محمد سعيد المعضادي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد و على آله وصحبه أجمعين . أما بعد:
فيا أيها الآباء : لقد خشي النبي صلى الله عليه وسلم على النساء، فأوصى بالرفق بهن، فقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله يوصيكم بالنساء خيرا إن الله يوصيكم بالنساء خيرا، فإنهن أمهاتكم وبناتكم وخالاتكم …..)) وقال لأحد صحابته (رويدك سوقك بالقوارير)) .
والقوارير التي أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم على النساء هي :آنية الزجاج التي لا يمكن إصلاحها إذا انكسرت .
ومثلما حرص النبي صلى الله عليه وسلم على النساء وأوصى بهن، خشي على الرجال من فتنتهن فقالاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) ، ومعناه: اجتنبوا الافتتان بالدنيا وبالنساء، وتدخل في النساء: الزوجات وغيرهن، وأكثرهن فتنة الزوجات؛ لدوام فتنتهن، وابتلاء أكثر الناس بهن، وقال أيضا(ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)) ، ووصفُ النبي صلى الله عليه وسلم لهن بأنهن فتنة على الرجال يفرض علينا أن لا نجمع بين الفاتن والمفتون (النار والبنزين).
فلماذا كل هذا الحرص على النساء من سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم ؟ ولماذا يقابل الآباء هذا الحرص بالتفريط والإهمال؟
أيها الآباء: أن ديننا القويم لا يجيز اختلاط الرجال بالنساء، يقول العلامة حامد العلي: (من أفتى بجواز الاختلاط في التعليـم، أو حرض عليه، فهو داخل في قوله تعالى ((وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا )) وهو من الداعين إلى الفساد، الآمرين بالمنكر، الناهين عن المعـروف).
أما أولئك الذين يبررون اختلاط الرجال بالنساء مقارنة بصلاتهن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، فنضع بين أيديهم بعض الأدلة التي تثبت خلاف ما يبررون، ونبين لهم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أشد الحذر من اختلاطهن بالرجال، داخل المسجد وخارجه.
فعن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول- وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: ((استأخرن؛ فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق؛ عليكن بحافات الطريق))، فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به . ومن شدة خشيته صلى الله عليه وسلم على النساء جعل لهن في مسجده بابا يدخلن منه ، وقال للرجال: ((لو تركنا هذا الباب للنساء)) ، أما في المسجد فقد جعل صفوفهنّ بعيداً خلف الصبيان، كما جعل مصلَّى النساء في العيد معزولاً عن مصلى الرجال،وجعل خير صفوفهن آخرها، وشرّها أوّلها، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجال أن يتأخروا في الانصراف من المسجد؛ حتى يدخل النساء في بيوتهن، كل ذلك لمنع اختلاط الرجال بالنساء؛ تخفيفا للفتنة قدر المستطاع، مع أن موضع العبادة تؤمن الفتـنة فيه غالبـا، فكيف بغيره ؟ ورغم كل هذا الحرص منه صلى الله عليه وسلم نراكم تخاطرون ببناتكم إلى أماكن يختلطن فيها مع الرجال ساعات طويلة كل يوم، في زمن قلت فيه الغيرة، وانتشرت فيه الفتن.
أيها الآباء: لقد خرجت بناتكم- بمباركة منكم- فزاحمن الرجال في الأسواق، والدوائر، والجامعات، وكأن الأصل في شريعتنا هو خروجها من بيتها، وليس القرار فيه، وها نحن نرى الألوف منهن يتخرجن من الجامعات والمعاهد، ولا يتعين منهن إلا القليل؛ لانتفاء حاجة الكثير من الدوائر إلى اختصاصاتهن، اللهم إلا بعض الاختصاصات التي لا يستغنى فيها عن المرأة، ولكن ضمن ضوابط شرعية أهمها: عدم الاختلاط إلا في حالات الضرورة القصوى.
فلماذا يسلك الآباء هذا الطريق الشائك الذي فيه مخالفة أمر الله ورسوله، وفيه إنفاق المبالغ الطائلة، وتأخير الكثير من بناتهم عن الزواج، فرويدكم سوقا بالقوارير، رويدكم سوقا بالقوارير ؛ تطبيقا لوصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
أيها الآباء:أن الغرض الأول من تعليم البنات في المجتمع الإسلامي هو: تربية نفوسهن، وتهذيب أخلاقهن، وجعلهن صالحات لتربية أولادهن صغارًا، وتدبير أمور منازلهن بما يضمن السعادة والراحة داخل العوائل؛ ليتعلمن أن القصد في النفقات فضيلة، وأن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وينشرن روح المحبة والحنان بين أفراد العائلة، ويتربين على حسن المعاملة، واصطناع المعروف مع ذوي القربى والجيران، ويتعلمن أن النظافة من الإيمان، وأن أشرف فضيلة للمرأة طهرها وحصانتها، ورعاية حقوق زوجها كما ترعى حقوق الله عز وجل .
ليس المقصود من ذلك ملازمة نسائكم البيوت فلا يبرحنها إطلاقا ، وإنما المقصود بها: أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن، ولا يخرجن إلا لحاجة مشروعة، كزيارة الوالدين والأقارب، وأداء فريضة الحج، وقضاء مصالحهن التي لا تقضى إلا بهن .
يقول صاحب الظلال رحمه الله: إن خروج المرأة لتعمل كارثة على البيت قد تبيحها الضرورة، أما أن يتطوع بها الناس وهم قادرون على اجتنابها ، فتلك هي اللعنة التي تصيب الأرواح والضمائر والعقول، في عصور الانتكاس والشرور والضلال، وأما خروج المرأة لغير العمل كخروجها للاختلاط ومزاولة الملاهي، والتسكع في النوادي والمجتمعات . . فذلك هو الارتكاس في الحمأة الذي يرد البشر إلى مراتع الحيوان! ولقد كان النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجن للصلاة غير ممنوعات شرعاً من هذا، ولكنه كان زمان فيه عفة، وفيه تقوى، وكانت المرأة تخرج إلى الصلاة متلفعة لا يعرفها أحد، ولا يبرز من مفاتنها شيء، ومع هذا فقد كرهت عائشة – رضي الله عنها- لهن أن يخرجن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي الصحيحين أنها قالت: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد، كما منعت نساء بني إسرائيل! فماذا أحدث النساء في حياة عائشة رضي الله عنها ؟ وماذا كان يمكن أن يحدثن حتى ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مانعهن من الصلاة؟! ماذا بالقياس إلى ما نراه في هذه الأيام؟! .
أيها الآباء: لقد بلغ من تشديد بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء، ومنعهن من الاختلاط بالرجال إلى إخراجهن من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، وأمرهن بالصلاة في بيوتهن، فعن أبي عمرو الشيباني أنه رأى عبد الله بن مسعود يخرج النساء من المسجد يوم الجمعة ويقول : اخرجن إلى بيوتكن خير لكن ، فماذا تراك فاعلا يا ابن مسعود مع نساء المسلمين اليوم، وقد خرجن متبرجات يخالطن الرجال في الأسواق والجامعات، وكأن إحداهن تزف إلى عرسها من شدة تبرجها، وإظهار مفاتنها، ويا ترى هل ما يذهبن إليه أكثر أمنا وأجرا من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي تعدل فيه الصلاة ألف صلاة ؟.
إنها تذكرة أضعها بين أيدي الغافلين من أولياء الأمور .
أيها الآباء : إن الله يأمر نساء المسلمين – من خلال وصية نساء نبيه صلى الله عليه وسلم – بالقرار في البيوت بقوله تعالى(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ))، والمعنى كما يقول المفسرون:
الْزَمْنَ يا نساء النبي صلى الله عليه وسلم بيوتكن، ولا تخرجن منها إلا لحاجة مشروعة، ومثلهن في ذلك جميع النساء المسلمات، لأن الخطاب لهن في مثل هذه الأمور، هو خطاب لغيرهن
من النساء المؤمنات من باب أولى، وإنما خاطب- سبحانه-أمهات المؤمنين على سبيل التشريف، واقتداء غيرهن بهن) . قال الجصاص عقب هذه الآية: وفيه الدلالة على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت، منهيات عن الخروج .
أيها الآباء: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لامرأة أبي حميد الساعدي حين قالت له: إني أحب الصلاة معك، فقال(قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي)) قال الراوي:فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل. قال الحافظ المنذري: وبوب عليه ابن خزيمة: باب اختيار صلاة المرأة في حجرتها على صلاتها في دارها، وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كانت كل صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام، أراد به صلاة الرجل دون صلاة النساء ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (المرأة عورة وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان, و إنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها)) وقال أيضا(انما النساء عورة وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها من بأس فيستشرفها الشيطان فيقول إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه، وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال لها أين تريدين؟ فتقول أعود مريضا أو أشهد جناز ة أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها)) . وقوله: (فيستشرفها الشيطان) أي: ينتصب ويرفع رأسه إليها، ويهم بها؛ لأنها قد تعاطت شيئا من أسباب نشاطه عليها، وهو خروجها من بيتها؛ لذلك فمن خالفت نسائه أوامر الله ورسوله فقد خالف عهدا من عهود الله (وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً) فلاتكن يا أخي من الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ؛ لأن نقض عهد الله صفة للفاسقين .
أيها الآباء : قال تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) أي : بلاء واختبار يحملكم على كسب المحرم ومنع حق الله تعالى فلا تطيعوهم في معصية الله، وعن بعض السلف: العيال سوس الطاعات فلا تكونوا ممن سيأكل عياله حسناته يوم القيامة ؛ لأن الكثير من الآباء يتقدم صفوف المصلين، وابنته وزوجته تخالط الرجال، وهو يعلم حرمة ذلك ، وأن رصيده من الحسنات يقل كلما خرجت من هنَّ بمسؤوليته نتيجة هذا الذنب العظيم، وأخيرا أدعوك أيها الأب الكريم أن تقرأ معي الفتوى المرقمة (17929 ) وهي من فتاوى اللجنة الدائمة حين سئلت عن حكم تعليم الرجال للنساء بلا حجاب فأجابت:
أولا: الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك.
ثانيا: لا يجوز للرجل أن يعلم المرأة وهي ليست متحجبة، ولا يجوز أن يعلمها خاليا بها، ولو كانت بحجاب شرعي، والمرأة عند الرجل الأجنبي كلها عورة، أما ستر الرأس وإظهار الوجه فليس بحجاب كامل.
ثالثا: لا حرج في تعليم الرجل المرأة من وراء حجاب في مدارس خاصة بالنساء، لا اختلاط فيها بين الطلاب والطالبات، ولا المعلم والمتعلمات، وإن احتجن للتفاهم معه فيكون عبر شبكات الاتصال المغلقة، وهي معروفة ومتيسرة، أو عبر الهاتف، لكن يجب أن يحذر الطالبات من الخضوع بالقول بتحسين الكلام وتليينه .انتهت الفتوى
اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
أين نحن من السلق الصالح في العناية بالبنت و تربيتها
الملاحظ أن الكثير من الآباء قد تغافل عن تربية البنات و تعليمهن العلم الشرعي
جزاكي الله خيرا