الدّولة الزيانية:
1. أصل بني عبد الواد:
تنسب الدّولة الزيانية إلى بني عبد الواد، و هم فرع من فروع الطبّقة الثّانية من زناتة احدى أكبر وأشهر القبائل البربرية ببلاد المغرب، و أصل تسميتهم عائد إلى جدّهم عابد الوادي، وهم من ولد سجيح بن واسين بن يصليتن بن مسرى بن زكيا بن ورسيج بن مادغيس الأبتر، وكانوا عدّة بطون هي: بنو ياتكتن، بنو وللو، بنو تومرت، بنو ورسطف و بنو مصوجة، ويضاف إليهم بنو القاسم الذين ينتسب إليهم بنو زيان حكام الدّولة الزيانية.
وذكرت بعض المصادر أن القاسم بن محمد من نسل السّليمانيين، كان حاكما على مدينة تلمسان من قبل الأدارسة، ولما تغلب عليه الفاطميون دخل بني عبد الواد الذين كانوا يسكنون بالصحراء جنوب تلمسان، فأصهر فيهم وعقّب"عقبا مباركًا"، وإليه ينتسب ملوك بني زيان، وقد فنّد عبد الرّحمن بن خلدون هذه الرواية وكذلك قضية النّسب الشّريف للزيانيين، وذكر أنّ يغمراسن بن زيان لما سئل عن ذلك أجاب قائلا:" إذا كان هذا صحيحا فينفعنا عند الله وأمّا الدنيا فإنّما نلناها بسيوفنا".
2 . استقرارهم بتلمسان:
كان بنو عبد الواد عبارة عن قبائل رحل يجوبون صحراء المغرب الأوسط بحثا عن المراعي بين سجلماسة ومنطقة الزاب بإفريقية، ولما قام عبقة بن نافع الفهري بحركته في بلاد المغرب فاتحًا، ساندوه وشكلوا فرقة من جيشه تابعت معه فتوحاته غربًا.
ولما حلّ عرب بني هلال بالمغرب انزاح بنو عبد الواد أمامهم من الزّاب واستقروا في منطقة جنوب وهران، وفي عهد المرابطين حضروا مع يوسف بن تاشفين معركة الزلاقة.
ودخل بنو عبد الواد في طاعة الموحدين عند قيام دولتهم، وساندوا عبد المؤمن بن علي عندما استنجد بهم لرد أموال و غنائم سلبها منه بنو مرين، وظلوا يجوبون نواحي تلمسان في بعض تنقلاتهم حتّى مطلع القرن 7 ھ/13م، حيث صاروا يرتادون التل أكثر من الصحراء لِما وجدوا فيه من خصوبة الأراضي، و توفّر المراعي المخضرّة و المياه، فبدؤوا ينتقلون من طور البداوة والترحال والرّعي إلى طور الاستقرار و الزراعة في عهد الدّولة الموحدية، خاصة بعدما أقطعهم الموحدون عامّة بلاد بني يلومي وبني وامانو، و قويت عصبيتهم وسيطروا على القبائل المجاورة لهم، و استغلوا فرصة اضطراب الدّولة الموحدية أواخر عهدها وسعوا للسّيطرة على تلمسان، فبسطوا نفوذهم على أحوازها واقتطعوا أراضيها لأنفسهم، وكان قائدهم هو جابر بن يوسف بن محمد.
3. توليهم الحكم:
في سنة 627ھ/ 1229م، قام والي تلمسان أبو سعيد عثمان أخ المأمون الموحدي بالقبض على مشايخ بني عبد الواد في محاولة منه للقضاء على نفوذهم الّذي ازداد في المنطقة، فسعى للشّفاعة فيهم أحد رجال الحامية وهو إبراهيم بن إسماعيل بن علان الصنهاجي اللّمتوني، لكن شفاعته لم تقبل، فغضب لذلك و ثار واعتقل والي تلمسان وأطلق مشايخ بني عبد الواد و خلع طاعة الموحدين، وكان الغرض من حركته نصرة ثورة بني غانية الّتي كانت تهدف إلى إحياء دولة المرابطين في بلاد المغرب.
ولما أراد إبراهيم بن علان الصنهاجي إتمام مخططه، والتخلّص من مشيخة بني عبد الواد، اكتشف أمره فقبض عليه و على أعوانه و قُيّدوا، ودخل جابر بن يوسف وإخوته مدينة تلمسان وأعاد الدّعوة للمأمون الموحدي، و أصبح أميرها من قبله، فضبط أمورها، و قام بحركة لضمّ بطون بني عبد الواد إلى سلطته، و لما أراد إخضاع مدينة ندرومة وحاصرها أصابه سهم أودى بحياته آواخر سنة 629 ھ/1231م.
بعد وفـاة جـابر بن يـوسف، خلـفه ابنه الحـسن الّذي تولـى لمدّة سـتّة أشـهر، ثمّ تخـلى عن الحكم لعمه عثمان بـن يوسـف مطلع سنة 630 ھ/1232م، وخـلفه أبو عـزة زيـدان بن زيـان، وكان قـويّا وشجـاعًا، وأطـاعته جمـيع البطون والـقبائل وامتـنع عن مبايعـته بنو مطـهر وبنو راشد، فحاربهم وقتل في إحدى المعـارك سنة 633 ھ/1235م، فخلفه يغمراسن بن زيان الذي يعتبر المؤسّس الحقيـقي للـدولة الزيانية.
4. دور يغمراسن بن زيان في تأسيس الدّولة:
هـو يغمرا سـن بن زيـان بن ثـابت بن محـمد، ولـد حـوالي 603 ھ/1206م، و تـولى حكـم إقـليم تلـمسان فـي عهـد الخليـفة الموحـدي عـبد الواحـد الـرّشيد بن المـأمون الـذي كتـب لـه بالـعهد علـى ولايـة المغـرب الأوسـط
و عاصمته تلمسان، و كان ذلك بداية ملكه.
وكان يغمراسن بن زيان يتميّز بصفات وخصال أهلته للقيام بدور كبير في وضع الأسس المتينة لدولة بني عبد الواد النّاشئة، وتميّز بمواقفه الحربية الكثيرة، خاصّة ضدّ قبائل بني توجين ومغراوة، حيث خرّب مواطنهم في محاولة منه لإخضاعهم وضمّهم إلى سلطته، كما كانت له مع بني مرين بالمغرب الأقصى عدّة حروب وكذلك مع بني حفص شرقا، ورغم هزائمه أمامهم كان يدافع عن مملكته محاولا حمايتها من الأخطار الّتي كانت تتهددها شرقا وغربًا، وبدأ في توسيع حدودها على حساب أقاليم الدّولة الموحدية الّتي كانت تتداعى إلى السقوط، ثمّ قام بإلغاء سلطة الموحدين على تلمسان واستقلّ بها مع إبقائه على الدعاء و الخطبة للخليفة الموحدي وذكر اسمه في السّكة، ونازعه بنو مطهر وبنو راشد لكنّه هزمهم، و أقام الدّولة على قواعد متينة، فاتخذ الوزراء والكتاب والقضاة ، واستمر عهده حتّى سنة 681ھ/1282م ما مكّنه من توطيد ملكه وتأسيس نظم دولة جديدة بالمغرب الأوسط.
5. حدود الدّولة الزيانية:
شغلت الدّولة الزيانية إقليم المغرب الأوسط (اقليم دولة الجزائر حاليا)، و عمل حكامها بدءًا بجدّهم يغمراسن بن زيان على توسيع حدودها و تثبيت قواعدها و ضم القبائل إلى سلطتهم.
وتمكن يغمراسن من التوسع غربًا، و صار الحد الفاصل بينه و بين دولة بني مرين بالمغرب الأقصى وادي ملوية، كما امتدّ نفوذه إلى مدينة وجدة وتاوريرت وإقليم فجيج في الجنوب الغربي.
وتوسع في الداخل وأخضع مازونة وتنس والونشريس والمدية ومواطن مغراوة وتوجين، وسهل المتيجة حتّى أطراف مدينة بجاية، أمّا جنوبًا فامتدت دولته حتّى تخوم الصحراء.
وحاول خلفاؤه تثبيت الحدود الّتي ورثوها عن مؤسّس دولتهم، وكان يغمراسن قد ترك وصية لخليفته ينصحه فيها بالتوسع على حساب الأقاليم الشرقية، واتقاء خطر بني مرين.
وفي عهد أبي حمو موسى الأوّل وابنه أبي تاشفين عبد الرّحمن الأوّل، توغلت جيوش بني عبد الواد في الأراضي الحفصية شرقا وبلغت بجاية وقسنطينة وعنابة وحاصرتها، بل وصلت مدينة تونس عاصمة بني حفص نفسها في عهد أبي تاشفين، لكنّها تراجعت إلى حدود بجاية، وكان ذلك أقصى اتساع للدولة من جهة الشرق.
لم تكن حدود الدّولة الزيانية ثابتة و مستقرّة، بل كانت بين مد وجزر تبعًا للظروف السياسية و الأخطار الخارجية، و كانت لا تتجاوز في بعض عهودها أسوار العاصمة تلمسان، مثلما حصل أيام الحصار المريني لها سنة 699 ھ إلى 706 ھ/1299 – 1307م، بل اختفت معالمها نهائيا عندما هاجمها أبو الحسن المريني سنة 737 ھ/1337م، إلى غاية إحيائها من جديد على يد أبي حمو موسى الثاني سنة 760 ھ/1359م.
و مجمل القول أن حدود الدّولة الزيانية كانت تمتد من تخوم بجاية و بلاد الزاب شرقا إلى وادي ملوية غربًا، و من ساحل البحر شمالاً إلى إقليم توات جنوبًا، و بقيت هذه الحدود في مد وجزر بسبب هجمات بني مرين غربًا و بني حفص شرقًا و كانت العاصمة مدينة تلمسان.