(الموضة أو الزي الجديد)
لقد استحالت عاداتنا اللطيفة وازياؤنا المحتشمة التي ورثناها عن السلف الصالح إلى شيء بال غير مرغوب فيه ، واصبحت عنوان الرجعية والانحطاط باعين جمهور المتفرجين والمستهترين .
وارتفعت راية « الموضة » أو الزي الجديد ترفرف فوق ربوعنا ، ترعاها كثيرات من اللواتي اغمضن الجفن عما يتخلل هذه الموضة من الاضرار الفادحة بالصحة والمال .
أجل لقد اقدمت النساء بلا وعي إلى الانقياد لحكم الازياء الحديثة الجديد المستوردة التي تتغير بين آونة واخرى …
فنرى الملابس مثلاً … تارة تشبه أثواب الممثلين أهل المساخر والهزل ( البالية ) وطوراً ضيقة تضغط على الجسم فتعيق الدورة الدموية .
ومتى اختل نظام هذه الدورة الطبيعي أصبح الجسم معرضاً لكثير من الأمراض ، فكيف بنا ونحن نرى النساء قد شددن خواصرهن بحزام من المطاط فلا يستطعن أن يأكلن براحة أو لذة ، ولبسن أحذية ضيقة لا تساعدهن على المشي بإستقامة .
وتراهن مع هذه المضايقة وذاك الاسر يركضن لاهثات تشبها ببنات الافرنج بزعمهن انها الحضارة والمدنية ، ممسكات باذيال هذه الموديلات صاغرات لاحكامها الصارمة وكما قيل : ما حيلتي فيمن تفرنج وادعىان التفرنـج شيمة المتمـدن
لقد رأيت الكثيرات من السيدات اللواتي انعم الله عليهن بالمال والجاه ، يتسابقن إلى ميدان « الموضة » ويتبخترن بحللهن وحليهن تيهاً واعجاباً .
كل يوم ثوب جديد … وتسريحة جديدة … وتقليعة جديدة إلى غير ذلك من نواحي البذخ والإسراف .
وهذا التصرف بلا شك يجدد روح الغيرة في نفوس أكثر النساء المتوسطات الحال ، فيبذلن كل ما في وسعهن لتقليد جاراتهن أو منافستهن وقد تناسين ان هذا التقليد أو التنافس يضر بصالحهن المادي والأدبي فضلاً عما يلحقهن من الاضرار بالصحة وراحة البال .
ولن انسي ما قالته لي أحدى الصديقات وهي من ذوات الجاه والثراء ، ومن ذوات الفهم والأدب « كم اتمنى من صميم قلبي ان تبطل هذه الموضه اللعينة او تستأصل لأنها مضرة بالصحة والأخلاق » .
ثم اردفت تقول … بعد جدال طويل دار بيني وبينها :
ولكن ما العمل اختاه ؟ … وأنا أخاف ان اكون البادئة … لئلا ينسب إِليَّ البخل و التقتير المخلان بشرف وجاهتي وثروتي … أو يظن بي الفقر وعدم الاقتدار … الخ .
ومما لا ريب فيه اننا اذا سألنا اللواتي تربين في مهد الفضيلة وترعرعن في جو الآداب وتنورت عقولهن بالحكمة والمعرفة : أي الثوبين أكثر فائدة والطف منظراً … الثوب البسيط المنسوج من الصوف أو الكتان يجر بذيله العفة والوقار … وسمات الطهارة والقناعة ، ثم هو مريح وفضفاض يحفظ راحة المرأة وصحتها …
أم الثوب الجديد من الازياء الحديثة ( الموضة ) الحاكمة علينا بالخضوع لأحكام التقليد الأعمى واستبداده …
عند ذلك لا تسمع الا الجواب الواحد ( للضرورة احكام ) ولا نتمكن من الانفراد عن بنات جنسنا … وبيئتنا ، ونبقى اضحوكة المجتمع ، ثم يرددن متمثلات بقول الشاعر : وما عن رضيَّ كانت سليمى بديلةلليلـى ولكـن للضـرورة احكام
وانني اكتب هذه السطور وقلبي يذوب أسى ولوعة لمشاهدة ما وصلنا اليه من الامور التي لا تحمد عقباها ، ونحن لاهثون وراء التقليد الأعمى بلا وعي ولا أدراك ـ قلدتموا فكأنكم لم توجدوا ـ .
لنلقي نظرة في مجتمعنا نرى العجب ، فكم من امرأة متوسطة الحال ضعيفة التفكير والتدبير قد انفقت جميع ما لديها من اموال واثقلت عاتق زوجها بالديون ، لتجاري اترابها وجيرانها وحتى لتشتري الاثواب « الدارجة » والقبعات … والاحذية الجديدة ، الى غير ذلك من لوازم « الموضة » التي تعود على بلادنا بالخراب وعلى اخلاقنا بالانهيار ، وعلى من ابتكر هذه الأزياء بالرزق … والمال … والمنفعة والخيرات .
فمتى تستيقظ المرأة المسلمة يا ترى ؟ وتتحرر من هذه العادات والتقاليد المشينة المزرية وكما قيل : للشرق والغـرب عـادات مقدمةكانـت وما برحـت أولى بتأخيرلا تتبعـوها فكم من زهرة حسنتفي الناظرين وساءت في المناخير
هلَّم يا بنات جنسي العاقلات … يا من سطعت بكن شمس الحضارة والمدنية والرقي لنشر المبادىء الاسلامية الصحيحة ، والمشي على هدى الاسلام وتعاليمه القيمة ، ولنستأصل من نفوسنا آفة الاقتداء والتقليد لغيرنا ، وما أحسن قول الشاعر العراقي السيد احمد الصافي النجفي : يـا شرق مالك في الحياة تقلدان المقلـد تـابـع مستـعبـدان المقلد عـائش فـي غيرهقلدتموا فكـأنكم لـم توجـدواحتى لقبح الغرب قد قلدتمـواهـذي «خنافسكم» عليكم تشهدان رمتم قبحاً فهاتـوا قبحكمفعلامَ حتـى قبحكم مستـورد
ولقد احسن امير الشعراء شوقي حيث يقول : ارى طوفان هذا الغرب يطغىوأهـل الشـرق سادتهم نيامفـإن لـم يأتنـا نـوح بفلـكعلـى الاسلام والدنيـا سلام
المصدر : كتاب / المرأة في ظل الإسلام / مريم نور الدين فضل الله
يعطيك العافية
جزاك الله كل خير
على المرور