-
الصبر موجب للأجر:
والصبر يمثل الحركة الإنسانية التي تنطلق إيجابية في داخل الإنسان وسلبية في الظاهر، باعتبار أن الصابر يصمد، ولا يتحرك بردة فعل، فهو سلبي في الصورة، ولكنه إيجابي في المضمون وفي الواقع، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى:{واصبر على ما أصابك إنّ ذلك من عزم الأمور}[لقمان:17].
هذه بعض معاني الصبر وأسراره، ولكن الزهراء(ع) لم تشأ الحديث عنها ربما لوضوحها، وإنّما أرادت أن تتحدث عن أجر الصبر كما تحدّث القرآن عنه في أكثر من آية، لتشجّع الناس عليه وتبيّن أجر الصبر الذي قد يغفل عنه الكثيرون، فكان حديثها حديث الدعوة إلى الصبر لا حديث بيان فلسفة الصبر وطبيعته .
ومن الطبيعي أن الأجر الذي يناله الإنسان على الصبر يختزن في داخله كل ما يعنيه الصبر من ثبات على المبدأ، ومن صلابة في موقف الإنسان مع الله أمام الشدائد والأهوال والأخطار، لأن الله إنّما يثيب الإنسان بالحجم الذي يمثله عمله، ولعلنا لم نجد عملاً يحمل من الثواب كالذي يحمله الصبر ، ومن الطبيعي أن يثيب الله على العمل الذي يرتفع في مستوى القيمة إلى أن يكون القاعدة التي ترتكز عليها التقوى كلها والإيمان كلّه، بأكبر الثواب وأحسنه .
ولذلك فإن الزهراء(ع) عندما تقول: "والصبر معونة على استيجاب الأجر"، فإنها تقصد الصبر بما له من القيمة الكبرى عند الله سبحانه وتعالى، من حيث علاقته بثبات الإيمان في نفس الإنسان في مواجهته لقضايا الانحراف .
ونحن نقرأ في كلمات علي(ع) وهو يعدِّد الخصال الخمسة التي ذكر أنها "لو ضربت إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلاً "، يقول(ع) :"وعليكم بالصبر، فإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه"[28].
وهكذا هي كلمة الإمام الباقر(ع) لبعض أصحابه: "كل أعمال البر بالصبر يرحمك الله" [29]. وقد جعل القرآن قيمة الصبر أعلى قيمة، كما في قوله تعالى:{إنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}[الزمر:10]، {وبشّر الصابرين*الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون*أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة:155_157].
وقد أرادت الزهراء(ع) أن تستنطق المعنى القرآني في حديثها عن أجر الصبر، والمعنى القرآني للصبر يختزن كل ما في الصبر من خصائص، من حيث إنه يمثل القيمة العملية الكبرى التي تزيد الإنسان ثباتاً وإيماناً في كل خطواته في هذه الحياة.