تذهب كتابات جادة إلى التأكيد على أن الإنسان هو الحيوان الذي يعدو دائماً وراء ذاته ، أو هو الموجود الذي لا يتطابق ، أبداً ، مع نفسه ؛ فهو الحيوان الوحيد الذي خلقه الله ، تعالى ، وبه " مهماز " يدفعه دائماً إلى أن يتجاوز ، بعقله ، الواقع المباشر الذي يصادفه ويلاقيه لأول وهلة / مرة ، وإلى أن يعيش ، بوجدانه ، التاريخ فيهرب من " الحاضر " ليعيش الماضي تارة ، ويتطلع إلى المستقبل تارة أخرى ، ما يجعله ، دائماً ، متذبذباً بين أمام وخلف ، بين ماضٍ ومستقبل ، ولا يعد هذا نقصاً ، بل هو " قيمة " إذ يعتز الإنسان أن له " ما وراء " يسعى للتعرف إليه وفهمه " .
إن عالم الأشياء المحيط بنا في حياتنا اليومية يصح أن نسميه " عالم الـ " هاذية " !!! أو عالم الـ " هذا " " !!!!! ، وهو عالم محدود بطبيعته ، قصير النفَس ، حيث يكتفي الإنسان فيه بمعرفة " هذا " الشيء لا " ماذا " الشيء !!! . والفارق جد كبير بين " هذا " و " ماذا " : إن الواحد منا حال أراد الكلام عن " مائدة " قائمة أمامه يكتفي بالقول " هذه مائدة " ، لكنه إذا أراد لنفسه معرفةً أشمل ، وعالَماً أرحب ، فإنه يستبدل بـ " هذا " " ماذا " فيدخل إلى عالم عقلاني رحب من الأسئلة والأجوبة تمنحه سعة أفق ومعرفة تليق بمقامه كـ " إنسان " ؛ فهو ، حال طرح أسئلة من هذا القبيل ، يبدأ في التعرّف ، والتعريف ، كاشفاً ، أو مكتشفاً ، عالَماً من العلاقات بين شيء وأشياء ، وبين شخص وأشخاص .
وقبل أن نعرف وجهة نظر العلم في " الماوراء " المختفي خلف " الظاهر " ، نسوق عدة أسئلة … منها : هل العلم حسّي ، من حيث إنه يعتمد على " المشاهدات " ؟ . أم هو عقلي ، من حيث إنه يرى في العقل القدرةَ على اكتشاف العلاقات القائمة بين الظواهر ليستخلص القانون العام المنظم لهذه الظاهرة أو تلك ؟.
لابد من توضيح الفارق بين " الحسي " و " التجريبي " والمعملي " !!! فالعلم ليس حسياً بقدر ما هو تجريبي أو معملي ، فالعلماء لا يأخذون ، كثيراً ، بتلك الملاحظات الساذَجة التي يمر بها كثيرٌ من الناس في حياتهم اليومية ، بل جل اعتمادِهم على " التجارِب " التي يقومون بها في معاملهم ، مع ضرورة الاعتراف بأهمية بعض الملاحظات البسيطة التي أنتجت نظرياتٍ علمية ( ملاحظة نيوتن لسقوط التفاحة ) ما أنتج فكرة ( الجاذبية ) !!! ، لكن في الوقت نفسه نرى عدم الإسراف في هذا الاحتفاء ؛ فقد أثبت آينشتين أن الجاذبية ليست قوةَ جذبٍ مجهولةً ، بل هي خاصية من خواص الفضاء المقوّس الذي ترسم حركة أي جسم فيه تقوس الفضاء نفسه !!! ، ولم يتيسر للعلماء اكتشاف هذه الحقيقة إلا بعد التجارب العديدة التي أجْرَوْها بشأن سرعة الضوء.
العلم ، من ثم ، تجريبي وليس حسياً ، بدليل عدم ارتباط الكتلة بالمشاهدة الحسية للأجسام مع ما تشير إليه من عِظَم ، بل بالوزن ( يمكن ، هنا ، مقارنة كرة الماء بكرة التنس ) !!! ، ودليلٌ آخر … السرعة المتزايدة في فترة زمنية محدودة ، ودليلٌ آخر … الطاقة التي تُقاس بالتعرف على سرعة الضوء ، كما أبانت نظرية النسبية .
العلم ، برأينا ، تجريبي ، وليس حسياً . لنقول إنه عقلي ، من حيث إن العلماء لا يكتفون بتسجيل نتائج تجاربهم المعملية ، بل هم يربطون ما بين هذه النتائج ثم ينظمونها ويصوغون العلاقات القائمة بينها في صيغ رياضية ( = رمزية ) !!! ما يعني أنهم يضعون أنفسهم أمام شبكة من المعادلات ، والرموز الرياضية ، لا علاقة لها بالوقائع الغُفل التي يراها رجل الشارع في ملاحظاته اليومية ، وهذا ، كله ، يعني أن معرفة " الخفي / الماوراء " هو هدف العلم بشكل ما … حتى قالوا " لا علمَ إلا بما هو خفي " .
لدرجة إنى واجهت موت عقلى عدة مرات
وكاد يبتلعني القاع مراراً
فقط ما اعرفه اليوم
الحواجز في حياتي صلبة وحرجة ومواجهتها متعبة
وسببها عقلى الغريب ..
لو فيه ماكينة كشف الافكار ترى عقولنا تسبح
بين الايمان والكفر
اسئل الله ان اسلم نفسي لله وحده لا لاتبع اهواء عقولنا
شكراً أستاذى موضوع راقي جدا
أتعبنى هاها والله اتعبنى
~
لطآلما كانت لدي مشكلة مع الفلسفة ^^
فعلا هذه ه طبيعة الانسان وهذا ما ميزنا الله به عن سائر مخلوقاته
العقل وحب الاستكشاف والاطلاع على ما هو غامض وكشف المستور
وهذا يختلف باختلاف البشر ومنازلهم ومكانتهم في المجتمع ورصيدهم المعرفي والثقافي
شريطة ان لا يتجاوزوا الخطوط الحمراء التي نهى عنها الشرع
بارك الله فيك على مجهودك وجعله في ميزان حسناتك
تحياتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إنه لما كان الإنسان هو الذي حفي به الكمال ، كان هو أشرف الموجودات التي ها هنا ، إذ كان هو الرباط والنظام الذي بين الموجودات المحسوسة الناقصة … أي التي تشوب فعلها أبداً القوة ، وبين الموجودات الشريفة التي لا تشوب فعلها قوة أصلاً … وهي العقول المفارقة . ووجب أن يكون كل ما في هذا العالم إنما هو من أجل الإنسان وخادم له ، إذ كان الكمال الأول الذي كان بالقوة في الهيولى الأولى إنما ظهر فيه ، فما أظلم أن يحول بين الإنسان وبين العلم الذي هو طريقٌ إلى حصول هذه الكمالات .