تخطى إلى المحتوى

الطلاق بين العيب والضرورة 2024.

كثيرة هي الصعاب والعثرات التي يواجهها البعض وتشكل منعطفاً أساسياً في حياتهم .. ومن أكثر تلك المشاكل حساسية "مشكلة الطلاق" .. مشكلة يزداد انتشارها ويكثر الحديث عن أسبابها ودوافعها

القعدة

فالطلاق يشكل للبعض بداية العذاب .. ويشكل للبعض الآخر نهاية هذا العذاب .. ولكنه أحياناً مهم عندما تستحيل العشرة أو تتنافر الطباع أو ينعدم التوافق النفسي ويتهدم الشعور العاطفي

ولو عرفنا ما هي الأسباب الرئيسية لحوادث الطلاق .. أمكننا أن نتجنب وقوعه ما أمكن .. وسأحاول أن أستعرضها دون استفاضة:

اختلاف المستوى التعليمي والثقافي: حيث نقاط الالتقاء الفكري مغيبة والاهتمامات متباعدة إلى حد كبير .. الأمر الذي قد يجعل من تفاهم الزوجين أمراً صعباً قابلاً للتفاقم ليصبح أزمة حقيقية.

إرغام الشاب أو الفتاة على الزواج: قد يكون الأمر نادر الوقوع بالنسبة للشاب لكنه موجود بكثرة لدى الفتيات .. حيث بعض الأسر التي تمنع على الفتاة حق الاختيار .. الأمر الذي قد يجعل من الشريك شبحاً وكابوساً مزعجاً لم يختره شريكه .. وبذا قد يستمر في رفضه الضمني له.

تدخلات الأهل في الحياة الزوجية: كثيراً ما يحدث أن يشكو أحد الزوجين أو كلاهما من بعض منغصات عيشه مع الشريك .. فتكون الآراء السلبية من الأهل التي تزيد من ثورة الشاكي وإثارة حنقه على شريكه .. وكذلك الحال في حالة بعض الأبناء والبنات الذي يسلمون دفة قيادة حياتهم لأهاليهم حتى بعد الزواج.

الإهمال للواجبات الزوجية: وهذا غالباً ما يحدث لدى الأسر التي لا يجمعها رابط الحب والاحترام والتقدير للآخر .. فيقرر أحد الشريكين أو كلاهما الاهتمام بما له دون أدنى اكتراث بما عليه .. فيكون الإهمال للشريك و/أو الأبناء عامل هدم حقيقي لكيان الأسرة .. وربما يكون من أهم تلك الحقوق والواجبات أمر قد يغيب عن بال أكثرنا .. إنه إضفاء روح الحب الذي يحتاجه الشريكان من بعضهما "كلاماً وليس عملاً فقط" من وقت لآخر.

– عدم تحمل المسؤولية: ونجد هذه الصفة أكثر الأحيان لدى الأشخاص العابثين الذي اعتادوا الدلال في أسرتهم الأولى حيث كانت طلباتهم مجابة دون عناء .. قطعاً التعميم خاطئ هنا ولكنه السبب الأساس لجعل الفرد غير مدرك لمسؤولية الزواج الملقاة على عاتقه.

عمل الزوجة واستقلالها مادياً: الأمر الذي يفتح باباً لجدالات ومناقشات حول الأمور المادية قد تتطور لتشكل عامل استقلال ذاتي مادي أولاً قد يأخذ بالتدريج إلى استقلال كلي .. المشكلة هنا لا تكمن في عمل الزوجة وحصولها على دخل مستقل .. بل في كيفية تفاهم الزوجين حول هذا الأمر.

– الإهانة والإيذاء: كبعض الأشخاص الذين عاشوا ظلماً وذلاً في طفولتهم فنشأت لديهم العقدة التي تجعل من صاحبها راغباً بإهانة من حوله حتى المقربين منهم سواء بإيذاء نفسي أو جسدي .. وإلى جانب أولئك نجد الأشخاص شديدي الانفعال والثورة وعدم القدرة على ضبط النفس عند الغضب.

الغيرة الزائدة والشك: وهذا ما يحيل حياة الشريكين معاً إلى جحيم أسود .. فالغيرة بدافع الحب تختلف عن تلك التي تنشأ عن عدم الثقة حيث يعذب الشخص نفسه أولاً بآلام غيرته الزائدة ثم ينتقل إلى تفريغ شحنات غضبه إثر غيرته على شريكه الآخر الذي قد يحتمل الوضع ويتقبله بضع مرات لكنه لا يلبث أن يشعر بقيود تكاد تخنقه وتقيد حياته .. ويكون الأمر أكثر صعوبة عندما يتسلل الشك نتيجة الغيرة إلى داخل أحد الشريكين.

– إدمان الخمر وتعاطي المخدرات: وبغض النظر عن شرعيتها وآثارها الصحية المدمرة واستحساننا لها من عدمه .. إلا أنها ذات تأثير سلبي لما لها من مفعول قد يغيّب العقل وحسن التقدير والتصرف.

– العجز الجنسي: ومنه العجز المفاجئ نتيجة مرض ما أو حادث معين قد يحدث بعد الزواج .. الأمر الذي يجعل من فراش الزوجية بارداً .. إلى جانب الأثر الذي يتركه هذا الأمر في نفس الشريك العاجز ذاته من شعور بالضعف .. مما قد يدفع بأحد الزوجين أو كليهما إلى اختلاق مشاكل بعيدة كل البعد عن هذا السبب لما له من حساسية لكنه الدافع الرئيسي لمشاكلهم تلك.

عدم القدرة على الإنجاب: حيث يشعر الرجل الطبيعي تجاه زوجته العاقر "التي لا ذنب لها" بالغبن لأنها حرمته من خلف يحمل اسمه ويكون له معيناً ويحقق له وجوده ورجولته أمام الآخرين .. وفي الاتجاه الآخر حيث تشعر المرأة الطبيعية تجاه زوجها العقيم أنه حرمها من أجمل شعور ترجوه كل أنثى .. ومن رسالة تعيش صباها على حلم تحقيقها .. إنها الأمومة.

– علاقات الأزواج المشبوهة: وهذه تكون لدى الأزواج أكثر منها لدى الزوجات .. حيث يشعر الزوج أن حريته لا تكتمل إلا بوجود الأخرى في غرفته لتضيء لياليه الحمراء .. وهو في ذلك غير مكترث لوجود زوجته من عدمه .. فما تقدمه الزوجة له يمكن للأخريات أن يقمن به.

– تعدد الزوجات وغياب العدل: حيث قد توافق الزوجة أو لا على اقتران زوجها بأخرى .. إلا أن الزوج بات مشتتاً بين أسرتين .. موزع الاهتمامات .. فاقداً القدرة على التركيز .. عاجزاً عن تحقيق العدل بين الزوجتين سواء عاطفياً أو مادياً .. إلى جانب العامل المهم وهو الأثر النفسي الذي يخلفه هذا الفعل في حياة الزوجة.

ولابد هناك العديد والعديد من الأسباب الأخرى .. لكن إن أمكن تجنب بعض ما ذكرته أعلاه .. فمن المؤكد أن مؤشر نسبة الطلاق قد ينخفض بشكل كبير جداً .. ولربما تكون تلك الأسباب موجودة في بعض الأسر وأثرها السلبي لم يتضح بعد لكنه موجود لدى الطرف الذي يشكو من وطأته.

قد يخطر ببال أحدنا أن يسأل : لماذا تم الانتظار حتى استحالت الحياة بهذا الشكل بين الطرفين .. وهنا يكون الجواب البسيط .. إنها الموروثات الأخلاقية و الاجتماعية التي بات شأنها شأن الموروثات الأخرى .. فمن المتعارف عليه استهجان المرأة نفسها أو من يحيط بها لكلمة "مطلقة" فهذا في عرف المجتمع "عيب" .. وهو ما يسبب ازدياد وتفاقم التباعد بين الزوجين تحت قيد "العيب" .. ولذلك كثيراً ما نسمع من أهالي ومعارف وأقارب الزوجات "عليكِ بالصبر .. فهذا نصيبك .. وعليكِ أن ترضي به كما هو .. هذا ما قسمه الله لكِ"

لكن لا يخطر هنا ببال هؤلاء خطورة الاستمرار في حياة كهذه بوجود كل هذا التباين بين الزوجين خاصة في حال وجود أولاد بينهما .. فما ذنب أطفالٍ انتموا لعائلة لا يجمع بين أفرادها سوى دفتر العائلة .. دفتر صفحاته تقول هذا الأب .. وتلك الأم .. وأولئك هم الأبناء .. لكن دون أي أساس للعلاقة الزوجية الصحيحة "السكينة .. المودة .. الحب .. التفاهم .. الاحترام" .. لعل الاختلاف لا يشكل أمراً سيئاً .. لكنه بالغ السوء عندما يتفاقم ليطال كل شيء فيحيل الحياة إلى كابوس يرجو أصحابه التخلص منه.

عند هذا الحد .. لابد مما ليس منه بد .. إنه الطلاق .. الحل المر .. فالطلاق ليس حراماً ولا هو بعيب .. إنه الحل الأمثل لعلاقة كهذه .. وهو البداية الجديدة لكل من الزوجين .. وربما تكون بداية سعيدة تخلص أحدهما أو كليهما من ذكرى ما عانى .. ولو كان الطلاق حراماً لما حلله الله .. ولكن الغريب أن بعضنا يصر أن يدفن رأسه بالرمال ليقول "الطلاق عيب" .. وهنا .. كيف ستكون حال الأطفال في هذا الوضع المتفاقم من كره الأب أو الأم أحدهما للآخر؟؟ .. رويداً رويداً سيتحول هذا الإحساس لا شعورياً إلى انعكاس سلبي على حياة الأطفال .. هؤلاء الذين سيحملون نتيجته عقداً واضطراباتٍ نفسيةً في المستقبل.

لا يجب أن تبقى الأم مرغمة على حياة زوجية مع رجل لا يريدها في قلبه وحياته .. ولا أن يقبل الرجل بحياة كهذه مردداً "إنها ملكي ويجب أن تبقى كذلك" فكون العصمة في يد الرجل لا يبيح له استغلال خاصية منحه إياها الله لتكون معمرة لا مدمرة.

وهنا لابد أن أشير إلى أن إدراجي هذا حتماً ليس دعوة للطلاق .. بل لابد من اتباع كافة الدروب المؤدية إلى الإصلاح والتفاهم .. فالطلاق رغم إيجابياته له سلبياته أيضاً في تفتيت الأسرة التي هي اللبنة الأساس لبناء المجتمع .. ولذلك أرى أن أولى الخطوات الناجحة للحيلولة دون الوقوع في منحدر الحياة الزوجية البائسة والتي قد تؤدي بدورها إلى الطلاق تكمن في إفساح المجال أمام الشاب والشابة ليختار منهما شريك حياته بحريته "دون فهم خاطئ لهذه الحرية" .. وأن يتعرفا ببعضهما ويفهما سلوك وطبائع بعضهما البعض ما أمكن خلال فترة الخطوبة وبمكاشفة ومصارحة مع من يملك النظرة السديدة من ذويهما "دون إكراه من كبير .. أو استهتار من صغير" .. وأن يدرسا إمكانية نجاح زواجهما في المستقبل من عدمها بعيداً عن محاولة كل منهما إلى تجميل سلوكه وحقيقته "وهذا ما يحدث في أغلب فترات الخطوبة" .. فالزواج ليس نزهة نقوم بها وتنقضي بعد الاستمتاع بها .. بل حياة دائمة تتطلب الحب والتفاهم والانسجام في كل شيء .. إن انعدام تلك المقومات لن ينفع بعد عدة أشهر أو سنوات .. ولن يفيد عندها الندم على الإقدام على الخطوة من أساسها.

القعدة
القعدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.