الطاقة النووية تسمى أيضًا الطاقة الذرية. هي أشد أنواع الطاقة المعروفة فاعلية. فهي تولّد ضوء الشمس الشديد وحرارتها الهائلة. وقد وجد العلماء والمهندسون استعمالات كثيرة لهذه الطاقة ولاسيما في إنتاج الكهرباء، ولكنهم لم يستطيعوا حتى الآن الاستفادة من كامل قدرتها. ويمكن أن تزود الطاقة النووية العالم كله بالكهرباء لملايين السنين لو أمكن تطويرها تطويرًا كاملاً.
لم يعرف العلماء شيئًا عن الطاقة النووية حتى أوائل القرن العشرين، حين قاموا باكتشافات مهمة في المادة والطاقة. وكانوا يعرفون من قبل أن كل المواد تتكوّن من ذرات، لكنهم عَلِموا بعد ذلك أن معظم كتلة الذرة تعود إلى نواتها، وأن هذه النواة متماسكة بقوة هائلة جدًا، يحتشد فيها مقدار ضخم من الطاقة بفضل هذه القوة. وكانت الخطوة التالية جَعْل النواة تُطْلقُ تلك الطاقة.
استطاع العلماء إطلاق الطاقة النووية على نطاق واسع لأول مرة في جامعة شيكاغو عام 1942م بعد ثلاث سنوات من بداية الحرب العالمية الثانية. وأدى إنجازهم هذا إلى تطوير القنبلة الذرية التي فُجِّرت للمرة الأولى في الصحراء قرب ألاموجوردو بولاية نيومكسيكو بالولايات المتحدة في 16 يوليو 1945م. وقد أسقطت طائرات الولايات المتحدة في أغسطس من العام نفسه قنبلتين نوويتين على كل من هيروشيما وناجازاكي، وهما مدينتان يابانيتان. وقد دمرت القنبلتان كلتا المدينتين تدميرًا كبيرًا. وفي عام 1949م أصبح الاتحاد السوفييتي (سابقًا) الدولة الثانية التي فجرت القنبلة الذرية. أما اليوم فهناك ستّ دول على الأقل تملك قنابل نووية.
بدأ تطوير الاستعمالات السلمية للطاقة النووية منذ عام 1945م؛ فالطاقة التي تطلقها النواة تولّد كميات كبيرة من الحرارة. ويمكن استخدام هذه الحرارة لتوليد البخار الذي يمكن استعماله لإنتاج الكهرباء. وقد اخترع المهندسون أجهزة تسمى المفاعلات النووية وذلك من أجل إنتاج الطاقة النووية والتحكم فيها.
ويعمل المفاعل النووي مثل الفرن إلى حدٍ ما، ولكن بدلاً من استعمال الفحم الحجري أو النِّفط وقودًا تستخدم المفاعلات في الغالب، اليورانيوم. وبدلاً من الاحتراق في المفاعل يحدث لليورانيوم انشطار، أي تنفلق نواته إلى قسمين مُطْلِقَة طاقةً معظمها طاقة حرارية. ويطلق 0,45كجم من اليورانيوم من الطاقة ما ينتج من احتراق ألف طن متري من الفحم الحجري.
وأهم استعمال سلمي للطاقة النووية هو إنتاج الطاقة الكهربائية. ويعتمد أكثر من نصف إنتاج الطاقة الكلي على الطاقة النووية في بعض البلدان مثل فرنسا وبلجيكا والسويد. وتُسَيِّر الطاقة النووية أيضًا بعض الغواصات والسفن التي يُولِّد فيها المفاعل حرارة لتكوين بخار يحرك دواسرها. وإضافة إلى ذلك فإن للانشطار الذي يُولِّد الطاقة النووية قيمةً كبيرة إذ إنه يطلق أشعة وجسيمات تسمى الإشعاع النووي، تُستعمل في الطب والصناعة. ولكن يمكن أن يكون الإشعاع النووي خطيرًا جدًا، إذ يمكن أن ينجم عن التعرض لكميات ضارة من الإشعاع حالة تدعى داء الإشعاع. انظر: داء الإشعاع.
وتعالج هذه المقالة بالدرجة الأولى الطاقة النووية كمصدر للكهرباء. ولمعرفة الاستعمالات الأخرى للطاقة النووية
دور الطاقة النووية في إنتاج القدرة
تستخدم محطة قدرة نووية الحرارة الناتجة من مفاعل لإنتاج الكهرباء.
تنتُج كلُّ الطاقة الكهربائية في العالم تقريبًا من محطات القدرة الحرارية ومحطات القدرة الكهرومائية. فالمحطات الحرارية تستخدم قوة البخار الناتج من الماء المغلي لتوليد الكهرباء، في حين تستعمل المحطات الكهرومائية قوة اندفاع الماء الساقط من سَد أو شلال. وتعمل معظم المحطات الحرارية بوقودٍ أحفوري يتكون من الفحم الحجري والزيت في المقام الأول، وذلك لتوليد الحرارة اللازمة لغلي الماء. وقد نشأ الوقود الأحفوري وتطور من بقايا النباتات والحيوانات التي ماتت منذ ملايين السنين. أما باقي المحطات الحرارية فتستخدم انشطار اليورانيوم لتوليد الحرارة.
يُعَدُّ تشغيل المحطات الكهرومائية أرخص كثيرًا من محطات الوقود الأحفوري. وهي كذلك أنظف منها؛ لأن محطات الوقود الأحفوري تلوّث الهواء كثيرًا. ولكن القليل من البلدان يملك ما يكفي من الطاقة المائية القادرة على توليد مقادير كبيرة من الكهرباء. ولذلك تعتمد معظم البلدان ـ إلى حد بعيد ـ على محطات الوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء.
وليس في الأرض سوى مخزون محدد من الوقود الأحفوري، في حين يزداد الطلب عالميًا على الكهرباء كل سنة. لذلك يمكن أن تتزايد أهمية المحطات النووية أكثر فأكثر، ولكنها لا تنتج في الوقت الحالي سوى ما يقرب من 16% من الكهرباء في العالم.
توزيع الطاقة النووية في العالم. في منتصف تسعينيات القرن العشرين كان هناك نحو 425 مفاعلاً نوويًا في 30 بلدًا. وتُخطِّط ستة أقطار أخرى لإقامة مفاعل واحد على الأقل في كل منها. ومعظم الدول يعجز عن الحصول على محطات طاقة نووية لأن هذه المحطات تتطلب معدات وأجهزة غالية الثمن.
وكان في الولايات المتحدة نحو 110 محطات قدرة نووية عاملة في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، وتُعَدُّ بذلك المنتج الأول للقدرة النووية. وتولد مفاعلاتها النووية نحو 20% من مجمل القدرة الكهربائية للولايات المتحدة. وأهم الدول المنتجة الأخرى: كندا وفرنسا وبريطانيا واليابان وروسيا والسويد وألمانيا؛ وفي كندا يوجد 20 مفاعلاً نوويًا تنتج نحو 15% من الكهرباء التي تحتاج إليها البلاد. وقد ساعدت الولايات المتحدة والدول المنتجة الأخرى في تطوير محطات القدرة النووية في بلاد كالهند وباكستان.
مزايا الطاقة النووية وعيوبها. تتميز محطات القدرة النووية عن محطات الوقود الأحفوري بميزتين رئيسيتين: 1- تستعمل المحطات النووية وقودًا أقل كثيرًا مما تستهلكه محطة الوقود الأحفوري. فانشطار طن متري من اليورانيوم مثلاً يعطي طاقة حرارية تعادل ما ينتج عن احتراق ثلاثة ملايين طن من الفحم الحجري أو 12 مليون برميل من النفَّط. 2- لا يطلق اليورانيوم إلى الجو مواد كيميائية ملوثة أو صلبة أثناء استعماله على عكس الوقود الأحفوري.
ولكن للطاقة النووية ـ على الرغم من مزاياها ـ ثلاثة عيوب رئيسية عملت على إبطاء تطور الطاقة النووية في العالم، وهي: 1- تكلفة إنشاء المحطة النووية تفوق كثيرًا تكلفة إنشاء محطة الوقود الأحفوري 2- أخطار المحطات النووية كبيرة، لدرجة لا تجعلها تخضع لقوانين حكومية معينة يمكن أن تخضع لها محطات الوقود الأحفوري، كأن تفي هذه المحطات بمطالب السلطات الحكومية بحيث تكون قادرة على معالجة أي حالة طارئة تلقائيًا وبسرعة كبيرة. أضف إلى ذلك معارضة الكثيرين لإقامة محطات جديدة منذ ما حدث عام 1979م في محطات القدرة النووية المقامة في ثِري مايِلْ آيْلاند بالقرب من هارِسْبورْج في بنسلفانيا، والحادث الذي جرى عام 1986م في تشيرنوبل في الاتحاد السوفييتي (سابقًا) 3- يستمر اليورانيوم في إطلاق إشعاعات خطيرة، ولفترة طويلة، بعد استعماله كوقود للطاقة النووية، كما أن مشكلة تخزين نفايات اليورانيوم لم تحل بعد
التطوير الكامل للطاقة النووية. يعتقد كثير من الخبراء أن فوائد القدرة النووية تفوق أي مشكلات تنجم عن إنتاجها. ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن مخزون العالم من النِّفط يمكن أن يُستنفد في منتصف القرن الحادي والعشرين. وتمتلك روسيا والولايات المتحدة، والصين وبلاد أخرى ما يكفي من الفحم الحجري لسد حاجتها من الطاقة لمئات السنين. ولكن الفحم الحجري وقود غير نظيف، إذ يطلق، أثناء احتراقه، مقادير كبيرة من الكبريت وملوثات أخرى إلى الجو. انظر: التلوث البيئي. ولو أمكن تطوير الطاقة النووية تطويرًا كاملاً فإنها يمكن أن تحل تمامًا محل الفحم الحجري والنفط، مصدرًا للطاقة الكهربائية.
ولكن يجب حل عدد من المشكلات قبل أن يتم تطوير الطاقة النووية تطويرًا كاملاً. فعلى سبيل المثال، يمكن القول إن كل المفاعلات النووية الموجودة حاليًا تتطلَّب نوعًا من اليورانيوم المعروف باليورانيوم ـ 235 (u-235)، وهذا النوع مخزونه في العالم محدود، فلو استمر استخدامه بالمعدّل الحالي فإنه سينقص باطّراد، ويُسْتَنْفَدُ قبل منتصف القرن الجاري. لذلك لا يمكن أن تحل القدرة النووية محل مصادر القدرة الأخرى إلا حين يستطيع العلماء تطوير طريقة لإنتاج الطاقة النووية التي لا تتطلب اليورانيوم ـ 235. وتتناول الفقرة الفرعية الطاقة النووية في الوقت الحاضر، الطرق الرئيسة في إنتاج الطاقة النووية التي هي قيد التطوير.
علم الطاقة النووية
يُطلَق على العملية التي تُطلق بها النواة طاقة اسم التفاعل النووي. وعلى المرء أن يعرف شيئًا عن طبيعة المادة كي يستطيع فهم مختلف أنواع التفاعلات النووية.
يتبع……….