عندما تولى المأمون يحيى بن ذى النُّون عام 1043م، إمارة طُلَيْطِلَة اغتنم عون حليفه القوى عبد العزيز بن أبى عامر، واستأجر الفرسان النصارى من القشتاليين ليبطش بمحمد بن جهور أمير قُرْطُبَة، فتدخل بنو عباد أصحاب إشبيلية، وبنو الأفطس أصحاب بطليوس للوقوف ضد صاحب طُلَيْطِلَة الذى كان يهددهم جميعًا، وسار أمراء لبلة وولبة وجزيرة شليطش للانضمام إلى الحلف الذى تزعمه صاحب لبلة عبد العزيز اليحصبى ليعقد محالفة مع قُرْطُبَة. تحرَّك الجميع تطبيقًا لهذا التحالف لإنجاد قُرْطُبَة، فانتهز ابن عباد أمير إشبيلية هذه الفرصة واكتفى بإرسال خمسمائة فارس إلى ابن جهور، وزحف فى جيش قوى على لبلة، وولبة وجزيرة شليطش وأكسونية واستولى عليها، ثم فتح قرمونة سنة 1053م, طالت الحرب بين طُلَيْطِلَة وقُرْطُبَة، ودامت أعوامًا، وكانت سجالاً، وأراد المأمون صاحب طُلَيْطِلَة حسم الموقف، فأوقع بقوات قُرْطُبَة وحليفاتها هزيمة شديدة، واستطاع الوصول إلى قُرْطُبَة فحاصرها، فبادرت إشبيلية إلى إغاثتها، فأرسل ابن عباد ابنه محمدًا على رأس جيش قوى فيه وزيره أبو بكر محمد بن عمار الموصوف برجاحة عقله، وشدة ذكائه, وزوَّدهما بخطة وأوامر سرية خاصَّة. واستطاع جيش ابن عباد أن يفك الحصار عن قُرْطُبَة، واضطرَّ الطليطليون لرفع الحصار, وارتدوا عنها، وخرج القرطبيون ليطاردوا أعداءهم فأتموا بذلك هزيمة الطليطليين. ونُفِّذَتْ خُطَّةُ ابن عباد السرية وكان محتواها دخول قُرْطُبَة عندما يخرج منها أهلها خلف الطليطليين، ودخلتها قوات ابن عباد دون معارضة، واحتلت مراكزها الحصينة قبل أن يفطن القرطبيون إلى أن مَن جاء لنُصرَتِهم غدرَ بهم، وبذلك سقطت دولة بنى جهور فى قُرْطُبَة ولم يمض على قيامها ثلاثون عامًا فى محنة محزنة وخيانة فظيعة، وأصبح ابن عباد أمير إشبيلية أقوى أمراء الأَنْدَلُس المُسْلِمة، تخوَّف المأمون أمير طُلَيْطِلَة من قُوَّة ابن عباد أمير إشبيلية التى نمت نموًا سريعًا، وبخاصَّة بعد أن حالفه العامريون أمراء قسطلون ومربيطر وشاطبة المرية ودانية، فحاول التحالف مع صهره زوج ابنته عبد الملك المظفر حاكم بلنسية الذى رفض ذلك مُحتَجًّا بأن وقوف العامريين إلى جانب إشبيلية يجعل إقدامه على هذا التحالف خطرًا على بلنسية، فما كان من المأمون إلا أن عقد حلفًا مع فرديناند الأول صاحب قشتالة. وهجمت القوات المشتركة المتحالفة «قوات المأمون وفرديناند الأول» على بلنسية، فسقطت ولاية بلنسية كلُّها فى يد المأمون فى تشرين الأول سنة 1065م, عاد بعدها إلى طُلَيْطِلَة ليجهز قواته لقتال ابن عباد، وحال بينه وبين ما أراد وفاة فرديناند الأول، ونشوب حرب ضروس بين أولاده، فنقض المأمون عهده مع قشتالة، وامتنع عن دفع الجزية، مما أدى إلى حرمانه من معونة النصارى، وهى المعونة التى لم يستطع أن يحارب أمير إشبيلية بدونها، فلما تمَّ أمر الحكم لسانشو ابن فرديناند سنة 1070م, هرب أخوه ألفونسو إلى المأمون صاحب طُلَيْطِلَة والتجأ أخوه الثَّانِى جارسية إلى المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، وفى سنة 461هـ/ 1069م توفى المعتضد بن عباد أمير إشبيلية، فخلفه ابنه المُلقَّب بالمعتمد على الله، ولم يكن أمام الأمير الجديد ما يخشاه إلا أمير طُلَيْطِلَة الذى ملك بلنسية فى الوقت نفسه، أما بقيَّة ملوك الطوائف فقد انكسرت شوكتهم وتزعزع كيانهم فى حروبهم الدَّاخليَّة من غزوات النصارى المتتابعة عليهم. واستطاع المأمون حاكم طُلَيْطِلَة أن يتوسَّعَ ويحقق انتصارات واسعة سنة 1073م على مرسية وأريولة وعدة مدن أخرى، وبهذا أصبح الأمير الأقوى الذى يسيطر على أواسط إسبانيا كلِّها، وبخاصة بعد أن فاز ألفونسو بحكم قشتالة بعد وفاة «شانجة» وتحالف مع المأمون الذى رعاه وحماه عند محنته وتعاهد الأميران على أن يرتبطا معًا برباط الصداقة الوثيق. وأصبح أمير إشبيلية فى خوفٍ من توسُّع أمير طُلَيْطِلَة الذى فاجأ المعتمد بتحالفه مع بنى هود أصحاب سرقسطة وبنى الأفطس أصحاب بطليوس، وهاجم خصمه من ثلاث جهات لكى يُحكِمَ تسديد الضربة إلى قُرْطُبَة؛ فسقطت دون مقاومة تُذكَر سنة 468هـ, ولكن المأمون تُوفى بعد دخولها بأيام قلائل؛ فرجع جنده عنها إلى طُلَيْطِلَة، واسترد ابن عباد قُرْطُبَة، وبقيت إشبيلية تحت حكم ابن عباد حتى استولى عليها المرابطون سنة 474م. وأرسل ابن عباد سفيره ووزيره البارع ابن عمار إلى عاصمة قشتالة يومئذٍ, وتحالف مع ألفونسو، وتعهَّد بها ملك قشتالة بمعاونة أمير إشبيلية بالجند والمرتزقة ضد جميع المُسْلِمين، ويتعهَّدُ ابن عباد مقابل ذلك أن يدفع إلى ملك قشتالة جزية كبيرة، وتعهَّدَ بألا يتعرض لمشروع ألفونسو فى افتتاح طُلَيْطِلَة، وهكذا ضحى ابن عباد بمعقل المُسْلِمين إسبانيا المُسْلِمة، لكى يفوز ببسط سيادته على الإمارات التى لم تخضع له بعد، وهى إمارات غرناطة وبطليوس وسرقسطة. واستفاد ألفونسو من هذه الاتفاقية وأعلنها حربًا لا هوادة فيها على طُلَيْطِلَة التى حمته من مطاردة أخيه سانشو, ونسى الأمير الطموح للتوسُّع كلَّ عهوده ومواثيقه, وشرع فى غدره بِمَن أحسن إليه. وتحرَّك المعتمد بن عباد بجيشه نحو غرناطة ليضُمَّها إلى سلطانه وكان حاكمها عبد الله بلكين بن باديس، وكان ابن هود أمير سرقسطة يرى الخطر يشتدُّ عليه يومًا فيومًا من شانشو الأول ملك أرجون، فلم يستطع إنجاد طُلَيْطِلَة سوى أمير بطليوس يحيى بن الأفطس المُلَقَّب بالمنصور، فجمع قواته وسار إلى لقاء ألفونسو، ولكن ألفونسو الذى كان قد أثخن فى ولاية طُلَيْطِلَة، حتى صيرها قفرًا بلقعًا، شعر باقتراب المنصور، فانسحب, ولكنَّه كرَّر الرجعة فى العام التالي؛ فعاث فى بسائط طُلَيْطِلَة وخرَّبها مرة أخرى، وزحف المعتمد على بطليوس، وبهذا استطاع أن يُحول دون معاونة بنى الأفطس لطُلَيْطِلَة حيث القادر بن ذى النون، ولم يستطع أمير سرقسطة من بنى هود «المؤتمن» معاونة القادر معاونة قوية خشية أن تقع سرقسطة ذاتها فريسة لابن عباد أو النصارى، وهو فى جهاد ضد أرجون وبرشلونة، واستمرَّت الحرب أعوامًا، وألفونسو يفسد فى بلاد المُسْلِمين «طُلَيْطِلَة» ومَن حولها فسادًا. وفى السابع والعشرين من المحرم سنة 478هـ – الخامس والعشرين من آيار «مايو» سنة 1085م استطاع أن يدخل طُلَيْطِلَة «عاصمة القوط القديمة» ودخلت طُلَيْطِلَة بذلك إلى حظيرة النصرانية بعد أن حكمها المُسْلِمون ثلاثمائة واثنين وسبعين عامًا، واتخذها ملك قشتالة حاضرة ملكه من ذلك الحين، وأصبحت بذلك عاصمة إسبانيا النصرانية. وهكذا انتهت دولة ذى النون فى طُلَيْطِلَة لتستمرَّ فى بلنسية. تأثَّر المُسْلِمون بسقوط طُلَيْطِلَة تأثُّرًا عميقًا على مختلف الساحة الإسلامية فى الأَنْدَلُس، وتفجَّرت قريحة الشعراء فى استثارة الهمم والتحريض على الجهاد، والتحذير من تفاقم الخطر، ومما قيل فى ذلك قول عبد الله بن فرج اليحصبى المشهور بابن عسال الطليطلي: يا أهل أندلس حثوا مطيتكم فما المقام بها إلا من الغلط الثوب ينسل من أطرافه وأرى ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط ونحن بين عدو لا يفارقنا كيف الحياة مع الحيات فى سفط ومن ذلك أيضًا: يا أهل أندلس ردُّوا المعار فما فى العرف عارية إلى مردات ألم تروا بيدق الكفار فرزنه وشاهنا آخر الأبيات شهمات لقد كانت روما تقف بكل ما تملك من قُوَّة معنوية ومادية خلف ألفونسو وجنوده للقضاء على المُسْلِمين، وأسبغوا على قتال المُسْلِمين صفة الحروب الصليبية المقدسة وأصبح البابوات لهم دور فى توجيهها. وندم المعتمد بن عبَّاد على فعلته خصوصًا عندما رأى ألفونسو يتوسَّع فى ضمِّ ممالك المُسْلِمين إليه، وأيقن إن الدائرة عليه قادمة، واجتمع أمراء المُسْلِمين عندما رأوا إن شبح السقوط ماثلاً أمام أعينهم، فاتحدوا لأول مرة واجتمعت كلمتهم على أن يضعوا حدًا لفتوح ألفونسو, وإذا كانت قواتهم مُجْتَمَعة لا تكفى لرد عدوانه، فقد اتفقت كلمتهم على الاستنجاد بالمرابطين فى إفريقية واستدعائهم إلى الأَنْدَلُس، علمًا بإن ملوك الأَنْدَلُس كانت ترهِبُ الفرنج بإظهار موالاتهم لمَلِكِ المغرب يوسف بن تاشفين، وكان له شهرة تطايرت فى الآفاق لما حققه من ضمِّ دِوَل إلى دولته وقضائه عليها, واشتهر بين النَّاس أن لأبطال المُلَثَّمين فى المعارك ضربات بالسيوف تقد الفارس, وطعنات تنظم الكلى، فكان لهم بذلك ناموس ورعب فى قلوب المنتدبين لقتالهم.
ممكن تكتبلنا مرجع الدراسة لو سمحت
مرجع الدراسة هو :
الصلابي محمد علي محمد :
في الشمال الإفريقي
فقه التمكين عند دولة المرابطين ، ص 52 – 54
أشكرك أخي على مرورك الطيب
اللهم صلي و سلم على سيدنا محمد و على أزواجه و صحبه و التابعين
لا تشكريني يا أختي نحن من يشكركم .
لولاكم ما كتبت أقلامنا ، ولا سمعت أصواتنا ، ولا عرف الناس أفكارنا
شكرا و ألف شكر