الناس والمزاح :
اعتاد الناس في قديم الدهر وحديثه أن يخلطوا حياتهم بشيء من الدعابة، تضفي على حياتهم شيئاً من اللطف والأنس، وهذا جارٍ مع الأصحاب والأقران، ومع الأهل والأولاد وغيرهم ، لا يكاد يخلو من ذلك أحد، لكنهم فيه بين مقلّ ومستكثر .
أهمية معرفة آداب المزاح الشرعية :
المسلم بوصفه عبداً لله تعالى لا بد أن يضبط حياته بمنهج الله في كل شيء من شؤونه، حتى يحقق في نفسه العبودية التامة لله تعالى .
ولأجل كثرة المزاح في الناس اليوم فلا بد من معرفة أنواعه وضوابطه الشرعية، ليلتزم بها، ولا يحيد عنها، وليحصّل بسبب ذلك الثواب، ويدفع عن نفسه العقاب .
أقسام المزاح :
1- مزاح محمود : وهو ما له غرض صحيح، مقرون بنية صالحة، منضبط بالقواعد الشرعية. ومن أمثلة ذلك : ممازحة الرجل والديه بأدب، أو أهله وولده، أو ممازحة القرين بنية إدخال السرور على قلبه، فهذا يثاب عليه المرء. ومن أدلته مشروعية هذا المزاح نصوص منها :
أ) حديث حنظلة الأسيدي رضي الله عنه وفيه أنه قال : نافق حنظلة يا رسول الله فقال : { وما ذاك} قلت : يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عاسفنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً، فقال صلى الله عليه وسلم {والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة} ثلاث مرات .
ب) وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لما تزوج وسأله النبي صلى الله عليه وسلم : { يا جابر، تزوجت}، قال : قلت : نعم . قال : {فبكر أم ثيب} قال: قلت : بل ثيب ، يا رسول الله، قال : { فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك} أو قال: {تضاحكها وتضاحكك} .
ت) وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، قالت : فسابقته فسبقته على رجليّ، فما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال : { هذه بتلك السبقة} .
2- مزاح مذموم : وهو له غرض فاسد ونية سئية، أو كان غير ملتزم بالضوابط الشرعية، ومن أمثلة ذلك : أن يشتمل على الكذب ، أو الإضرار بالآخرين، ونحو ذلك .
3- مزاح مباح : وهو ما ليس له غرض صحيح ولا نية صالحة، ولكنه لا يخرج عن حدود الشرع، ولم يُكثر منه صاحبه حتى يكون سمتاً له ، وهو الذي يطلق عليه بعض الناس (المزاح البريء) إن صدقت عليه العبارة. فهو ليس بمحمود ولا مذموم ، فلا ثواب عليه لعدم الغرض الصحيح والنية الصالحة التي هي متعلّق الثواب، ولا عقاب عليه لعدم المخالفة الشرعية .
ضوابط وآداب المزاح :
أولاً : الأمور التي ينبغي العناية بها في المزاح :
1- النية الصالحة : والمراد أن يستحضر المرء عند مزاحه نية فعل خير يحبه الله تعالى، وذلك كأن ينوي إدخال السرور على نفسه وأخيه أو زوجه وولده ووالده، أو ينوي بذلك تقريب شخص إلى فعل خير بتلك الدعابة، أو إجمام النفس لتتقوى على عمل صالح أو أيّ نية أخرى صالحة، ويدل على هذا الأصل العظيم قول النبي صلى الله عليه وسلم : {إنما الأعمال بالنيات}.
2- التزام الصدق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالوا : يا رسول الله إنك تداعبنا؟ قال : {إني لا أقول إلا حقاً} .
3- الاحترام والتقدير للآخرين، وإنزال الناس منازلهم، ومعرفة نفسية المقابل، فليس كل الناس يتقبل المزاح، وقد قيل : لا تمازح صغيراً فيجتريء عليك، ولا كبيراً فيحقد عليك . وعن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: { ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا} .
ثانياً : الأمور التي ينبغي اجتنابها في المزاح :
1- الكذب : فالكذب محرم في الجد والهزل، مذموم في الشريعة، وقد ورد التهديد الخاص بالكذب لمن كذب لإضحاك الآخرين، وما ذلك إلا لخطورته وسهولة انجراف النفس فيه مع تشجيع الأصحاب، ومحبة الظهور والتصدر، عن بهز عن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : {ويلٌ للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم ويل له ويل له } . ولم يقتصر الشرع على النهي عن هذا الخلق الذميم في هذا الموضع بالذات، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حاثاً على ترك الكذب في المزاح : { أنا زعيم .. ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً } .
2- الإكثار منه، والإفراط فيه، حتى يغلب على المجالس ويهجر فيها الجد والحق، ويكون سمتاً لشخص يعرف به، أو لمجموعة لا تجتمع إلا عليه . فمثل هذا مذموم لأنه مضيعة للوقت، مذهبة للهيبة، مضيعة للشخصية، ولا بد أنه موقع في الكذب والاستهتار، مُجريء للصغير على الكبير ومذهب للجد الذي ينبغي أن يتميز به المسلم في حياته.
3- المزاح مع النساء الأجانب، فإن ذلك سبب للفتنة ووقوع في الفاحشة، وميل القلوب إلى الحرام .
4- الأذي والإضرار بالآخرين والإساءة إليهم، أو أخذ حقوقهم وترويعهم، أو الضرب الذي يتجاوز به الحد، أو الهزل بما فيه ضرر كسلاح وحجارة وغيرها.
فإن مثل هذا يورث الأحقاد والضغائن، وقد يؤدي إلى النزاع والخصام، وينقلب به الهزل إلى جد والود إلى حقد، والمحبة إلى كراهية، قال تعالى : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسنُ، إن الشيطان ينزغ بينهم..} ، ومعنى ينزغ : يفسد ويغري بينهم. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى : يأمر الله عباده المؤمنين أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن والكلمة الطيبة فإنهم إن لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة .
وعن عبد الله بن السائب عن أبيه، عن جده أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً ، من أخذ عصا أخيه فليردها} ، فما بالك بمن يأخذ ماله أو سيارته؟
5- المزاح بالأمور الشرعية : وذلك لأن المزاح يعتبر سخرية واستهزاءً وذلك كفر مخرج من الإسلام – والعياذ بالله – قال تعالى { ولئن سألتهم ليقولنّ إنما كنّا نخوض ونلعب، قل أبالله وأياته ورسوله كنتم تستهزءون* قد كفرتم بعد إيمانكم…} .
صور من مزاح النبي صلى الله عليه وسلم :
1- عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : { يا ذا الأذنين} قال أسامه – أحد رواة الخبر – يعني : يمازحه .
2- عن أنس رضي الله عنه أن رجلاص استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : {إني حاملك على ولد الناقة} فقال : يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟! فقال صلى الله عليه وسلم {وهل تلد الإبل إلا النوق} .
الله كما حسنت خلقي فحسن خلقي