وقد حظيت هذه الفاكهة، مؤخراً، بجملة من الدراسات والابحاث الطبية، نظراً لقيمتها وفوائدها الغذائية والطبية. وما يثير الأسف أنها لم تحظى بهذا الاهتمام من قبل المهتمين، وعامة الناس في البلاد العربية، مثلما حظيت به في العالم الغربي. وما يثير الأسف، كذلك، أن كثيراً من مناطق العالم، بدأت الاهتمام بنبات الصبر، وتوسيع رقعة انتشاره للحصول على ثماره وأوراقه، في حين يبذل الكثيرون في الوطن العربي، جهدهم لإزالة هذه النبتة وثمارها المعطاءة، غذاء وصحة، والواعدة في احتمالات الاستفادة العلاجية من اجزائها.
الصبر في الطب القديم
وقد حظيت هذه النبتة باهتمام العرب قديماً، واستخدموها في كثير من العلاجات الطبية. وكان للرسول الكريم نصيب منها، فقد روي عن نبيه بن وهب فقال: "خرجنا مع أبان بن عثمان، حتى اذا كنا بملل اشتكى عمر بن عبيدالله عينيه، فلما كنا بالروحاء اشتد وجعه، فأرسل الى أبان يسأله، فأرسل اليه أن اضمدهما بالصبر، فإن عثمان رضي الله عنه، حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل اذا اشتكى عينيه وهو محرم ضمدهما بالصبر"(رواه مسلم في كتاب الحج).
وروت أم سلمة، رضي الله عنها فقالت: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة، وقد جعلت عليّ صبراً فقال: ماذا يا أم سلمة؟ فقلت: إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب. قال عليه الصلاة والسلام: انه يشبّ الوجه فلا تجعليه الا في الليل" (يشب الوجه: أي يلونه ويحسنه).
وقال عن الصبر الطبيب المسلم ابن سينا: "انه ينفع من قروح العين وجربها وأوجاعها من حكة المآق، ويخفف رطوبتها، وله قوة قابضة مجففة للأبدان منومة، والصبر الهندي كثير المنافع، مجفف بلا لذع وفيه قبض يسير".
الصبر وسكر الدم:
قال الباحثون في جامعة "أوتونوما دي باجا كاليفورنيا" في مدينة "تاجيانا" بولاية "باجا كاليفورنيا" المكسيكية، إن مما هو تقليدي تناول المكسيكيين لأوراق ما يُدعى بـ "نوبال" Nopale، وهي من أنواع أشجار الصبار. وهي الأوراق الوسادية المفلطحة للشجرة التي تُعطي ثمار التين الشوكي، والتي يتم قطاف أوراقها حينما تكون بحجم صغير، وتزال عن أسطحها تلك العقد الشوكية. وتتوفر للمستهلكين بالأسواق إما طازجة أو معلبة أو مجففة، كي تُستخدم في إعداد أطباق عدة، مثل التاكو أو بإضافة البيض إليها أو في الحلويات أو غير ذلك. وتتميز بطعمها اللاذع و قوامها الجيلاتيني القاسي شيئاً ما، والقليلة المحتوى من السكريات.
وهذه الأوراق، كما يقول الباحثون، غنية بفيتامينات A, C, K, B6، وكذلك بالمعادن مثل المغنيسيوم والبوتاسيوم والكالسيوم والحديد والنحاس. لكن الأهم هو أنها غنية جداً بالألياف الذائبة المفيدة في تقليل امتصاص الأمعاء للسكريات وللكولسترول والدهون. وهو ما يُؤدي إلى خفض المؤشر السكري glycemic index للمنتجات الغذائية الأخرى، حال تناولها مع إضافة أجزاء من أوراق الصبر إليها. أي ما يقلل من ارتفاع نسبة سكر الدم مباشرة عند تناول أطباق الأطعمة المحتوية على منتجات غذائية عالية المؤشر السكري. والمؤشر السكري لمنتج غذائي ما، هو مقياس لتحديد مدى سرعة ارتفاع نسبة السكر في الدم بعيد تناول ذلك المنتج الغذائي. وعلى سبيل المثال، فإن النشأ أو القمح المجروش غير المقشر يُعتبران منخفضا المقدار في حساب المؤشر السكري. ونسبة سكر الدم لا ترتفع بسرعة بعد تناول أي منهما أو تناول أطعمة سكرية يُضاف أي منهما إليها. بينما الحلويات والعسل والتمر هي من المنتجات العالية في مقدار المؤشر السكري، لأن نسبة سكر الدم ترتفع بشكل سريع مباشرة بعد تناول أي منها. وهنا يأتي دور الذكاء في إعداد وتناول هذه المنتجات عالية المؤشر السكري. ولذا نجد من يُضيف السمن إلى العسل، أو السمسم إلى العسل، أو الجوز أو السمن إلى التمر، كي تُخفف الدهون من حدة الارتفاع السريع في نسبة سكر الدم حال تناول العسل أو التمر. والألياف الذائبة أحد الخيارات الأخرى في تخفيف سرعة امتصاص الأمعاء للسكريات. وتناول إضافات من أوراق الصبر لأطباق الأطعمة يُؤمن كميات جيدة منها. وهو بالضبط ما حاول الباحثون من خلال دراستهم إثباته، وتوصلوا إلى ذلك، وفق ما أكدته الباحثة الرئيسية في الدراسة، الدكتورة مونتسيرات باكاردي ـ غاسكون. وتبين للباحثين أن مقدار معدل سكر الدم كان أقل بنسبة وصلت إلى حد 48% عند إضافة قطع أوراق الصبر إلى ثلاثة أطباق مختلفة من الأطعمة المتناولة في وجبة الإفطار، مقارنة بتناول نفس الأطباق الثلاثة بلا إضافة تلك القطع الخضراء من أوراق شجر التين الشوكي والصبر.
وكان تعبير الباحثين دقيقاً بقولهم إن النتائج توفر لمرضى السكري وسيلة طبيعية وأكثر التصاقاً بعاداتهم الغذائية اليومية، بالنسبة للمكسيكيين، في معالجة ارتفاع نسبة سكر الدم، وهو ما يجدر بالباحثين في مناطق أخرى من العالم التنبه إليه، أي الاهتمام بالبحث في المنتجات الغذائية التي يُحب الناس تناولها أو يُقبلون على ذلك تبعاً لعاداتهم الاجتماعية في الأكل، كي يجدوا منها ما يُفيد صحتهم ويضبط أمراضهم.
أوراق الصبر:
الأنواع المأكولة بأمان من أشجار الصبر cactus هي الأشجار المعروفة التي تُعطي ثمار الصبر أو التين الشوكي prickly pear وأيضاً الأوراق cactus leaves المفلطحة الوسادية البيضاوية الشكل، أو ما يُعرف باسمnopales .
وهذا الجزء الأخضر، الذي يُعتبر من الخضار المأكولة بشكل طبيعي في أجزاء من العالم، وخاصة المكسيك، لين وذو قوام متماسك يشعر المرء به حال الطحن بين الأسنان crunchy texture ويصبح بعد الطهو ذا قوام أكثر لزوجة والتصاقاً، لكن ليس إلى الحد الذي يحصل مع طهو البامية okra أما ثمار الصبر، أو التين الشوكي، فهي فاكهة بيضاوية الشكل، يبلغ طولها ما بين 2 إلى 4 بوصات (البوصة 2.5 سم تقريبا). وتتراوح في ألوان طبقة غطائها الخارجي وكذلك في لون الثمرة الداخلية ما بين الأخضر أو الأصفر أو البرتقالي أو الأحمر. وتنتشر على غلافها مجموعات من العقد الشوكية. وهي من الفواكه الحلوة الطعم والمليئة بالبذور الصلبة.
وكمية حصة غذائية واحدة منه، بوزن 90 غراما، تُعطي 15 كالوري (سعر حراري)، ولا تحتوي على دهون. وبها حوالي ثلاثة غرامات سكريات، وغرام واحد بروتينات، و20 مليغراما من الصوديوم. وهي غنية، كما تقدم، بالألياف الذائبة والمعادن والفيتامينات، خاصة منها مضادات الأكسدة، وتحتوي على طيف واسع من الأحماض الأمينية، التي منها تُبنى مركبات البروتينات.
ووفق ما يقوله البروفسور تشارلز ويبر، أستاذ علوم التغذية بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة، فإن أهم عنصر غذائي في أوراق شجر التين الشوكي هو الألياف الذائبة. وهي التي في المادة اللزجة mucilaginous polysaccharide داخل تلك الأوراق. والأبحاث متجهة منذ مدة نحو دورها في خفض ارتفاع سكر الدم لدى مرضى السكري.
والواقع أن الدراسات بدأت في الظهور على صفحات مجلات طبية متخصصة مثل مجلة رعاية مرضى السكري وأرشيفات الطب الفحصي، منذ عام 1988 للدكتور فرات موناري. وتبعتها عدة دراسات، منها ما نُشر في مجلة تكساس للصحة الريفية عام 1998 للدكتور كيث ريبيرن. ومنها مراجعة الدكتور شابيرو والدكتور غونغ عام 2024 بمجلة الرابطة الأميركية للصيادلة. وبعضها طرح جانب فائدة الأوراق هذه في تخفيف التهابات المعدة أو معالجة الإسهال أو تخفيف حدة تفاعلات الحساسية الجلدية، كالتي صدرت للدكتور بارك عام 1998 بمجلة أرشيفات أبحاث الصيدلة، بل حتى سبق أن عُقد عام 1998 المؤتمر الدولي للتين الشوكي وأوراق أشجاره في تشيلي.
وثمة العديد من الدراسات التي أُجريت، والتي لا يتسع المقام لعرضها. لكن المهم فيها أن تلك الأوراق لها قيمة غذائية نافعة ضمن التناول المعتدل من قبل من تعودوا عليها. وتعمل على خفض سكر الدم، ما يفرض الانتباه حين تناولها من قبل مرضى السكري الذين يتناولون أيضاً أدوية خفض نسبة سكر الدم.
الصبر.. فاكهة لمن أراد الصحة
ما تدل عليه هذه الدراسات بالعموم هو أن تناول ثمار الصبر سلوك صحي. لكن وصف أحد المنتجات الغذائية بعينه كعلاج لأحد الأمراض المحددة فليس وارداً في أسلوب الطب اليوم، لا حول الصبر ولا حول غيره. وهذه نقطة مهمة، لأن الغاية هي لفت النظر إلى أن منتجات غذائية معينة، وخاصة الخضار والفواكه، مفيدة للصحة. وعلى الإنسان الراغب في نيل العافية والسلامة الإكثار من تناول تشكيلة واسعة من الخضار والفواكه.
والصبر، أو التين الشوكي، واحد من قلائل ثمار الفاكهة القادرة على النمو والنضج في الأجواء الصحراوية الحارة، وكذلك في تلك المعتدلة. والنظر الطبي العلمي المجرد نحو ثمار الصبر يترك انطباعاً يقوله المرء بعبارة واحدة: كم نحن غافلون عن كل تلك القيمة الغذائية والفوائد الصحية التي يُقدمها الصبر لنا دون أن نعلم! وإن كان البعض لا يُقبل مطلقاً على تناوله، أو البعض الآخر يتناوله مرات معدودة في السنة عند موسم قطافه، فإن ثمة منْ يحرص على تناوله طوال العام، إما طازجاً أو مجففاً، ابتغاء تزويد الجسم بعناصر غذائية مفيدة وابتغاء نيل الفوائد الصحية له. والواقع أن الشعوب المختلفة تتناوله بطرق عدة، منها الأكل المباشر لقطع الثمر كاملة، أو للعصير المعمول منها بإزالة البذور التي تُؤذي الكثيرين جراء التسبب في حالات الإمساك، أو بإعداد المربيات أو الجلي أو البوظة (الآيسكريم)، أو حتى إعداد مرق يُضاف إلى إعداد قطع اللحم المشوي.
والأساس في النظر إلى الصبر هو العناصر الغذائية التي تحتويها ثماره.. وتشير مصادر التغذية إلى أن الثمرة الواحدة من الصبر، بوزن حوالي 100 غرام، تحتوي على طاقة بمقدار 42 كالورى (سعر حراري)، وحوالي غرام واحد من البروتينات، وعشرة غرامات من السكريات، ونصف غرام من الدهون، وحوالي اربعة غرامات من الألياف. وتُصنفه كمصدر ممتاز لفيتامين سي، وجيد للمغنيسيوم، وفق تصنيف وزارة الزراعة الأميركية. وبالرغم من قلة محتوى الثمار من السكريات إلا أن نوعيتها وطريقة امتزاجها بتراكيب نفس الثمرة يعطيان لمتناولها طعماً حلواً في الفم، وهو في هذا أشبه ما يكون بالبطيخ.
والثمرة ممتلئة بالفيتامينات والمعادن بشكل متوازن وطبيعي، لرفع مناعة الجسم بالدرجة الأولى. وأهمها الكالسيوم والمغنسيوم والبوتاسيوم، هذا مع تدني محتواها من الصوديوم. ومجموعات الفيتامينات مثل فيتامين (سي وإيه) على وجه الخصوص. وكذلك تحتوي على نسبة عالية من المركبات الكيميائية، التي من أهمها تلك المجموعات العديدة والمختلفة التركيب من المواد الكيميائية المضادة للأكسدة من نوع فلافانويد flavanoids، وهي مركبات كيميائية تعمل ضمن منظومة جهاز مناعة للجسم من نوع مختلف تماماً عن جهاز مناعة الجسم المعروف، لأن جهاز مناعة الجسم المعروف والمكون من خلايا الدم البيضاء وغيرها ومن المركبات الكيميائية المعروفة باسم الأجسام المضادة، تعمل في مواجهة الميكروبات من فيروسات وبكتيريا وفطريات وطفيليات. بينما أنظمة المواد المضادة للأكسدة تعمل في اتجاهات أخرى لحماية الجسم من تأثيرات العوامل البيئية وتقدم العمر والعمليات الكيميائية غير المنضبطة. ولذا تُسهم في تخفيف أعراض الشيخوخة وتأثيرات الإشعاعات وأشعة الشمس والحرارة والسموم واضطرابات الكولسترول والخلايا السرطانية والتهابات المفاصل وغيرها.
والطب التقليدي للعديد من شعوب العالم تنبه إلى هذه الثمار الغنية الفائدة. وهو ما يُحاول الباحثون اليوم معرفته والتأكد منه من خلال العديد من الدراسات الطبية في هذا الشأن. ومنها اكتشف الباحثون عدة فوائد صحية لتناول الصبر تطال جهاز مناعة الجسم لتخفيف حدة عمليات الالتهابات، خاصة في المفاصل والعضلات والبروستاتة، وضبط نسبة سكر الدم، وخفض الكولسترول والدهون الثلاثية، وحماية الشرايين من ترسب الكولسترول داخل جدرانها، وتخفيف أعراض تناول الكحول.