قال أبو نواس الشاعر:
إلهي لستُ للفردوس أهــلاً *** ولا أقوى على نـار الجحيمِ
ما تأثّرت ببيت من الشعر مثل تأثّري بهذا البيت الرائع، فقد بكيت كثيراً عند قراءته، وترحّمتُ على قائله.. فعلى الرغم من أنّه كان شاعراً ماجناً، إلا أنّ له أبياتاً جميلة مؤثّرة نابعة من الفطرة، لها في النفس وقع حسن.
ومن ذلك ما ذكره الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تاريخه أنّ أبا نواس هذا رآه بعض أصحابه في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟.قال: غفر لي بأبيات قلتها في النرجس، وهي:
تفكّر في نبات الأرض وانظـــــر *** إلى آثـار ما صنع المليــــكُ
عيـونٌ مــــن لجيــــنٍ شاخصات *** بأبصـار هي الذهـــــب السبيكُ
على قصب الزبرجد شاهدات *** بأنّ اللهَ ليس لــه شريـــكُ
فتأمّل كيف استدلّ بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، وهذه هي طريقة القرآن، وهي من أحسن الطرق في الاستدلال على توحيد الله وإفراده بالعبادة.
ومذهب أهل السنة والجماعة على أنّ من مات على التوحيد وإن كان من أهل الكبائر، فمآله إلى دخول الجنّة، بعد أن ينقّى ويطهّر في النار، وقد يتجاوز الله عنه بعمل صالح عمله..
إنّ مصيبتنا اليوم ليست مع أصحاب الشهوات كهذا الشاعر وأمثاله ـ بل كلّنا كذلك ـ، فما أقرب رجوع أهل الشهوات إلى الحقّ، وما أسرع إفاقتهم من سكر الشهوة.. لكنّ مصيبتنا اليوم مع أصحاب الشبهات الذين تشرّبت قلوبهم أفكاراً يمينية انهزامية لا تثق إلا بما هو غربي، أو يسارية ثورية بالية عفا عليها الزمن، لا تؤمن إلا بسفك الدماء، وتشجيع الثورات.
فأمثال هؤلاء ـ وإن لم يعملوا كبيرة قطّ ـ هم من أبعد الناس عن الهداية والرجوع إلى الحقّ، فهم يعتقدون أنّهم على صواب، بل إنّهم ليستميتون في الدفاع عن أفكارهم ومعتقداتهم، ويجادلون عنها، ويلمزون أهل الحقّ بأنّهم جامدون، مقلدون.
ولا سبيل إلى النجاة من الشبهات المهلكة إلا بصدق التوجه إلى الله بالدعاء بالهدى، ثمّ تفريغ القلب من تلك الشبهات، حتى يعود القلب نظيفاً كما كان، ثمّ ملء القلب بالعقيدة الصحيحة، عقيدة أهل السنّة والجماعة التي كان عليها الرعيل الأوّل من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا، ولا شكّ أنّ هذا يتطلّب جهداً ومشقّة، فما أصعب أن يتخلّص الإنسان مما علق في قلبه من الشبهات، وكلّما طعن في السنّ كان ذلك أشقّ وأصعب، لكنّه ليس صعباً على من أراد لنفسه النجاة، فالمسألة مسألة هدى وضلال، وجنّة أو نار.. والله الهادي إلى سواء السبيل.
|
بارك الله فيك وبك
كل الاحترام والتقدير
بوركتي اختاه في الله