سبب إرسال الرسل:
أعلم أيها المسلم وفقك الله لحسن عبادته: أن الله أرسل رسله ليدعوا إلى توحيده وإخلاص العبادة له سبحانه، قال تعالى: }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ أي لا نعبد إلا أنت يا الله، ولا نستعين إلا بك. وقال تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ{[سورة البينة، الآية: 5].
التوحيد الخالص أساس الدين:
إذا عرفت هذا يا أخي المسلم، فاعلم: أن تحقيق التوحيد وتخليصه من شوائب الشرك والبدع هو أساس الدين الصحيح، الذي لا يقوم الدين إلا عليه، لأنه لا يصح للعبد إسلام ولا يقبل منه صلاة ولا زكاة ولا صوم ولا حج إذا لم يكن موحِّدًا لله، لأن غير الموحِّد مشرك، والمشرك عمله حابط وذنبه غير مغفور. قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: }وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{[الزمر، الآية: 65] وقال تعالى: }وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{[سورة الأنعام، الآية: 88]. وقال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{[سورة النساء، الآية: 116].
تعريف العبادة:
إذا عرفت هذا فاعلم: أن معنى توحيد الله: إفراده سبحانه بالربوبية والأسماء والصفات والألوهية.
والعبادة هي: كل ما يُحبه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ومن العبادة إفراد الله سبحانه بالحكم والتشريع.
أنواع العبادة:
وهي أنواع كثيرة منها:
الدعاء:
وهو سؤال مغفرة الذنوب ودخول الجنة والنجاة من النار وشفاء المريض ورد الغائب وتفريج الكروب وإنزال الغيث والنصر على الأعداء والصلاح ونحو هذا.
فكل هذه المطالب لا تطلب إلا من الله لأنه وحده القادر عليها، فمن طلب من المخلوق شيئًا منها فقد عبده من دون الله، وجعله لله ندًا وشريكًا، لأن الدعاء هو العبادة، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم – وكما قال تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{[غافر، الآية: 60] وقال عز وجل: }وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا{[سورة الجن، الآية: 18].
ومنها الذبح:
فمن ذبح لغير الله فقد أشرك بالله، وعبد غيره، كمن يذبح للقبر أو للجن. قال الله تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{[سورة الأنعام، الآية: 162]. وقال عز وجل: }فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{[سورة الكوثر، الآية: 2].
ومنها النذر:
فلا ينذر إلا لله فيقال: لله عليَّ نذر أن أتصدق بكذا أو أفعل كذا من الطاعات، ولا يقال لفلان عليَّ أن أتصدق بكذا أو أفعل كذا، لأن النذر عبادة. كما بين الله لنا ذلك في كتابه الكريم، وكما بينه رسوله عليه الصلاة والسلام.
ومنها الاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والرجاء والتوكل والرغبة والخشوع والخشية والإنابة والخضوع والتوبة:
فلا يصح جعل شيء من ذلك لغير الله.
وأما الاستعانة والاستغاثة بالمخلوق وطلب الحاجة منه.
فلا تصح إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون حيًا.
الشرط الثاني: أن يكون حاضرًا يسمع أو في حكم الحاضر كمن يخاطب بالهاتف أو يكاتب.
الشرط الثالث: أن يكون قادرًا على ما يطلب منه كالإعانة على حمل المتاع، والإغاثة من السبع، أو من الحرق أو الغرق، ببذل جهده في الإنقاذ، أو بقضاء الحاجة المالية، ونحوها مما يقدر عليه، أو بدعائه ربَّه لأخيه، لأن دعاء المسلم لأخيه مستجاب. أما الميت والغائب فحرام أن يستغاث به أو يستعان به أو يطلب منه شيء: ومن فعل ذلك فقد أشرك بالله، لأن الميت قد انقطع عمله وهو بحاجة إلى دعاء الحي، الذي لم ينقطع عمله، كما أن الميت لا يسمع هذا من الحي، ولو سمع ما استجاب، كما أخبرنا الله بذلك.
وسماع الميت الوارد إذا صح خاص بالسلام عليه، فمن زاد على السلام على الميت والدعاء له فقد تجاوز الحد وابتدع وخالف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رخص في زيارة القبور للرجال فقط بين أن المقصد منها تذكر الآخرة، والدعاء للأموات من المسلمين فقط. أما النساء: فلا تجوز لهن زيارة القبور لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهن عن ذلك، ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما: «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج»([1]).
زيارة القبور:
إذا عرفت هذا أيها المسلم. فاعلم: أن زيارة القبور نوعان: شرعية ومحرمة. أما الشرعية: فهي التي لا يسافر من أجلها، ولا يزيد الزائر على السلام على الميت والدعاء له وتذكر الآخرة، كما بين ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفعله.
وأما المحرمة فهي. نوعان:
النوع الأول: بدعية منكرة
وهي التي يسافر من أجلها أيا كان القبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السفر إليها بقوله في الحديث الصحيح الذي في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى..» ولذلك فإن السفر إلى المدينة إنما ينشأ من أجل زيارة المسجد، فإذا وصل الزائر إلى المسجد وصلى فيه التحية أولاً، سلم على المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، وعلى أهل البقيع والشهداء، لأنه صار بعد وصوله المدينة في حكم الحاضر.
ومن الزيارة البدعية المحرمة:
أولاً: طلب الشفاعة من الميت: ولو كان أفضل الخلق محمدًا صلى الله عليه وسلم، وشفاعته حق، نسأل الله أن يشفعه فينا، ولكنها لا تُطَلب منه إلا في حال حياته قبل موته، وبعد بعثته يوم القيامة، أما الآن فإنه ميت بلا شك كما قال تعالى: }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ{[سورة الزمر، الآية: 30].
ومن أنكر موته فقد أنكر القرآن.
وأما حياته البرزخية فهي أكمل من حياة الشهداء، ولكنها خلاف الحياة قبل الموت، وبعد البعث، فلا يطلب منه شيء ما دام لم يبعث، ولهذا كان الصحابة y لا يزيدون على السلام عليه شيئًا.
ثانيًا: التمسح بالقبور والطواف حولها تبركا بها.
فكل هذا وما شابهه بدع منكرة، فاعلها آثم مأزور غير مأجور، وكل ما نقل من الأحاديث في جواز ذلك فهو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك حفاظ الحديث، وأهل التوحيد المحققون.
ثالثًا: البناء على القبور:اعلم أيها المسلم أن من البدع المحرمة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بإزالتها: البناء على القبور وتجصيصها وإلقاء الستور عليها، وإيقاد السرج عليها، والكتابة عليها، فقد نهى عليه الصلاة والسلام عن ذلك في عدة أحاديث منها: ما روى مسلم في صحيحه وأهل السنن عن أبي الهياج الأسدي قال بعثني علي t وقال لي: «أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع قبرًا مشرفًا إلا سويته ولا صورة إلا طمستها».
النوع الثاني من الزيارة المحرمة شركية محضة: فاعلها مشرك شركًا أكبر يخرج من الإسلام، والعياذ بالله، وهو الذي يزور أي قبر كان قبر نبي أو ولي أو غيرهما، لكي يدعوه أو يستغيث به أو يتوسط به عند الله أو يذبح له أو نحو هذا. مما يفعله كثير من الجهال الذين يزعمون أنهم مسلمون، ويزعمون أنهم بتلفظهم بالشهادتين قد وحدوا الله، واتبعوا رسوله، والذي ثبت بنص القرآن والسنة المطهرة أن الذي لا يعرف معنى «لا إله إلا الله» ولا يعمل به بإخلاص العبادة لله لا ينفعه التلفظ بها.
* شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم للموحدين:
إذا عرفت هذا أيها المسلم فاعلم أن الذي يحبه الله ورسوله ويحبه أولياء الله المتقون، هو: الذي لا يشرك بالله شيئًا، بل يسلك الطريق الذي سلكه رسل الله وعباده المخلصون الذين عبدوا الله، وقطعوا التعلق بغيره.
فهذا الموحد لله عز وجل هو الذي يشفع له رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن الله، ويأذن الله للشافعين أن يشفعوا له لأنه مات على التوحيد الذي يرضاه الله كما قال تعالى: }مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ{[سورة البقرة، الآية: 255] وقال عز وجل: }وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى{[سورة الأنبياء، الآية: 28].
* الحلف بغير الله شرك به سبحانه:
إذا عرفت أيها المسلم ما تقدم فاعلم أن من الشرك بالله: الحلف بغير الله كمن يحلف بالأمانة أو النبي أو الشرف أو الحياة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك». ومعلوم أن الشرك بالله ولو كان أصغر كالحلف بغيره كبيرة عظيمة.
فاحذر من الوقوع في ذلك ثم اعلم أن كل معصية يقع فيها المسلم، وكل انهزام يقع فيه المسلم أمام عدوه فإنما سببه نقص توحيده، فعلينا أن نوحد ربنا حق توحيده، ونؤمن به حق الإيمان، ونتبع رسوله صلى الله عليه وسلم اتباعًا صادقًا بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وعبادة الله بما شرع لأن كل عبادة لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة وضلاله، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: «مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» هذا والله المسئول أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته وأن يهدينا جميعًا صراطه المستقيم وأن يدمر اليهود وأعوانهم والشيوعيين وأعوانهم وكل ملحد وطاغوت.
والله حسبنا ونعم الوكيل.
([1])رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه.
والحاضر لا يطلب منه ما لا يملك كشفاء المريض أو إنزال المطر ونحو هذا، فمن طلب منه شيئًا من ذلك، فقد جعله شريكًا لله سبحانه، أما أن يطلب منه أن يدعو الله له، فجائز.
وكذا خوف الإنسان وخشيته الخِلْقِية كخوفه من عدوه، وهكذا المحبة الخِلْقية كمحبة الأهل والولد فلا حرج.
الصلاة عمود الدين:
الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.. فهي صلة بين العبد وربه افترضها الله وعظم شأنها، ومدح أهلها في أكثر من ثمانين موضعًا في القرآن العظيم، وجاء في الحديث: الإخبار بأنها أول ما ينظر الله فيه من عمل العبد، فإن قبلها نظر في سائر عمله، وإن ردها رد سائر عمله.. فلا يقبل للعبد زكاة ولا صوم ولا حج ولا بر ولا صدقة ما دام تاركًا لصلاته مضَيِّعًا لها. لأنها عمود الدين من حفظها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
* تارك الصلاة كافر بإجماع المسلمين:
وتارك الصلاة – رجلاً أم أمرأة – كافرٌ بإجماع المسلمين حلال الدم والمال يستتاب فإن تاب وصلى وإلا قتل مرتدًا، لا يغسَّل ولا يُكفَّن ولا يُصلَّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرث أقاربه المسلمين، ولا يرثونه.
قال الله تعالى: }مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{[سورة المدثر، الآية: 43] وقال تعالى: }فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا{[سورة مريم، الآية: 59]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذيب رواه الإمام أحمد وأهل السنن قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «أن من حفظها وحافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف» نعوذ بالله من سخطه وأليم عقابه. وفي الحديث الذي رواه الأمام مسلم وغيره: «بين الرَّجل وبين الكفر ترك الصلاة».
والصلاة واجبة على كل مسلم مكلف ذكرًا أو أنثى لا تسقط عنه بأي حال حتى لو كان خائفًا أو مريضًا فإنه يؤديها بقدر استطاعته، ولا يعذر بتركها إلا الحائض والنفساء أيام الحيض والنفاس فقط.
والتهاون بالصلاة وتأخيرها عن أوقاتها من أعظم المحرمات التي توعد الله فاعلها بويل وهو: واد في جهنم تستعيذ جهنم من حره كما قال تعالى: } فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{[سورة الماعون، الآية: 5].
* وجوب الصلاة مع الجماعة:
أيها المسلم اعلم أن الصلاة مع الجماعة واجبة على الرجال، ولا يعذر في التخلف عنها مع الجماعة إلا المريض أو الخائف على نفسه أو أهله أو ماله أو ما هو مستحفظ عليه أو فوات رفقته.
ومن أدلة وجوبها مع الجماعة:
أولا: آية صلاة الخوف
حيث أمر الله بها جماعة في حال الخوف ومواجهة العدو، وحيث اغتفرت أفعال كثيرة تجب في الصلاة في غير الخوف لأجل الجماعة.
ثانيًا: إباحة جمع صلاة العشاء مع المغرب
في حالة البرد الشديد أو المطر أو الوحل، فأبيح تقديم العشاء على وقتها من أجل الجماعة الذين يشق عليهم الرجوع إلى المسجد في تلك الحالة.
ثالثًا: ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار».
فلو لم تكن الصلاة مع الجماعة واجبة على الرجال لما هم النبي صلى الله عليه وسلم بإحراق المتخلف عنها منهم، لأن العقوبة لا تكون إلا على ترك واجب.
رابعًا: ومن أبلغ الأدلة على وجوبها: ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة t قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له فلما ولى، دعاه فقال: «هل تسمع النداء؟» قال: نعم. قال: «فأجب». فإذا كانت إجابة النداء للصلاة، والصلاة في المسجد واجبة على الأعمى فهي على المبصر أوجب.
خامسًا: وقال أبو بكر بن المنذر: روينا عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر منهم: ابن مسعود وأبا موسى الأشعري أنهم قالوا: من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له. وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
واعلموا يا من تصلون الجمعة وتتركون ما سواها أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ في الحديث بالصلوات الخمس فقال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر» فبهذا وغيره يعلم أن الله افترض الصلوات الخمس كل يوم وليلة، وهذا الحديث صريح في أن تأدية الصلوات الخمس والجمعة وصوم رمضان لا تكفر كبائر الذنوب وإنما تكفر الصغائر. أما الكبائر التي توعد الله فاعلها بالعذاب فلا يكفرها إلا التوبة منها كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث.
ترك الصلاة كبيرة من الكبائر:
ومعلوم أن ترك صلاة واحدة من الصلوات الخمس من أكبر الكبائر.
فاتقوا الله أيها المتهاونون بالصلاة وارجعوا إلى ربكم، وتوبوا إليه قبل أن يخترمكم الموت فتقول نفس: }يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{[الزمر، الآية: 56].
اتقوا الله وأدوا فرائضه وتجنبوا محرماته واعلموا أن الصلاة هي عمود الدين، وهي آخر ما يفقده المرء من دينه إذ ليس بعد فقدها دين وهي التي ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بها وهو يجود بنفسه الشريفة حيث كان يقول: «الله الله في الصلاة وفيما ملكت إيمانكم» فتعلم أيها المسلم أحكام الصلاة وأدِّها حيث أمرك الله بخشوع ورغبة إلى الله، عسى الله أن يقبل منك ويتوب عليك ويغفر لك.
تحريم تبرج النساء واختلاطهم الفاتن بالرجال
ثم اعلموا أيها المسلمون وأيتها المسلمات أن من أعظم الذنوب واضر الفتن ما تفعله أكثر نساء هذا الزمان: من خروجهن من بيوتهن فاتنات مفتونات على حال من التبرج بالزينة والطيب والتكشف وإظهار المفاتن والمخالطة الرجال، تسخط الله وتوجب غضبه وحلول نقمته، والله عز وجل يقول: }وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى{[سورة الأحزاب، الآية: 33]. ويقول سبحانه: }وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ{[سورة النور، الآية: 24]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» رواه مسلم وغيره فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لم أرهما» أي في حياته. وهذا الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم. فقد وقع في هذا الزمان ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، حيث وجدت النساء الكاسيات من نعم الله، العاريات من شكر الله عليها، والكاسيات بما عليهن من ثياب قصيرة، العاريات بما ظهر من أجسادهن ووجدت الكاسيات بما عليهن من ثياب وخُمُر شفافة لا تستر ما تحتها، وبراقع فاضحة تكشف بها المرأة المتبرجة عن حاجبيها ووجنتيها، فهن عاريات بما يظهر من أجسادهن وشبيه بالعرى، بل قد يكون أبلغ منه في الفتنة لبس ما يظهر مفاتن المرأة ومعازلها، ونحو ذلك مما هو لباس للكافرات الغربيات ونحوهن ومن يتشبه بهن من المنتسبات للإسلام.
ومعنى «مميلات» أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم، وقيل «مائلات» أي يتمشطن المشطة الميلاء وهي مشطة البغايا، وما شابهها من المشطات القبيحة المتلقاة من الكافرات والمتشبهات بهن «ومميلات»: يمشطن غيرهن تلك المشطة كما هي حال كثير من النساء اليوم نعوذ بالله من سوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
* تحريم خروج المرأة متزينة أو متعطرة إلى المسجد أو مجامع الناس
روى الإمام الدارمي في سننه عن أبي موسى: «أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فيوجد ريحها، فهي زانية، وكل عين زان» وروى الترمذي وابن خزيمة وابن حبان عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان». وروى ابن ماجة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس انهوا نسائكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد، فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبست نساؤهم الزينة وتبخترن في المساجد».
وهذا المنهي عنه في الحديث واقع فيه أكثر النساء اللاتي يأتين إلى الحرمين الشريفين وغيرهما وخاصة أيام العيدين، حيث يأتين في زينتهن ولباسهن الذي لا يستر أو المُظهر للمفاتن، فيفتن الناس ويفتتن بهم ويبارزن الله بمعصيته في حرمه، نعوذ بالله من ذلك.
* تحريم خلوة المرأة بالرجل الذي ليس محرما لها
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خلوة الرجل بالمرأة التي ليس محرمًا لها فقال في الحديث المتفق عليه: «لا يخلو رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم». وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الطبراني: «والذي نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما». وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان» رواه الإمام أحمد.
* مشروعية الحجاب:
ثم إن من المخالفات التي ارتكبها أكثر النساء خروجهن سافرات غير متحجبات يفتن الرجال ويفتتن بهن. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء». والحجاب أمر الله به في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وعليه عمل أمهات المؤمنين، وعمل المؤمنات في القرون المفضلة إلى عصرنا الحاضر.
والسفور مخالفة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى يقول: }وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ{[سورة النور، الآية: 24]. والوجه واليدان من أعظم زينة المرأة كما بين ذلك المحققون من أهل العلم، وآية الحجاب صريحة في الأمر بالحجاب، والأمر يقتضي الوجوب وهي قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ{[الأحزاب، الآية: 59].
وروى أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة وميمونة بالاحتجاب عن ابن أم مكتوم فلما قالتا: يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه»؟! وإن كان في هذا الحديث ضعف، فإن غيره يقويه، والمرأة مأمورة كالرجل بغض البصر، لأن نظرها إلى الرجال وسيلة إلى إفتتانها بهم.
ولأن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، وهو لا يجوز إلا في الحالات المباحة كالنظر لقصد الزواج أو الشهادة أو العلاج الذي لابد منه.
فاتقي الله أيتها المرأة المتبرجة بالزينة أمام الناس، واتقي الله يا من تخرجين إلى الأسواق غير مستترة، واتقي الله يا من تخالطين الرجال وتنظرين إليهم وينظرون إليك – اتقي الله أيتها المرأة إن كنت تؤمنين بالله.
الناس ومن بينها ما هو مخرج من ملة الإسلام
ثم اعلم أيها المسلم أن الله تعالى كما افترض عليك الفرائض حرم عليك المحرمات، وتوعد مرتكبيها بالوعيد الشديد والعذاب الأليم ومن هذه المحرمات:
1- الشرك: وأخبر سبحانه بأنه لا يغفره، وأنه يحبط كل عمل صالح.
قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ{[سورة النساء، الآية: 116].
2- الاستهزاء بالدين أو بشيء منه أو بأهله: وأخبر أنه كفر.
قال تعالى: }وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ{. [سورة التوبة، الآية: 65].
3- الحكم بغير ما أنزل الله: وأخبر بأنه كفر به سبحانه.
قال تعالى: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{[سورة المائدة، الآية: 44].
4- موالاة الكفار وتصحيح مذهبهم والتشبه بهم: وأخبر بأنه كفر. كمن يصحح العلمانية أو الديمقراطية الغربية أو الشيوعية أو غير ذلك من مذاهب الكفر.
قال تعالى: }وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ{[سورة المائدة، الآية: 51].
وقال صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم».
* ومن أعظم الكبائر الموجبة لغضب الله وعذابه الأليم:
1- قتل النفس التي حرم الله بغير الحق.
2- وحرم اليمين الفاجرة والظلم وشرب الخمر وشهادة الزور والكذب والخيانة والكبر والحسد والشحناء والغيبة والنميمة وأكل الربا والتعامل به والإعانة عليه وأكل أموال اليتامى ظلمًا، وتناول الحرام على أي وجه كان سواءً كان من سرقة أو اغتصاب أو خيانة أو غش أو قمار أو غير ذلك.
3- وحرم الزنى واللواط وأخبر سبحانه وتعالى بأنهما فحش عظيم وجرم شنيع توعد فاعلهما بالعذاب الأليم.
4- التصوير واقتناء الصور وجاءت الأحاديث الصحيحة بأن كل مصور في النار، وأن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون. ومن صور عن رضى منه واختيار له أو رضي به، فهو كالفاعل. وقد دلت الآيات والأحاديث على ذلك، قال تعالى: }وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا{[سورة النساء، الآية: 140].
5- الغناء والعزف والاستماع إلى ذلك سواء كان المغني رجلاً أم امرأة.. لأن الغناء وآلات اللهو كالعود والمزمار والكمنجة والرباب ونحو ذلك لهو باطل، يصد عن ذكر الله، ويضل عن سبيله. قال تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ{. [سورة لقمان، الآية: 6]. فسر ابن عباس وابن مسعود وغيرهما لهو الحديث بالغناء والمزامير.
وروى البخاري عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم بحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدًا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة». وروى الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة». نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
6- حلق اللحى: وجاءت الأحاديث الصحيحة بالنهي الأكيد عن حلقها والأمر بإعفائها، وقص الشوارب. ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حفوا الشوارب وارخوا اللحى».
وكره صلى الله عليه وسلم النظر لرسولي كسرى لما رآهما قد حلقا لحيتهما وأطالا شاربيهما، وقال لهما: «ويلكما من أمر كما بهذا؟» قالا: أمرنا ربنا – يعنيان كسرى – فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي».
«واللحية اسم لكل ما نبت على اللحيين والعارضين والذقن من الشعر، وهي ميزة ميز الله بها الرجل عن المرأة تدل على رجولته، فكيف تستسيغ يا حالق لحيتك أن تتشبه بالنساء وبالمجوس، وتغير خلق الله، وقد حرم الله عليك ذلك.
7- لبس الذهب والحرير: فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من الذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال: «يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده».
وأخبر عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: بأن الله حرم على ذكور أمته لبس الذهب والحرير، وأحله لإناثهم».
8- شرب الدخان: الذي تفشى بين الناس فلم يسلم منه إلا القليل. ذكر المحققون من أهل العلم أنه محرم من أربعة أوجه:
الأول: ثبت بالطب والتجربة بأنه يضر بالبدن ضررًا بالغًا، وأنه ينشأ عن شربه أمراض فتاكة كالسل الرئوي وسرطان المريء والكحة المزمنة واضطراب دقات القلب، بالإضافة إلى أنه يسبب موت الفجأة. وقد قال الله تعالى: }وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ{[النساء، الآية: 29] وجاء الحديث: «بأن قاتل نفسه في النار» وفي الحديث المتفق عليه «من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة».
الوجه الثاني: ثبت أن الدخان مفتر وقد يسكر أحيانًا إذا شربه من لم يعتده أو شربه فاقده بكثرة، وقد حرم الله كل مسكر وكل مخدر ومفتر.
الوجه الثالث: أنه مستخبث ومكروه من جميع الوجوه فهو خبيث الرائحة، ضار بالبدن، يقرب شاربه من جلساء السوء، ويبعده عن الصالحين. وقد أحل الله الطيبات وحرم الخبائث.
وقال تعالى: }وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ{[سورة الأعراف، آية 127].
الوجه الرابع: أن النفقة فيه إسراف وتبذير. وقال قال الله تعالى: }إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ{[الإسراء، الآية: 27] والعجب ممن يدَّعي الرجولة والعقل وقوة الإرادة وفي الوقت نفسه لا يستطيع منع نفسه من شرب الدخان الضار بدينه وبدنه وماله، مع أن الرضيع يفطم عن لبن أمه الحلال الطيب الذي به مطعمه ومشربه ولذته، فينفطم ويسلو بعد أيام قلائل.
لقد آن لكم يا أيها العصاة أن ترجعوا إلى ربكم وتتوبوا إليه إن كنتم تعقلون قال تعالى: }وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ{[سورة الزمر، الآية: 54].
وهذه من صفات المؤمنين المتمسكين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نذكرها هنا بشارة للمتصفين بها، وحثًا لهم على ملازمتها حتى يلقوا ربهم حقًا – وتذكيرًا للمفرطين الغافلين عسى أن ينتبهوا من غفلتهم فيلحقوا بركب الصالحين:
قال الله تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{[سورة المؤمنون، الآيات: 1-11].
وقال تعالى: }وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا{. [سورة الفرقان، الآيات: 63-76].
نسأل الله القريب المجيب أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يتوفانا مسلمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.