ولدراسة طبقة النبلاء وطبقة الفلاحين يحسن ان ندرس الاقطاع والنظم الاقطاعية فى اوربا فى العصور الوسطى ، اما عن طبقة رجال الدين فيما بعد من خلال النظم الدينية (الرهبنة والديرية ).
ويتبادر الى أذهاننا سؤال : ما هو أصل كلمة الإقطاع ؟
هو لفظ استخدمه المثقفون فى العصر الحديث ولكن فى العصور الوسطى الكلمة التى كانت مشاعة حينها التبعية (vassalage) و السيادة lordship ، و النظام الاقطاعى هو مجموعة من القوانين يخضع بموجبها رجل حر لرجل حر اخر وهو السيد، ويجب على هذا الرجل ان يؤدى يمين الولاء و الخدمة لسيده لا سيما الخدمة الحربية ، و نظير ذلك يلتزم سيده بحمايته والانفاق عليه ، ثم تطور الامر لحد منحه قطعة ارض اتخذت اسم الاقطاع ، هذا هو التعريف المبسط له.
اما التعريف الاخر له فهو ، بعد تداعى الدولة وانهيارها انتقلت السلطة السياسية الى مجموعة من الأفراد ، اخذوا يمارسونها ممثلة فى تبعية شخصية من قبل الآخرين بحكم تميزهم ، حتى انهم كانوا يحتلون مكانة هامة فى الحرب أي أنهم كانوا مرحلة من مراحل التطور الاجتماعى لغرب أوربا فى تلك الحقبة ، وذلك لان غالبية السلطة السياسية و الاقتصادية كانت فى ايدى النبلاء الذين توارثوها جيلا بعد جيل.
وقد ساد الاقطاع فى غرب اوربا فى فرنسا (غالة) وبرجنديا و إيطاليا و فى إنجلترا وبعض الممالك المسيحية فى إسبانيا والإمارات الصليبية فى بلاد الشام.
ومن هذا يتضح لنا أن جوهر الاقطاع هو الارتباط بين التبعية وحيازة الأرض .
ولا شك ان جذور الاقطاع بمعناه الدقيق قد امتد لابعد من ذلك بكثير ولكننى سوف أقدمه من اواخر عصر الميروفنجيين و اوئل عصر الكارولنجيين ، وما ان بزغت شمس القرن الثامن الميلادى حتى أراد الكارولنجيين زيادة عدد جيوشهم وفرسانهم إلا أن معدات تجهيز الفرسان كانت باهظة التكاليف فكان على السيد الذي كان يرنو إلى تكوين جيش بمنح أفصاله vassel (التابع ) الضياع والإقطاعيات التى قد يحصلون منها على الدخل الذى يكفى لتجهيز انفسهم للحرب .
حتى غدا شارل مارتل دوقا على الفرنجة فادرك ان القوة تكمن فى الفرسان المحاربين وانهم القوة التى تمكنه من السيطرة على النبلاء المنشقين و ايضا حماية مملكته من الاخطار الخارجية الممثلة فى هجمات السكسون على الاطراف الشمالية وتوغل المسلمين فى الجنوب بعد استيلائهم على مملكة القوط الغربيين فى اسبانيا وعبورهم جبال البرانس من ناحية اخرى .
وبعبارة اخرى كان الاقطاع نتاجا لرد فعل فرنسا تجاه الغزوات
وحيث إن الأسلحة الثقيلة مثل الدروع والتروس والخيل باهظة الأثمان ،فانه لم يستطع حيازتها سوى فئة قليلة من النبلاء الفرنج. ولهذا فطن شارل مارتل إلى انه لن يستطيع بناء تلك القوة الفتية من أولئك الرجال الذين يعملون فى الزراعة ويجهدون لانتزاع أقوات يومهم منها ، وحيث أن شارل لا يملك المال ففكر انه لو منح الجند الأرض ويوفر لهم سبل استغلالها ، فبذلك التابعين له سوف يحصلون على خير الأرض ، ومنها يعدون نفسهم بالسلاح ، وهذا لانه كان يحاول أن يبنى جيشا لمواجهة المسلمين ، وعلى هذا الأساس يتبلور لنا مفهوم الإقطاع الحربي .
ونظراً لأن الكنيسة كانت تملك أراضى شاسعة فقد أرغمها شارل على أن تمنح تلك الأراضي لجنده مما جعله يكون جيشاً قوياً مستعداً للهجوم فى أي وقت .
ولكن من ناحية أخرى سرعان ما أخذ السادة الكبار فى النصف الغربى من المملكة الكارولنجية فى محاكاة شارل فحولوا فرسانهم الى أفصال vassels ، و تطور الأمر فيما بعد فحصل التابع على امتيازات لم تكن ممنوحة إلا لرجال الدين إذ صار من حقه مباشرة القضاء وجمع الضرائب المحلية و جابي للغرامات ويجند الجند وغيرها…………
هذا ولم يكن منح الإقطاع يعنى أن للتابع حق ملكيتها ، فالأرض هى مكافأة له على ولائه وخدماته لسيده فى مقابل أنه يأخذ عائد الأرض ، و لكن ما أن يتوفى فإنها ترجع للسيد مرة أخرى ولكن بمنتصف القرن العاشر صار الإقطاع وراثيا بالفعل .
واستمر نمو الإقطاع بالرغم من الظروف التى كانت تمر بها أوربا حينئذ حيث أغار الفايكنج على سواحل فرنسا وتوغلوا فى البداية إلى أبعد من مصبات أنهارها ،أغار المجريون على الشطر الشرقى من غالة ،بينما وصل المسلمون إلى دلتا نهر الرون ، هذا فضلا عن الفوضى الداخلية التى حدثت بين أفراد البيت الكارولنجى وآل كابيه ، ولم تعد ثمة حكومة قادرة على حماية البلاد من الأعداء أو وضع حد لتلك الفوضى حتى معاهدة فردان virdun سنة 843م بين أحفاد شارلمان التى أدت إلى انقسام البلاد إلى ثلاث ممالك.
وفى ظل الانقسام والضعف انهارت السلطة و انتشرت الفوضى و ترتب على هذا أن تغلغلت النظم الإقطاعية أكثر من الأول مستغلة تلك النزاعات وذلك لأن كبار الملاك استطاعوا أن يكونوا لأنفسهم جنداً بفضل ما بذلوه من إقطاعيات لهم ، بينما التمس صغار الملاك الحماية ممن هم أعلي منهم شأناً، وذلك بأن يتنازل الواحد منهم لسيده عن أملاكه ثم يستردها على هيئة إقطاع ، وبذلك نجد أن السيد استطاع أن يحمى نفسه باتباعه الفرسان الأقوياء ، كما وأن الفرسان احتموا وراء صغار الملاك .
لمرورك
يعطيك الصحة
الله يعطيك الصحة علي ماكتبة
لمرورك