََجّّمًًيِِعٌٌ فُُيِِ :

][`~*¤!| حًلَقُة الََلََمًًة الََجّّزٍٍائريِِة |!¤*~`][

وٌٌکلََ أمًًلََنِِا أنِِ نِِصّّلََ بًًکمًً إلََى کلََ مًًايِِنِِفُُعٌٌنِِا فُُيِِ دٍٍيِِنِِنِِا وٌٌدٍٍنِِيِِانِِا بًًإذِِنِِ الََلََهّّ
فُُأهّّلََا وٌٌسِِهّّلََا بًًکمًً جّّمًًيِِعٌٌا فُُيِِ رحًًابًً حًلَقُتٌنِا.

کلََيِِ أمًًلََ أنِِ أجّّدٍٍ تٌٌفُُاعٌٌلََکمًً..
وٌٌلََا أکوٌٌنِِ مًًنِِفُُردٍٍهّّـ
فُُهّّوٌٌ بًابً الَخِيِر يِفُتٌحً لَکمً کلَ يِوٌمً لَتٌغُدٍقُوٌا مًنِهّ مًا شُئتٌمً غُدٍقُا طِيِبًا هّنِيِا مًريِا، يِذِهّبً أسِقُامً الَنِفُوٌسِ وٌ مًرض الَقُلَوٌبً وٌ عٌمًى الَأفُهّامً.

مًًلََاحًًظُُهّّ ::

رجّّاء اخِِوٌٌتٌٌيِِ وٌٌاخِِوٌٌاتٌٌيِِ فُُيِِ الََلََهّّ نِِتٌٌمًًنِِى عٌٌدٍٍمًً وٌٌضعٌٌ ردٍٍوٌٌدٍٍ الََشُُکر فُُشُُکرکمًً مًًوٌٌصّّوٌٌلََ لََنِِا حًًتٌٌى وٌٌإنِِ لََمًً تٌٌکتٌٌبًًوٌٌهّّ
شُُارک فُُيِِ الََمًًوٌٌضوٌٌعٌٌ بًًشُُيِِء مًًفُُيِِدٍٍ فُُقُُطِِ

من باب ذكر الفضل بذكر أصحابه، و نسبة الخير الى أهله، فصاحبة الموضوع الأصلي، و منشئة الفكرة الأولى هي أختنا فرح، و التي سعت بكل ما تملك منذ الوهلة الأولى لارساء قواعد هذه الحلقة، و التي نسأل الله أن يوفقنا لحسن ادارتها و متابعتها، و قد جعلت الحلقات مستقلة بمواضيع مفردة يتناول كل منها ما خصص له وفقا للبرنامج المثبت في الأعلى، و سنتطرق من خلال هذه الحلقات الطيبة و المباركة ان شاء الله الى بث و تحصيل ما أمكنانا من العلوم الشرعية، و التي تحقق لنا الفقه في الدين و التحصيل وفقا لمنهج التأصيل، و لن نخبط خبط عشواء و لن نبعثر الجهود و لن نُمل و نكثر على القارئ الكريم و لن نتشعب في غمار مسائل يصعب عليه فهمها، بل سنستعمل أبسط الأساليب و أفضل الطرق التي تُسَهل علينا مسألة الفهم، فالعبرة بنوع الفهم و مدى ظبط العلم، لا بكثرة البث و النقل مع قلة التحصيل و العقل و الله الموفق و الهادي الى أفضل السُبُل.

و نتطرق في هده الصفححة الى حفظ متن ثلاثة الأصول و شرحه بطريقة السؤال و الجواب:
و اليكم المتن:
متن
ثلاثة الأصول.
اعْلمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَلُّمُ أَرْبَع مَسَائِلَ:

المسألة الأُولَى: الْعِلْمُ: وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ، وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بالأَدِلَّةِ.

المسألة الثَّانِيَةُ: الْعَمَلُ بِهِ.

المسألة الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ.

المسألة الرَّابِعَةُ: الصَّبْرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ. وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ سورة العصركاملة.

قَالَ الشَّافِعيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: لَوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إِلا هَذِهِ السُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ.

وَقَالَ البُخَارِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: بَابُ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَٰه إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾[محمد:19]، فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ (قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ)(1).

اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّه يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، تَعَلُّمُ هَذِهِ الثَّلاثِ مَسَائِل، والْعَمَلُ بِهِنَّ:

الأُولَى:

أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا، وَرَزَقَنَا، وَلَمْ يَتْرُكْنَا هَمَلا، بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً، فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيل﴾[المزمل: 15، 16].

الثَّانِيَةُ:

أَنَّ الله لا يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحَدُ فِي عِبَادَتِهِ، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾[الجن: 18].

الثَّالِثَةُ:

أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ، وَوَحَّدَ اللهَ لا يَجُوزُ لَهُ مُوَالاةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾[المجادلة: 22].

اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ، أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ، مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ، وَخَلَقَهُمْ لَهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾[ الذاريات: 56]. وَمَعْنَى ﴿يَعْبُدُونِ﴾: يُوَحِّدُونِ، وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحيِدُ، وَهُوَ: إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ. وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْه الشِّركُ، وَهُوَ: دَعْوَةُ غَيْرِهِ مَعَهُ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئ﴾[النساء: 35].

فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَا الأُصُولُ الثَّلاثَةُ التِي يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ مَعْرِفَتُهَا؟

فَقُلْ: مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ، وَدِينَهُ، وَنَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


* الأصل الأول *
معرفة الرب

فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَنْ رَبُّكَ؟

فَقُلْ: رَبِّيَ اللهُ الَّذِي رَبَّانِي، وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِنِعَمِهِ، وَهُوَ مَعْبُودِي لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ سِوَاهُ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿الْحَمْدُ للَََّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الفاتحة: 2]. وَكُلُّ مَنْ سِوَى اللهِ عَالَمٌ، وَأَنَا وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَالَمِ.

فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟

فَقُلْ: بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ، وَمِنْ آيَاتِهِ: اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ، وَالشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، وَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَمَا بَيْنَهُمَا؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾[فصلت: 37]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[الأعراف: 54]. وَالرَّبُ هُوَ الْمَعْبُودُ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَآء بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[البقرة: 21، 22].

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الخَالِقُ لِهَذِهِ الأَشْيَاءَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ.

وَأَنْوَاعُ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا مِثْلُ: الإِسْلامِ، وَالإِيمَانِ، وَالإِحْسَانِ، وَمِنْهُ: الدُّعَاءُ، وَالْخَوْفُ، وَالرَّجَاءُ، وَالتَّوَكُّلُ، وَالرَّغْبَةُ، وَالرَّهْبَةُ، وَالْخُشُوعُ، وَالْخَشْيَةُ، وَالإِنَابَةُ، وَالاسْتِعَانَةُ، وَالاسْتِعَاذَةُ، وَالاسْتِغَاثَةُ، وَالذَّبْحُ، وَالنَّذْرُ، وَغَيْرُ ذَلَكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا. كُلُّهَا للهِ تَعَالَى.

وَالدَّلِيلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾[الجن: 18]. فَمَنْ صَرَفَ مِنْهَا شَيْئًا لِغَيْرِ اللهِ؛ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرٌ؛ وَالدَّلِيلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلٰهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾[المؤمنون: 117].

وَفِي الْحَدِيثِ: ( الدُّعَاءُ مخ الْعِبَادَةِ ). وَالدَّلِيلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾[غافر: 60].

وَدَلِيلُ الْخَوْفِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾[آل عمران: 175].

وَدَلِيلُ الرَّجَاءِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾[الكهف: 110].

َودَلِيلُ التَّوَكُلِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾[المائدة: 23]. وقوله: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾[الطلاق: 3].

وَدَلِيلُ الرَّغْبَةِ، وَالرَّهْبَةِ، وَالْخُشُوعِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾[الأنبياء: 90].

وَدَلِيلُ الْخَشْيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي…﴾ الآية [البقرة: 150].

وَدَلِيلُ الإِنَابَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ…﴾ الآية [الزمر: 54].

وَدَلِيلُ الاسْتِعَانَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]. وَفِي الْحَدِيثِ: (…وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ).

وَدَلِيلُ الاسْتِعَاذَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]. وَ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1].

وَدَلِيلُ الاسْتِغَاثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ…﴾ الآية[الأنفال: 9].

وَدَلِيلُ الذَّبْحِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَه وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ُ﴾ [الأنعام: 161ـ163]. وَمِنَ السُنَّةِ: (لعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ). (2)

وَدَلِيلُ النَّذْرِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ﴾ [الإنسان: 7]


* الأَصْلُ الثَّانِي *
مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بِالأَدِلَّةِ

وَهُوَ: الاسْتِسْلامُ للهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَالانْقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَهُوَ ثَلاثُ مَرَاتِبَ: الإسْلامُ، وَالإِيمَانُ، وَالإِحْسَانُ. وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ لَهَا أَرْكَانٌ.

المرتبة الأولى: الإسلام

فَأَرْكَانُ الإِسْلامِ خَمْسَةٌ: شَهَادَةُ أَن لا إلٰه إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ.

فَدَلِيلُ الشَّهَادَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إلٰه إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إلٰه إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[آل عمران، 18].

وَمَعْنَاهَا: لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إلا اللهُ، وَحَدُّ النَّفْيِ مِنْ الإِثْبَاتِ ﴿لا إلٰه﴾ نَافِيًا جَمِيعَ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ ﴿إِلا اللهُ﴾ مُثْبِتًا الْعِبَادَةَ للهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ.

وَتَفْسِيرُهَا: الَّذِي يُوَضِّحُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾[الزخرف: 26 ـ 28]. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾[آل عمران: 64].

وَدِليلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ جَآءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾[التوبة: 128].

وَمَعْنَى شَهَادَة أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، واجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَ.

وَدَلِيلُ الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَتَفْسِيرُ التَّوْحِيدِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾[البينة: 5].

َودَلِيلُ الصِّيَامِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾[البقرة: 183].

َودَلِيلُ الْحَجِّ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾[آل عمران: 97].

الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: الإِيمَانُ

وَهُوَ: بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَعْلاهَا قَوْلُ لا إلٰه إِلا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَانِ.

وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: كما فى الحديث (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ).

وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذِهِ الأَرْكَانِ السِّتَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾[البقرة: 177].

ودليل القدر: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾[القمر: 49].

الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: الإِحْسَانُ

أركانه: وله رُكْنٌ وَاحِدٌ. كما فى الحديث: ( أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِن لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ). وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللّـهَ مَعَ الّـَذِينَ اتَّقَواْ وَّالّـَذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾[النحل: 128]. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[الشعراء: 217 ـ 220]. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس: 61].

وَالدَّلِيلُ مِنَ السُّنَّةِ: حَدِيثُ جِبْرِيلَ الْمَشْهُورُ: عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ فَقَالَ: ( أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إلٰه إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا ). قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ: (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ،وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ). قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ: ( أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ). قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: (مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ). قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا. قَالَ: ( أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ ). قَالَ: فَمَضَى، فَلَبِثْنَا مَلِيَّا، فَقَالَ: ( يَا عُمَرُ أَتَدْرُونَ مَنِ السَّائِلِ؟ ). قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ( هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُم). (3)


مَعْرِفَةُ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَهَاشِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ، وَلَهُ مِنَ الِعُمُرِ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، مِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَثَلاثٌ وَعِشْرُون َفى النبوة. نُبِّئَ ب﴿اقْرَأ﴾، وَأُرْسِلَ ب﴿الْمُدَّثِّرْ﴾، وَبَلَدُهُ مَكَّةُ.

بَعَثَهُ اللهُ بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ، وَبالَدْعُوة إِلَى التَّوْحِيدِ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾[المدثر: 1ـ7]. وَمَعْنَى: ﴿ قُمْ فَأَنذِرْ ﴾: يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ. ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾: أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ. ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾: أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ. ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾: الرُّجْزَ: الأَصْنَامُ، وَهَجْرُهَا: تَرْكُهَا، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلُهَا، أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، وَبَعْدَ الْعَشْرِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَواتُ الْخَمْسُ، وَصَلَّى فِي مَكَّةَ ثَلاثَ سِنِينَ، وَبَعْدَهَا أُمِرَ بالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَالْهِجْرَةُ الانْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بَلَدِ الإِسْلامِ.

وَالْهِجْرَةُ فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بلد الإِسْلامِ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءتْ مَصِيراً * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً ﴾[النساء: 97ـ99]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ﴾[العنكبوت: 56].

قَالَ الْبُغَوِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ:نزلت هَذِهِ الآيَةِ فِي المُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِمَكَّةَ ولَمْ يُهَاجِرُوا، نَادَاهُمُ اللهُ بِاسْمِ الإِيمَانِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنَ السُّنَّةِ: قَوْلُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: (لا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَ). (4)

فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي الْمَدِينَةِ أُمِرَ بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلامِ، مِثلِ: الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالأَذَانِ، وَالْجِهَادِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلامِ، أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ ـ صَلواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ ـ وَدِينُهُ بَاقٍ.

وَهَذَا دِينُهُ، لا خَيْرَ إِلا دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلا شَرَّ إِلا حَذَّرَهَا مِنْهُ، وَالْخَيْرُ الَّذِي دَلَّهَا عَلَيْهِ التَّوْحِيدُ، وَجَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ، وَالشَّرُ الَّذِي حَذَّرَهَا مِنْهُ الشِّرْكُ، وَجَمِيعُ مَا يَكْرَهُ اللهُ وَيَأْبَاهُ. بَعَثَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَافْتَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيع﴾[الأعراف: 158]. وَكَمَّلَ اللهُ بِهِ الدِّينَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِين﴾[المائدة: 3]. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَوْتِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾[الزمر: 30، 31].

وَالنَّاسُ إِذَا مَاتُواْ يُبْعَثُونَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾[طه: 55]. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً ﴾[نوح: 17، 18]. وَبَعْدَ الْبَعْثِ مُحَاسَبُونَ وَمَجْزِيُّونَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾[النجم: 31].

وَمَنْ كَذَّبَ بِالْبَعْثِ كَفَرَ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾[التغابن: 7].

وَأَرْسَلَ اللهُ جَمِيعَ الرُّسُلِ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾[النساء: 165].

َوَأَّولُهُمْ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُمْ نُوحٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾[النساء: 165].

وَكُلُّ أُمَّةٍ بَعَثَ اللهُ إِلَيْهِا رَسُولا مِنْ نُوحٍ إِلَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]. وَافْتَرَضَ اللهُ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ الْكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ وَالإِيمَانَ بِاللهِ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مَعْنَى الطَّاغُوتِ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ أَوْ مَتْبُوعٍ أَوْ مُطَاعٍ. وَالطَّوَاغِيتُ كَثِيرُونَ وَرُؤُوسُهُمْ خَمْسَةٌ: إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ، وَمَنْ عُبِدَ وَهُوَ رَاضٍ، وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ، وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى لا إلٰه إِلا اللهُ، وَفِي الْحَدِيثِ: ( رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامِ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ).

وَاللهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعلى آلٰه وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

(1) ما بين معقوفين: ليس في البخاري.
(2) أخرجه مسلم: كتاب الأضاحي (1978) باب تحريم الذبح لغير الله تعالى، ولعن فاعله.
(3) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان (1) (8): باب: بيان الإيمان و الإسلام والإحسان.
(4) أخرجه أحمد (4/99)، وأبو داود كتاب الجهاد (2479)، وهو في صحيح الجامع(7436).

متن "ثلاثة الأصول وأدلتها" [بالنص والصوت والصورة]

الفقرة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم.

اعلمْ -رحمكَ اللهُ- أَنَّهُ يجبُ علينَا تَعَلُّمُ أربعِ مسائلَ
الأُولى: العِلْمُ؛ وهوَ معرفةُ اللهِ، ومعرفةُ نبيِّهِ، ومعرفةُ دينِ الإسلامِ بالأدلةِ.
الثانيةُ: العملُ بهِ.
الثالثةُ: الدعوةُ إليهِ.
الرابعةُ: الصبرُ علَى الأَذى فيهِ.
والدليلُ قولُه تعالَى:
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالْعَصْرِ*(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾[العصر]
قالَ الشافعيُّ رحمَهُ اللهُ تعالَى: لوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إلاَّ هذِه السُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ.
وقال البخاريُّ رحمَهُ اللهُ تعالى: بابٌ العلمُ قبلَ القولِ والعملِ والدليلُ قولُه تعالَى ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمد:19]،فبدأَ بالعلمِ قبلَ القولِ والعملِ.

………

يطلب حفظ هذا الجزء ثم جواب السؤال الأتي:
السؤال الأول : علما ابتدئ المؤلف كتابه بالبسملة؟ أعرب البسملة ؟ مع ذكر معنى اسمي الرحمان الرحيم؟ و ما الذي نستفيده من صنيع المصنف في قوله اعلم رحمك الله.
الجواب في شرح العثيمين وصالح آل الشيخ أو شروح أخرى.


القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو ليث القعدة
القعدة
القعدة

الفقرة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم.

اعلمْ -رحمكَ اللهُ- أَنَّهُ يجبُ علينَا تَعَلُّمُ أربعِ مسائلَ
الأُولى: العِلْمُ؛ وهوَ معرفةُ اللهِ، ومعرفةُ نبيِّهِ، ومعرفةُ دينِ الإسلامِ بالأدلةِ.
الثانيةُ: العملُ بهِ.
الثالثةُ: الدعوةُ إليهِ.
الرابعةُ: الصبرُ علَى الأَذى فيهِ.
والدليلُ قولُه تعالَى:
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالْعَصْرِ*(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾[العصر]
قالَ الشافعيُّ رحمَهُ اللهُ تعالَى: لوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إلاَّ هذِه السُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ.
وقال البخاريُّ رحمَهُ اللهُ تعالى: بابٌ العلمُ قبلَ القولِ والعملِ والدليلُ قولُه تعالَى ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمد:19]،فبدأَ بالعلمِ قبلَ القولِ والعملِ.

………

من تفريغ الأخ الفاضل سالم الجزائري


السؤال الأول : علما ابتدئ المؤلف كتابه بالبسملة؟ أعرب البسملة ؟ مع ذكر معنى اسمي الرحمان الرحيم؟ و ما الذي نستفيده من صنيع المصنف في قوله اعلم رحمك الله.

الجواب في شرح العثيمين وصالح آل الشيخ أو شروح أخرى.

القعدة القعدة

للأهمية إليكم شرح الشيخ حامد الجنيبي (حفظه الله) ضمن دروس التأصيل العلمي، لمن أراد أن يستعين به على جواب الأسئلة السابقة و ما يتأتى من الأسئلة اللاحقة.
يقول المصنّف – عليه رحمة الله تعالى-:
[المتن]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
اِعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعلُّمُ أَرْبَعِ مَسَائِلَ.
[الشرح]
والبسملة سنُعيد ذِكر شيء من مسائل البسملة التي ذكرناها بالأمس .
قولنا (بسم الله) : الأصل في قولنا : (بسم) : أن تُكتب كلمة (اسم) بألفٍ في أوّلها، كما في قوله – عزّ وجلّ -: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾[1] كما في رسم المصحف، وقد حُذفت الألف في الكتابة لأنّها لا تظهر في اللّفظ . وقال بعض أهل العلم : إنّما حُذفت لأجل التّخفيف.
و (الله) : هذا الاسم لفظ الجلالة أصله الإله، وقد تركوا الهمزة وأدغموا اللّام الأولى في اللّام الثّانية فصارت لامًا مشدّدةً . وهذا اللّفظ ؛ لفظ الجلالة (الله): المعبود محبّةً وتعظيمًا ، وهو عَلمٌ على الله – سبحانه وتعالى – لا يجوز إطلاقه على غيره .
وهو الاسم الذّي تتبعه جميع الأسماء ، ومعنى ذلك أنَّنا نقول : العظيم من أسماء الله، ولا نقول الله من أسماء العظيم . وكذلك نقول: الرحيم من أسماء الله ، ولا نقول: الله من أسماء الرحيم، وكذا في سائر الأسماء الحسنى، فكل الأسماء الحسنى تابعة لهذه الكلمة ؛، وهي قولنا : (الله) .
وكُنَّا قد سُئِلنا بالأمس عن أصل كلمة : ( اللهم ) ، فنقول : (اللهمَّ) : كما ذكرنا أنَّ معناها : يا الله . والميم المشدَّدَة التي في آخر الكلمة هي بدل من (يا) النداء في قول : (يا الله)، هكذا قال بعض أهل اللغة، وهذا منسوب إلي سيبويه والخليل، وذكر بعض أهل العلم أن أصل الكلمة: يا الله أُمَّ بخير . يعنى اقصدنا بخير، هذه هنا ذكرتها فقط لأجل أننا سئلنا عنها البارحة فأشير إليها إشارة.
(الرحمن) : هو ذو الرحمة الواسعة – سبحانه وتعالى – وبعبارة أخرى نقول: هو الموصوف بالرحمة الواسعة .
وذلك أن لفظ : (رحمن) : على وزن فعلان، وهذا الوزن يُفيد المبالغة . واسم (الرحمن) اسم خاص بالله – عز وجل – لا يجوز إطلاقه على غيره .
وأما (الرحيم) : فهو ذو الرحمة الواصلة، ويجوز إطلاقه على غيره -سبحانه وتعالى-، ولكن كما ذكرنا بالأمس أنَّ هذا الإطلاق يكون بما يليق بالعبد ومكانته في مقابل مكانة الرب الجليل – عز وجل -.
وهنا إشارة أُشير إليها ؛ وهي أنه قد ذهب بعض أهل العلم إلى أن اختصاص اسم (الرحيم) هو بالمؤمنين، واستدلُّوا لذلك بقوله تعالى:﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾[2]، وقالوا: لم يجئ في القرآن لفظ (الرحيم) لغير المؤمنين، وهذا الإطلاق فيما يظهر – والله أعلم – فيه نظر؛ لأنه قد جاء في القرآن هذا اللفظ لجميع الناس كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾[3]كما في سورة البقرة، وسورة الحج.
ثم قال المصنف – رحمه الله تعالى -:
[المتن]
اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعلُّمُ أَرْبَعِ مَسَائِلَ.
[الشرح]
وقوله (اعلم): العلم يشمل ما كان إدراكه مبنيًّا على اليقين (يعني: أمراً لا شكَّ فيه)، وكذلك ما كان إدراكه مبنياًّ على غلبة الظن. وهذا على الراجح من أقوال أهل العلم ، وليس هذا مجال تفصيل ذلك، ولذلك يُطلق عليه بعض أهل العلم بأنه : معرفة الهدى بدليله .
قوله (رحمك الله) : الرحمة في اللغة هي الرِّقَّـة والعطف، والمراد هنا : أفاض الله عليك من مغفرته .
وقوله (أنه يجب علينا) : الوجوب هو طلب امتثال الأمر على سبيل الإلزام .
فمَنْ طلب منك أمراً على سبيل الوجوب ، فإنه يُلزِمُك بفعل هذا الأمر ، وامتثال ما أراده منك على الوجه الذي أراد . فلستَ مـُخَيَّراً في فعله أو في تركه ، هذا معنى الوجوب في الشرع .
وقوله (علينا) : يعني على معشر الـمُكلَّفين من الإنس والجن، صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً. وسيأتي ذكر شيء من ذلك إن شاء الله على سبيل الاختصار فيما يتعلق بالصغار وغيرهم .
قوله (تعلُّم أربع مسائل) : هذه الأربع مسائل ؛ وُجوبُها على المكلفين يتفاوت بحسب تَفاوُتِهم في توفُّرِ الشروط وانتفاء الموانع . فقد يتوفَّر في شخصٍ من الأسباب والشروط ما يجعله مكلَّفاً بأمر ، ولا يتوفَّر في غيره من هذه الأسباب ما يجعله مُكلَّفاً بهذا الأمر .
كأن يكون إنسان عنده مال قد بلغ نصاباً ، وحال عليه الحول ، فتَجِبُ عليه الزكاة، بينما رجل آخر فقيرٌ مُعدَمٌ فلا تجب عليه الزكاة .
فالأول : مُطالَبٌ بتَعلُّم أحكام الزكاة في هذا المال، والآخر غير مطالب بتَعَلُّمِ أحكام الزكاة، والمسألة فيها تفصيل.
وأما بالنسبة للصغار ؛ فإنَّنا نقول : حديث النبي صلى الله عليه وسلم:" كُلُّ مَوْلُودٍ يُوْلَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو يَمُجِّسَانِهِ أَو يُنَصِّرَانِهِ "، الفطرة : هي شريعة التوحيد لله – عز وجل- وقد جاء ذلك في قول الله -عز وجل- ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾[4]وهذه الفطرة هي التوحيد، توحيد الله -عز وجل- وإفراده –سبحانه- بالعبادة.
فإذا نشأ الصغير تحت أبوَين مسلمَيْن ؛ لا يُطالَبُ بعد البلوغ بإعادة توحيده وإيمانه ، كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة بخلاف أهل البدع والأهواء من أهل الكلام .
وهذه المسائل الأربع دَلَّ الشَّرعُ الحنيف على وجوبها على المكلفين، والمصنِّف -رحمه الله تعالى- قد استفادها من كلام العلامة الإمام شيخ الإسلام الثاني ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه القيم "زاد المعاد في هدي خير العباد" .
يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه زاد المعاد :
" فجهاد النفس أربع مراتب:
· إحداها: أن يُجاهدها على تَعلُّمِ الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشِها ومَعادها إلا به ، ومتى فاتها عِلمُه شَقِيَ في الدارين" .
وهذه المرتبة الأولى هي التي ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى- في قوله: "الأولى: العلم".
ثم قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
· "الثانية أن يُجاهِدَها على العمل به بعد عِلمِه، وإلاَّ فَمُجَرَّدُ العلم بلا عمل إنْ لم يَضُرَّها لم ينفعها" .
وهذه هي التي ذكرها المؤلف -رحمه الله- في قوله : "الثانية العمل به" .
يقول ابن القيم:
· "الثالثة أن يُجاهِدَها على الدعوة إليه، وتَعليمه من لا يعلمُه، وإلا كان من الذين يكتُمون ما أنزل الله من الهدى والبيِّنات ، ولا ينفعُه عِلمُه ولا يُنجيه من عذاب الله"
وهذه أيضاً المسألة التي ذكرها المصنف -رحمه الله تعالى- في قوله: "الثالثة الدعوة إليه".
قال :
· "الرابعة : أن يُجاهِدَها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله" .
وهذه هي التي ذكرها المصنف -رحمه الله- بقوله:" الرابعة الصبر على الأذى فيه"، ونأتي الآن إلى التفصيل في ذكر هذه المسائل الأربع.
قال المصنف -رحمه الله تعالى- في ذكر هذه المسائل الأربعة :
[المتن]
الأُوْلَى: العِلْمُ، وَهُوَ: مَعرِفَةُ اللهِ وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ وَمَعْرِفَةُ دِيْنِ الإِسْلَامِ بِالأَدِلَّةِ.
[الشرح]
تكلَّمنا على (العلم) ، وقلنا : إنَّ العلم يشمل الأمور اليقينيَّة، والأمور التي تغلب على ظنِّ العبد، على تفصيلٍ طبعاً في ذلك ليس هذا هو مَقامُه .
ومعرفة الله -عز وجل- هي بأربعة أمور وهي:
الأول : الإيمان بوجود الله -عز وجل-.
الثاني: هو الإيمان بأُلوهِيَّة الله -عز وجل-. وهو إفراد الله –عز وجل- بالعبادة .
الثالث: الإيمان برُبوبِيَّة الله -عز وجل- . هو إفراد الله –عز وجل- بأفعاله . وبعض أهل العلم يُعَبِّرُ عنه بقوله : هو إفراد الله –عز وجل- بالخلق والملك والتدبير.
الرابع : هو الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، و(الإيمان بالأسماء والصفات) : هو إفراد الله –عزَّ وجل- بما يستحقه من الأسماء والصفات، والإيمان بها، واعتقادها من غير تكييف، ولا تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل.
والتَّكييف : هو أن نَنْسِبَ إلى الرب –عز وجل- كيفيَّةً نَتَصوَّرُها بأذهاننا . فنقول: صفة الله –عز وجل- على هذه الكيفية، هذا هو التكييف.
وأما التعطيل : هو أن نَنْفِيَ صفةً من صفات الله –عز وجل-.
وأمَّا التحريف : فهو أن نجعل هذه الصفة لها معنى آخر غير المعنى الذي يُريدُه الله -عز وجل-، فنأتي إلى صفة من صفات الله -عز وجل- ونقول: لا ، ليس هذا معناها . بل معناها : كذا . فقط مِنْ غير بُرهانٍ ولا دَليلٍ من الشرع ، نَصرِفُ هذه الصفة عن معناها.
وأمَّا التمثيل : وهو جعل الربِّ -عز وجل- مُشابِهًا للمخلوق . فنقول: يَدُ الله كَيَدِ العبد -عياذاً بالله- أو نحو هذه الـمُشابـَهات و الـمُماثَلات .
وهذه كلُّها موجودة بين من يَنتَسِبُ إلى الإسلام إلى هذا اليوم، وأما أهلُ السُّنَّة فليس عندهم شيء من هذه الأربع، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله في مكانه بحول الله -عز وجل-.
ثم قال -رحمه الله-:
[المتن]
وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ.
[الشرح]
قال -رحمه الله تعالى-: (ومعرفة نَبيِّه)، ونبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله -عز وجل- خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وسيد ولد آدم يوم القيامة بلا فخر صلى الله عليه وسلم.
وكُلُّ الطُّرق مَسدودة على العبد إلى الله -عز وجل- إلا طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وكلُّ مَنْ أراد الوصول إلى ربه -سبحانه وتعالى- فوُصولُه مُنقَطِعٌ دون سُلوكِ هذا الطريق – أعني: طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم- .
فهو الذي جاء بالشرع، وهو الذي جاء بدين الإسلام. واتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو من دليل محبة العبد لله -عزَّ وجل- أولاً، ثم مِنْ دليل مَحبَّتِه للنبي صلى الله عليه وسلم ثانياً.
وذلك ؛ أنَّ محبَّة اللهِ -عزَّ وجلَّ- تَستَلزِمُ من العبد طاعته -عز وجل- فيما أمر، والعمل بشرعه .
وأما محبة النبي صلى الله عليه وسلم تستلزم من العبد : أن لا يعمل عملاً لم يأتِ من طريق النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأتِ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي شيء من التفصيل في ذلك -إن شاء الله- لاحقاً عند كلامنا على الأصول الثلاثة فيما بعد .

[1] [العلق:1 ]

[2] [الأحزاب:43]

[3] [البقرة/143] و[الحج:65]

[4] [الروم: 30 ]

[المتن]
قال : وَمَعْرِفَةُ دِيْنِ الإِسْلَامِ بِالأَدِلَّةِ.
[الشرح]
و(معرفة دين الإسلام) : لا بُدَّ أن يَعلَم العبدُ دينَه ، وعلى أَيِّ دينٍ هو ؟
و(الإسلام) : هو الاستسلام والانقياد لله –عز وجل- . وهذا الانقياد لله –عز وجل- في دين الإسلام يكون كما قال المؤلف بالأدلَّة ، فليس كُلُّ ما يُذكر عن الإسلام فهو من الإسلام، ولكن الإسلام ما جاء عن الله –عز وجل- من طريق نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة ، وسيأتي -إن شاء الله- مزيد تفصيلٍ في ذكر هذه الثلاث ، وبيان الفروق بين (الإسلام الشرعي) و(الإسلام الكوني) ، و(الإسلام الخاص) و(الإسلام العام)، عند ذكرنا للأصول الثلاثة .
ولا بُدَّ مِنْ بيانِ أمرٍ مهم ؛ وهو : أنَّ قوله (بالأدلَّة) راجعٌ -فيما يظهر لي والله أعلم- إلى هذه الثلاث المعارف : معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام .
وهذه الأدلة التي يُطالَب بها العبد في هذه المعارف الثلاث ليس الـمُراد هنا أن يعرف الإنسان كلَّ مسألةٍ بدليلها، فإنَّ الناس منهم العالم، ومنهم المقلِّد، فقد يُقَلِّدُ الرجلُ أو العبدُ عالـماً من العلماء ، ويَسلم بذلك ، وتَبرَأُ ذِمَّتُه إذا كان يَصِحُّ مِنْ مثله أن يُقَلِّد ؛ لأن هنالك بعض الناس لا يصح من مثلهم أن يُقَلِّدَ العلماء لأنه عنده من العلم ما يُؤَهِّلُه لاستنباط الأحكام الشرعية .
فقول المؤلف -رحمه الله تعالى- : (بالأدلة) راجعٌ إلى هذه المعارف الثلاث، ولكن كما ذكرنا أنَّ الناس يتفاوتون في ذلك فلا نفهم هذه المسألة على إطلاقها .
وأهل السنة يقولون : إنَّ إيمان الـمُقلِّد صحيحٌ لا إشكال فيه ، إذا قَلَّدَ مَنْ هو أهلٌ لأن يُقَلَّد .
وهذه المعارف الثلاث : هي الأصول الثلاثة التي ألَّف الـمُؤَلِّفُ الرسالة مِنْ أجلها، وهي التي يُسأَلُ عنها العبد في قَبرِه إذا مات وإذا دفن . فإنه يُسأَل : مَن رَبُّك ؟ وما دينُك ؟ ومَنْ نَبِيُّك؟ فيُسأل عن هذه المعارف الثلاث .
فَمَن كان قد التَزَمَها في الدنيا ، فإنه يُجيب بحول الله –عز وجل- في قبره .
ثم قال –رحمه الله تعالى-:
[المتن]
الثَّانِيَةُ: العَمَلُ بِهِ.
[الشرح]
و(العمل بالعلم) : هو الذي يكون به نجاة العبد يوم القيامة بحول الله –عزَّ وجلَّ-، والعلم بلا عمل يُفضي بصاحبه -والعياذ بالله- إلى عذاب الله –عز وجل- .
وقد ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة الصحيح أنَّ (( أوَّلّ مَنْ تُسَعَّرُ بهم النار ثلاثة )) ؛ -وذكر منهم : ((عالم)) ، أو قال : ((قارئٌ للقرآن ، فيُأْتى به، ويُقال له : ماذا عملت]فيما علمت[؟ فيقول: يا ربي فيك علَّمت القرآن وتعلمت، فيقال له: كذبت، فيلقى في نار جهنم ))[1]-عياذا بالله- .
وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- إذا حَدَّثَ بهذا الحديث بكى -رضي الله عنه- حتى يُغشى عليه -رضي الله عنه- خوفاً وَوَجَلاً -رضي الله عنه- ؛ لأنه كان يُحَدِّثُ بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ويَخشى أنْ يكون مِمَّنْ لا يعمل بهذا العلم .
فقال المصنف -رحمه الله- : (الثانية : العمل به) ، أي : العمل بهذا العلم الذي تَعَلَّمه العبد، فالضمير في قوله (بِـه) راجعٌ إلى قوله : (العلم) ، فلا بُدَّ من العمل بالعلم .
والعمل بالعلم هو الذي يُورث خَشيَةَ الله –عزَّ وجل-، فليس كُلُّ عِلمٍ يُورِثُ الـخَشْيَةَ من الله –عز وجل-، ولكن هو العلم الذي يُورِثُ من العبد العمل .
كُلُّ علمٍ يُورِثُ العمل فهو مُقَرِّبٌ إلى الله –عزَّ وجلَّ-، والعلم الذي لا يورث العمل هو مُباعِدٌ عن الله –عز وجل- .
والله -سبحانه وتعالى- قد قال في كتابه الكريم: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾[2] ، ولذلك قد جاء في قول الله -عز وجل- قال: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ﴾ [3] فمن اهتدى بهدي القرآن والسنة، وعمل بهدي القرآن والسنة، يزيده ربُّه -عزَّ وجل- فضلاً منه وكَرَمًا زيادةً من الهدى ، وزِيادَةً من التَّقوى .
وأيضا قال الله -عز وجل-: ﴿فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾[4]فمَنْ أعطى، واتَّقى، وصَدَّقَ بالحسنى، هذه كلُّها أعمال – سواء كانت أعمال جوارح أو أعمال قلوب – .
وقال : ﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾[5]فمَنْ عَمِل الأعمال الصالحة يُيَسِّرُ له رَبُّه -عزَّ وجلَّ- الازدياد من الأعمال الصالحة .
وفي مُقابِل ذلك ؛ مَنْ ترك العمل بالعلم يُورِثُه ربه -عز وجل- البُعدَ عنه، وكذلك يُورِثُه -عياذاً بالله- عدم التوفيق إلى فعل الطاعات، بل يَكِلُه إلى نفسه .
فنجد هذا العبد يتقلَّبُ من مَعصِيَةٍ إلى مَعصِيَة ، كما قول الله : ﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾[6] ، وكذا في قوله -عز وجل- في سورة البقرة : ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً ﴾[7] .
وأنا أذكر هذه الآيات لعلَّها -إن شاء الله- أن تكون نِبراساً لي ولإخواني -إن شاء الله- مِمَّن يستمعون إلينا في هذه الكلمات، لعلها -إن شاء الله- تكون مِفتاحاً إلى الخير ، ونِبراساً إلى الخير .
أقول يا إخوتي وأخواتي !! كُلُّ عِلمٍ لا يُورِثُ عَمَلاً ؛ فهو مُباعِدٌ عن رَبِّ العِزَّة -تبارك وتعالى- .
وينبغي على العبد أن يكون حريصاً على التَّقرُّبِ إلى الله -عز وجل-، والازدياد من العمل، كما يحرص على الازدياد من العلم .
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
[المتن]
الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ.
[الشرح]
أي الدعوة إلى ماذا ؟! إلى العلم .
فالإنسان لا بُدَّ أوَّلاً أنْ يَتَعَلَّم ، فيبدأ بالعلم، فإذا تَعَلَّم فلا بُدَّ له أن يَعمَلَ بما تَعَلَّم، وإذا عَمِلَ بما تعلَّمَه ، فإنه يجب عليه حينئذ أنْ يُبَلِّغَ هذا العلم إلى غيره مِمَّن يحتاج إليه، فيكون هذا الإنسان داعياً إلى الله -عز وجل- .
وهذه الدعوة إلى الله -عز وجل- هي سبيل النبي صلى الله عليه وسلم ، وسبيل أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما مَنْ انحرف عن دعوة النُّبُوَّة ، وعن سبيل النُّبُوَّة فإنه لا يُراعي حُرمَةً للدعوة إلى الله -عز وجل- ، ولا يُلقي بالاً ولا اهتماماً للدعوة إلى الله -عز وجل-، فالله -سبحانه وتعالى- يقول كما في سورة يوسف: ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [8] .
﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي﴾ أي : سبيل النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿أَدْعُو إِلَى اللّهِ﴾: لا أدعوا إلى غيره.
﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾، ولا بُدَّ للداعية أنْ يَدعو إلى الله -عز وجل-، فلا يدعو إلى جاهٍ، ولا يدعو إلى مالٍ، لا يدعو إلى نفسه، ولا يدعوا إلى مخلوق، لكن يدعوا إلى الله -عز وجل- وحده -جلَّ في عُلاَه- . ودعوتُه هذه لا بُدَّ أنْ تكون مُرتَكِزَةً على بصيرة، والبصيرة : هي العلم .
قال: ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ : فَمَن اتَّبَعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فلا بُدَّ أنْ يكون على السبيل التي سار عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
والله -عزَّ وجلَّ- إنما بَعَثَ الرُّسُل لأجل الدعوة إلى الله -عز وجل- .
فإن قال قائلٌ: إنما بَعَثَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- الرسل لأجل التوحيد، ومن أجل إقامة التوحيد. فنقول : إنَّ إقامة التوحيد لا تكون إلا بالدعوة إلى الله -عز وجل-، فالدعوة إلى الله -عز وجل- هي الدعوة إلى التوحيد لله -عز وجل-، وبقية الأعمال وبقية الأشياء هي تابعة لتوحيد الرب -جلَّ جلالُه وتَقَدَّسَ في عُلاه سبحانه- .
قال: ﴿أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾: فإذا أردتيا أيها المسلم، يا أيها السُّنِّـيُّ السَّلَفِي، إذا أردت أن تكون على سبيل النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى صراط النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بُدَّ لك أن تَتَسَلَّحَ بالتوحيد أولاً ، كما قال : ﴿ أَدْعُو إِلَى اللّهِ﴾، ولابد لك أن تَتَسَلَّحَ بالعلم ثانياً ، كما قال: ﴿عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ .
ثم لا بُدَّ لك أنْ تكون من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال : ﴿أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ .
ولذلك قال في آخر الآية: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ فنزه الله –عز وجل- قال: ﴿ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، فالنبي صلى الله عليه وسلم نَزَّهَ ربَّه –عز وجل- ، وسبَّحَهُ –عزَّ وجل-، أي : أمر الله –سبحانه وتعالى- النبي صلى الله عليه وسلم بالتسبيح والتنزيه لله –عز وجل- ؛ وذلك لأن سبيل النبي صلى الله عليه وسلم ، والسبيل التي وَضَعَها رَبُّ العِزَّةِ –تبارك وتعالى- بعيدةٌ عن السُّبُل البِدعِيَّةِ والسُّبُل الشِّركيَّة، بل هي السبيل التي تدعو إلى الله ، والسبيل التي تكون على بصيرة ، وهي سبيل أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وأتباع الرسل من قبله عليهم الصلاة والسلام .
قال –رحمه الله تعالى-:
[المتن]
الرَّابِعَةُ: الصَّبْرُ عَلَى الأَذَى فِيْهِ
[الشرح]
وهذا مقام عظيم : (الصبر على الأذى في العلم) ، هذا مَقامُ الرُّسُل ، ومقام الأولياء ، والصالحين الذين :
· يَصبِرون على العلم الشرعي .
· ويَصبِرون على العمل بالعلم الشرعي .
· ويَصبِرون على الدعوة إلى العلم الشرعي .
والصبر هو :
· هو حَبسُ النَّفسِ عن التَّسَخُّط ، و (التَّسَخُّط) : يكون من أقدار الله –عز وجل- .
· وحبسها على فعل الطاعات. أي : على فعل أوامر الله –عز وجل- .
· وحبسها عن فعل الـمُحرَّمات . أي : عن فعل النواهي التي نهى عنها ربنا –تبارك وتعالى-.
وأقول : الناس يتفاوتون في الصبر، والصبر في هذا الموطن، هو موطن أولياء الله –عز وجل- الذين يصبرون على دين الله –عز وجل-، مهما صادَفَهم مِمَّا قد يُبتَلَوْنَ به في طريق الدعوة إلى الله، أو في طريق التَّعلُّم لدين الله –عز وجل-، أوفي طريق العمل بدين الله –عز وجل- .
فالصبر -ولا شَكَّ- هو مقامٌ عظيم، وقد أفرد الإمام ابن القيم –رحمه الله تعالى- لذلك كتاباً سمَّاه "عِدَّةُ الصابرين" .
والصبر -ولا شَكَّ – يكون مـِمَّا يرتَفِعُ به مَقامُ العبد عند الله –عز وجل-، بل هو من الأسباب التي ينال بها العبد الإمامة في دين الله –عز وجل-، والله –سبحانه وتعالى- يقول: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾[9] ، فلمَّا صَبَروا، وآمنوا، وأيْقَنوا بالله –عز وجل-، وبآيات الله –عز وجل-، أورثَهم ربُّهم –عزَّ وجل- تلك المنزلة العالية، فجعلهم أَئِمَّةً من أَئِمَّة الدين .
ولذلك قد اشتهر عن شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- أنه قال : "بالصبر واليقين ، تُنال الإمامة في الدين" .
وابن القيم –رحمه الله تعالى- لما تَكَلَّم عن هذه المراتب الأربع في كتابه زاد المعاد ذكر كلمات جميلة ، فقال –رحمه الله تعالى- : "فإذا استكملَ العَبدُ هذه المراتب الأربع ؛ صار من الربَّانِيِّين ، فإنَّ السَّلَفَ مـُجمِعُون على أنَّ العالمِ لا يَستَحِقُّ أنْ يُسَمَّى ربَّانِياًّ" .
و(الرَّبَّانِيُّ) : كما فَسَّرَهُ ابن عباس رضي الله عنهما : هو الذي يُرَبِّي الناسَ على صِغار العِلم قَبلَ كِبارِه .
(صغار العلم) : الذي يحتاجون إليه قبل (كبار العلم) : قبل المسائل الـمُشكِلة ، والمسائل الكبيرة التي لا يحتاجون إليها .
انتبه -حفظك الله ووفَّقَك الله- استمع بقلبك -وفَّقَك الله – .
يقول ابن القيم –رحمه الله-: "فإذا استكمل العبد هذه المراتب الأربع صار من الرَّبَّانِيِّين ، فإنَّ السَّلَفَ مـُجمِعُون على أنَّ العالِـم لا يَستَحِقُّ أنْ يُسمَّى رَبَّانِياًّ حتى يَعرِفَ الحَقَّ، ويَعمَلَ به، ويُعلِّمَه، فمَنْ عَلِم، وعَمِل، وعَلّمَ" -انتبه رعاك الله- يقول: "فَمَنْ عَلِم، وعَمِل، وعَلَّم، فذاك يُدعى عظيماً في ملكوت السماوات" ، أسأل الله -سبحانه وتعالى- أنْ يُبَلِّغَني وإيَّاكم هذه المنزلة الرَّفيعة ، أسأل الله أنْ يُبَلِّغَنا أجمعين مَنازل الصِّدِّيقين، ومَنازِلَ الأَئِمَّة، والأولياء ، الصالحين، إنه جواد كريم .

[1] نص الحديث كما في صحيح مسلم : ((ورجلٌ تعلَّم العلم ، وعلَّمه ، وقرأ القرآن ، فأُتِيَ به ، فعرَّفه نِعمه ، فعَرَفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلَّمتُ العلم وعلَّمتُه ، وقرأتُ فيك القرآن . قال : كذبت ، ولكنَّك تعلَّمتَ العلم ليُقال عالم ، وقرأتَ القرآن ليُقال : هو قارئ ، فقد قيل ، ثمَّ أُمِرَ به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلقي في النار … )) .

[2] [فاطر: 28]

[3] [محمد:17]

[4] [الليل: 5، 6، 7]

[5] [الليل: 5، 6، 7، 8، 9، 10]

[6] [الليل: 5، 6، 7، 8، 9، 10]

[7] [البقرة: 10]

[8] [يوسف: 108]

[9] [ السجدة: 24]

ثمَّ ذَكَرَ الـمُصَنِّفُ -رحمه الله- الدَّليل ، مِنْ أين جئت يا شيخ الإسلام بهذه المراتب الأربع؟! ذكر الدَّليل -رحمه الله تعالى- على استنباط هذه المسائل الأربعة فقال:
[المتن]
والدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[1]
[الشرح]
وأين الاستنباط من هذه الآيات؟ الاستنباط من قوله -عز وجل-: ﴿إِلَّا الَّذِيْن آَمَنُوْا﴾: فالذين آمنوا أي : أيقنوا، وصَدَّقوا، وهذا اليقين والتَّصديقُ يكون بالعلم .
﴿إِلَّا الَّذِيْن آَمَنُوْا وَعَمِلُوا الْصَّالِحَات ﴾: فهذا هو العمل .
﴿ وَتَوَاصَوا بِالْحَق ﴾ : هو الذي يُراد به الدعوة إلى الله -عز وجل- .
﴿وَتَوَاصَوا بِالْصَّبْر ﴾ : أي يُوصِي كُلُّ أَحَدٍ صاحِبَه بالصبر، ولا شَكَّ أنَّ الإنسان يُوصِي نَفسَه قَبلَ أنْ يُوصِي غيره بالصبر على العلم، وعلى العمل به، وعلى الدعوة إليه .
[المتن]
قَالَ الشَّافِعِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ – : "لَوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إِلَّا هَذِهِ السُّورَةُ لَكَفَتْهُمْ".
[الشرح]
قد يَستَشكِلُ مُستَشكِلٌ أنَّ هذه السورة لا تكفي لبيان شرائع الإسلام . فنقول : ليس مُرادُ الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- أنَّ هذه السورة قد احتوت على جميع تفاصيل شريعة الإسلام ، ليس هذا مُراده -رحمه الله –، ولكن مُراده -عليه رحمة الله تعالى- أنَّ هذه المسائل الأربعة المذكورة في هذه السورة هي التي يتفرع عليها دين الإسلام وشريعة الإسلام .
فالمعارف الثلاث الأولى هي شاملة لكُلِّ الإسلام في (معرفة العبد ربه، ونبيَّه، ومعرفة دين الإسلام)، هذه كلُّها شاملة لشرائع الإسلام، فإذا تَعَلَّمَ الإنسان هذه الثلاث عَمِلَ بها، فَحَقَّقَ هذا الدين في نفسه، فإذا حَقَّقَهُ في نفسه دعا إلى الدين، فَتَحَقَّقَ هذا الدين في غيره، ولأجل أن يتحقَّقَ هذا الدين في نفسه وفي غيره وجب عليه أن يصبر .
ولذلك يقول شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله تعالى- كما في مجموع الفتاوى لما ذكر مقولة الشافعي قال: "ورُوِيَ عن الشافعي -رضي الله عنه- أنَّه قال: لو فَكَّر الناسُ كُلُّهم في سورة والعصر لَكَفَتهُم ، وهو كما قال ، فإنَّ الله -جَلَّ وعلا- أخبر أنَّ جميع الناس خاسرون إلا مَنْ كان في نفسه مُؤمناً صالحاً ، ومع غيره مُوصِياً بالحقِّ ، ومُوصِياً بالصبر".
بقيت هذه العبارة الأخيرة من كلام البخاري لعلنا ننتهي إن شاء الله من هذه العبارة الأخيرة من كلام البخاري ثم نقف إن شاء الله. ثم ذكر المصنف -رحمه الله تعالى- مقولة البخاري قال:
[المتن]
وَقَالَ البُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ -: "بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ". وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[2]، فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ.
[الشرح]
ذكر المصنف -رحمه الله تعالى- مقولة هذا الإمام الـمُسَدَّد الـمُوَفَّق -رحمه الله تعالى- أمير المؤمنين في الحديث قال: "العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ": أي أن البخاري -رحمه الله تعالى- جعل بابا في كتابه الصحيح ؛ صحيح البخاري، جعل فيه باباً: (العلم قبل القول والعمل) ، سمَّى هذا الباب "العلم قبل القول والعمل" ، أو بعبارة أخرى : هذا بابٌ سوف نذكر فيه العلم قبل القول والعمل .
هنا فائدة: العلم إذا أطلق فإنه يُراد به العلوم الشرعية، ولا يُرادُ بذلك علومُ الدُّنيا، إنما يراد العلوم الشرعية لا علوم الدنيا .
قال: (العلمُ قبل القول والعمل)، قبل أن يقول الإنسان ، وقبل أن يعمل ، فعليه بالعلم.
قال:" وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾، فاستدلَّ بهذه الآية: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ .
وكما سيأتي معنا إن شاء الله أن لا اله إلا الله معناها -معنى لا إله إلا الله- لا معبود بحق إلا الله، وسنأتي إن شاء الله لاحقاً إن شاء الله نتكلم عن تفصيل هذه الكلمة إن شاء الله قال: ﴿فاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ فبدأ بالعلم ﴿فاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ ثم قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ فبدأ رب العزة -عز وجل- بالعلم قبل أن يذكر العمل، وهو قد ذكر هنا الاستغفار قال: "فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ".
ولذلك نقول مَقُولَةً جَميلة تُروَى -فيما يحضرني الآن- أنها عن سفيان بن عيينة -عليه رحمة الله تعالى- كان يقول:" مَنْ فَسَدَ مِنْ علمائنا ففيه شَبَهٌ من اليهود ، ومَنْ فَسَدَ من عُبَّادِنا ففيه شَبَهٌ مِنَ النصارى" .
الله -سبحانه وتعالى- قد امتدح نبيه وقال: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [3] ، فنفى عنه الضلال، ونفى عنه الغواية، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يَعمَلُ بِعِلم صلى الله عليه وسلم، وكان أكمل الناس عِلماً بالله -عز وجل- .
والسبب في إيراد أثر ابن عيينة في قوله: "مَنْ فَسَدَ من عُلمائنا ففيه شَبَهٌ من اليهود ، ومَنْ فَسَدَ من عُبَّادِنا ففيه شَبَهٌ مِنَ النصارى" ؛ ذلك أنَّ اليهود كانوا يعلمون ولا يعملون، وأنَّ النصارى فكانوا يعملون ولا يعلمون .
ولذا أنا أذكر فائدة مهمة لطالب العلم -لكُلِّ مَنْ سَلَكَ طريق العلم- فإنَّ كثيراً مِن طُلاَّب العلم يَقرأُ في كثيرٍ من السُّوَر ؛ كسورة البقرة ، وسورة المائدة ، وبعض السُّوَر الطوال، فَيَمُرُّ على آيات فيها ذكر قصص اليهود، فالواجب على طالب العلم أن يَقِفَ وَقَفاتٍ كثيرة، وخصوصاً مع الآيات التي وَرَدَت في ذِكرِ اليهود .
فإنَّ اليهود قد كانوا مِمَّن يعلمون ولا يعملون، وقد ذَمَّهم الله -تبارك وتعالى- على ذلك في مَواطِنَ من كتابه .
فالذي ينبغي على طالب العلم أن يقف مع هذه الآيات التي فيها ذكر اليهود وقفات مع نفسه، وكذا عليه أن يَقِفَ مع الآيات التي فيها ذكر النصارى، وذلك أنَّ النصارى كانوا يعملون ولا يعلمون .
والله -سبحانه وتعالى- قد قال: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ [4]. فالمغضوب عليهم هم اليهود، والضالُّون هم النصارى .
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


[1] سورة العصر

[2] [محمد: 19]

[3] [ النجم: 2]

[4] [الفاتحة: 6، 7]

تنزيل شرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله و الشيخ صالح أل الشيخ سدده الله ووفقه الى ما فيه رضاه.

مكتبة الإمام الآجري – رحمه الله – تقدم لكم

شرح لأصول الثلاثة لفضيلة الشيخ العلامة محمد ابن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ [مطبوع ـ مكتوب]



ـ ما بتعلق المتن: من هنا
-ترجمة الشيخ الشارح : من هنا ، باقي شروح الشيخ : من هنا.

القعدة


ـ مصدر روابط التحميل: مكتبة شبكة الإمام الآجري

-الشرح بصيغة : pdf و word ولتصفح الشرح من هنا وباقي شروح المتن : من هنا.

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد،

فهذه فوائد جمعها من شرح الشيخ ابن عثيمين بعض الاخوة المجتهدين أنشرها للفائدة إن شاء الله.
القعدة فوائد من شرح الشيخ ابن عثيمين على الأصول الثلاثة.doc‏ (

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو ليث القعدة
القعدة
القعدة

الفقرة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم.

اعلمْ -رحمكَ اللهُ- أَنَّهُ يجبُ علينَا تَعَلُّمُ أربعِ مسائلَ
الأُولى: العِلْمُ؛ وهوَ معرفةُ اللهِ، ومعرفةُ نبيِّهِ، ومعرفةُ دينِ الإسلامِ بالأدلةِ.
الثانيةُ: العملُ بهِ.
الثالثةُ: الدعوةُ إليهِ.
الرابعةُ: الصبرُ علَى الأَذى فيهِ.
والدليلُ قولُه تعالَى:
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالْعَصْرِ*(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾[العصر]
قالَ الشافعيُّ رحمَهُ اللهُ تعالَى: لوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إلاَّ هذِه السُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ.
وقال البخاريُّ رحمَهُ اللهُ تعالى: بابٌ العلمُ قبلَ القولِ والعملِ والدليلُ قولُه تعالَى ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمد:19]،فبدأَ بالعلمِ قبلَ القولِ والعملِ.

………

يطلب حفظ هذا الجزء ثم جواب السؤال الأتي:
السؤال الأول : علما ابتدئ المؤلف كتابه بالبسملة؟ أعرب البسملة ؟ مع ذكر معنى اسمي الرحمان الرحيم؟ و ما الذي نستفيده من صنيع المصنف في قوله اعلم رحمك الله.
الجواب في شرح العثيمين وصالح آل الشيخ أو شروح أخرى.

القعدة القعدة

يبقى السؤال مطروح فهل من مجيب؟؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.