فالدّين الذي سطّر منهج الحياة وأملى عليه قوانين السعادة، لتتحول بها من عبادة النفس والغير إلا عبادة ربّ النّفس والغير، و كمال العبودية مقصودة لذاتها هي عين الحرية مطلوبة فطرة وشرعا وعقلا .
فالعبودية التي هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، تدور على أصلين عظيمين؛ كمــــــــــال الحبّ مع كمــــــــــال الذّل وجمـــــــــــاعها أمرين؛ الرّجـــــــــــــاء والخـــــــــــــوف.
ومن عجيب ما يذكر في هذا المقام أن تجمع بين الحب مع الخوف وهذا لا يكون إلا لله وحده .
وإذا تعلّق الحال بالمخلوقين فإمّا تحبّ أو تخشى، لكن النفس مع باريها حكاية حالها أمر يستدعي أن تسبّح لله على بديع خلقه ظاهرا وباطنا، فإذا تمّ ذلك فقد كملت العبودية .
وهذا عزيز على الخلق، لأنّ هذا المدار يستلزم العمل بمقتضاه، كالشكوى لله وحده والأنس به و القصد إليه، ولأمره ونهيه تدعو وتصبر، ولكلمته تجاهد وترابط وتتصدّق.
قال ابن القيم في نونيته:
وعبادة الرحمن غاية حبه *** مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر *** ما دار حتى قامت القطبان