لي الدكتور غالب محمد رشيد الأسدي
من كتاب
العوامل المؤثرة في النمو العقلي للأطفال في سن 2-6 سنوات
يطلق بعض التربويين على المرحلة العمرية التي تقابل من سن 2 إلى 6 سنوات بمرحلة السؤال لكثرة ما يوجه الأطفال من أسئلة مختلفة بهذا العمر للآباء، وعادة ما تبدأ أسئلتهم بـ(ماذا؟ لماذا؟ متى؟ كيف؟ أين؟).. لأنهم يحاولون أن يزيدوا من معلوماتهم التي تختزنها مخازن الذاكرة بشكلها البسيط من اقرب الناس ثقة وصلة بهم. وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن حوالي 10% من كلام الأطفال في هذه المرحلة عبارة عن أسئلة عامة، إذ أن سلوكهم يتميز بالاستطلاع والاستكشاف.
كما يلاحظ في المرحلة العمرية لاسيما في أواخرها معرفة بالأشكال الهندسية الرئيسية مثل الدائرة والمربع والمستطيل والمثلث. وبالتدريج يقوم الطفل بتطوير لغته من خلال الخبرات التي يكتسبها من الذين حوله لاسيما بالأشياء التي تتعلق بواقعه المادي مثل أسماء المأكولات والمشروبات والملبوسات (يعطيها الطفل تسميات خاصة به في بداية هذه المرحلة). ويلاحظ أيضا في أول هذه المرحلة عدم قدرة الطفل على التركيز والانتباه ثم تزداد هذه القدرة تدريجيا بمرور الزمن، أما الذاكرة فتكون في بداية الأمر ذاكرة مباشرة، أي أن الطفل يتذكر المعلومات بعد تلقيها بمدة قصيرة جدا لا تتجاوز بضعة دقائق، ويكون تذكر العبارات القصيرة والمفهومة أيسر من تذكر العبارات الغامضة، كما تزداد سرعة تذكر الطفل للأرقام بمرور الزمن أيضا لاسيما الأرقام المرتبطة بمواقف مادية من واقع حياة الطفل، ويكون التخيل عن طريق اللعب الإيهامي أو الخيالي وأحلام اليقظة، إذ يطغى الخيال على الحقيقة في هذه المرحلة العمرية، ويقوم الطفل بتوظيف الخيال للقيام بادوار الكبار مثل دور المعلم أو الطبيب أو الأب أو ألام وهكذا.
إن النمو الجسدي وأسلوب التربية والتنشئة الاجتماعية والتغيرات البيئية المختلفة والدافعية الاجتماعية وحجم الفرص المتاحة أمام الطفل تؤثر في نموه المعرفي والعقلي، وقد أشار إلى هذه النتائج كل من عالم النفس فيرنون سنة 1967م وبروفي سنة 1970م وجملة من الدراسات التي بحثت في نفس الموضوع في السنين التالية. كما وجد أن غياب الأب أو ألام بشكل أو آخر من الأسباب التي قد تؤثر بشكل أو آخر وبمستويات مختلفة بين الأطفال على نموهم العقلي.
لذا استنادا على ذلك اقترح العالم النفسي المعرفي المشهور برونر نموذجا للنمو العقلي عند الطفل يمر بثلاثة مراحل متتالية في هذه المرحلة العمرية هي:
1- التمثيل العملي: وفيها يفهم الأطفال الأشياء عن طريق اللعب، فمثلا يتعرفون على معنى المفاهيم أو المهن أو الكلمات من خلال قيامهم باللعب، فالكرسي للجلوس والعشاء في الليل والطبيب هو الذي يعطي العلاج للناس وهكذا.
2- التمثيل الصوري: وفيها يتعلم الأطفال الأكبر سنا من الأطفال في المرحلة السابقة عن طريق مستوى تعليمي آخر ألا وهو الصور، فالطفل مثلا يستطيع أن يتعرف على الملعقة أو القلم أو الكرسي أو السيارة ثم يقوم برسمها دون الحاجة إلى تمثيل ادوار تتعلق بها مثل تناول الطعام أو قيادة السيارة.
3- التمثيل الرمزي: في هذه المرحلة يستطيع الأطفال أن يترجموا الخبرات التي مرت عليهم إلى لغة ويمكن لهم استخدام الكلمات المناسبة للتعبير عن هذه الخبرات، وهي بداية مرحلة التفكير المنطقي والاستنباطي عند الطفل. ويرى برونر أن التمثيل الرمزي يمكن الفرد من تشكيل خبراته المختلفة عن طريق البيئة التي ينتمي إليها، أي انه يرى أنها بداية لاكتساب عادات وتقاليد ومعايير المجتمع الذي ينتمي إليه الطفل.
إن هذه المراحل التي اقترحها برونر تشير بشكل واضح إلى الكيفية التي يمكن للتربويين أن يتخذوها منهجا في التعامل مع عملية تعليم الأطفال للمفاهيم المختلفة، أو إكسابهم معلومات ومعرفة مختلفة عن المفاهيم الحياتية، كما تشير الإمكانية العقلية التي يبديها الأطفال في هذه المرحلة العمرية إلى أن الجانب السلوكي والإجرائي مهم في ضمان انتقال التعلم بشكل صحيح وبأيسر الطرق مما يتطلب من التربويين أيضا اتباع طرائق تربوية وتعليمية تؤكد على الجوانب الإجرائية والعملية بما يناسب عمر الطفل في هذه المرحلة. فالهدف العام من التربية هو إكساب الأطفال مفاهيم تربوية وتعليمية بما يضمن انتقالها بشكل صحيح لهم وبأفضل الطرق التي يمكن أن تساعد على خزن هذه المعلومات المختلفة في الذاكرة وبالتالي استرجاعها بشكل مناسب وصحيح عند الحاجة لها في حياتهم العملية وبأقل مقدار ممكن من نسيان تلك المعلومات، فلابد إذن من توظيف جميع الإمكانيات التي تصب في خدمة تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي ومنها إقحام النظريات والنماذج والمشاريع التربوية في مناهج الأطفال وطرائق تدريسهم لتحقيق تلك الغاية السامية.