ولكن عندما يتجاوز الطفل سن السابعة ويبدأ في التعامل مع الناس سواء في المدرسة أو في الأسرة … فإن ظاهرة الخجل هنا تكون ظاهرة مرضية بحاجة إلى علاج.
حسام …. والخجل: حسام طفل يبلغ من العمر 8 سنوات لديه موهبة في الرسم وكراسة مليئة بالرسومات الجميلة.اجتمع أفراد أسرته يومًا في بيت حسام بمناسبة عيد الفطر، وجلس الآباء والأعمام والأخوال يتسامرون .. والأولاد يلعبون .. فبادرت أم حسام وقالت: إن ابني حسام رسام موهوب.وما إن قالت هذه الكلمة حتى بدأ وجه حسام في الاحمرار، وانزوى عن الأهل وجلس بعيدًا. فقالت الأم: هيا يا حسام اذهب وأحضر كراستك لتريهم رسمك الجميل، سكت حسام وهو يبتسم ابتسامة الممتنع وهو يدقق الحاضرين بنظراته الخاطفة، والكل يلح عليه ليحضر كراسه .. وهو يمتنع .. لا لا.. لا أريد أن يرى أحد رسمي .. وأخذ يبكي ويصيح .. فقالت الأم له في إلحاح:حسنًا أرهم أنت يا حسام.فأخذ حسام الكراسة وأخيرًا أراهم رسمه، فتطايرت عليه عبارات المديح والإعجاب ولكن يظهر عدم الاهتمام واللامبالاة بتلك العبارات.
اعقد مقارنة!إن نموذج حسام يتكرر كثيرًا في مجتمعنا. ولكنك إن تأملت أبناء السلف تجد أنهم كانوا يتربون على التحرر التام من ظاهرة الخجل، ومن بوادر الانكماش والانطوائية، وذلك بسبب تعويدهم على الجرأة ومصاحبة الآباء لهم لحضور المجالس العامة وزيارة الأصدقاء ثم بالتالي تشجيعهم على التحدث أمام الكبار، ثم دفع ذوى النباهة والفصاحة منهم لمخاطبة الخلفاء والأمراء، ثم استشارتهم في القضايا العامة والمسائل العلمية في مجمع من المفكرين والعلماء’
ـ مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرة في طريق من طرق المدينة وأطفال هناك يلعبون وفيهم عبد الله بن الزبير وهو طفل يلعب, فهرب الأطفال هيبة من عمر، ووقف ابن الزبير ساكتًا لم يهرب، فلما وصل إليه عمر قال له: لِمَ لمْ تهرب مع الصبيان؟فقال على الفور: لست جانيًا فأفر منك، وليس في الطريق ضيق فأوسع لك.إنه جواب جريء وسديد، فهو يخرج من ثنايا غلام شجاع واثق بنفسه غير خجلان ولا خائف.ـ ودخل على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في أول خلافته وفود المهنئين من كل جهة، فتقدم من وفد الحجازيين للكلام غلام صغير لم تبلغ سنه إحدى عشرة سنة.فقال له عمر: ارجع أنت وليتقدم من هو أسن منك.فقال الغلام: أيد الله أمير المؤمنين. المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا منح الله العبد لسانًا لافظًا وقلبًا حافظًا، فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق منك’
وانظر إلى هذا الطفل الذي لا يخجل ولا يخاف في الحق لومة لائم، يراه الإمام أبو حنيفة وهو يلعب بالطين فقال له: ‘إياك والسقوط في الطين، فقال الغلام الصغير للإمام الكبير ‘ إياك أنت من السقوط لأن سقوط العالِم سقوط العاَلم’
ـ وتأمل هذا الغلام الموهوب الذي يجهر بموهبته ولا يخجل.يروى أن البحتري مر بجماعة من الناس فرأى بينهم صبيًا تبدو عليه مخايل الذكاء، فقال له مداعبًا: أشاعر أنت؟ قال الصبي: نعم وإنني لأشعر منك!فقال البحتري: هل تستطيع أن تجيز قولي: ليت ما بين من أحب وبيني قال الصبي: أتريد أن تقربه أم تبعده؟قال البحتري: أقربه فقال الصبي: ليت ما بين من أحب وبيني مثل ما بين حاجبي وعيني فطرب البحتري وقال: وإذا أردت أن أبعده فماذا تقول؟قال الصبي: ليت ما بين من أحب وبيني مثل ما بين ملتقى الخافقين
ها هم أطفال السلف فلماذا أطفالنا يخجلون…؟!
الخجل: أعراض ـ أسباب ـ علاج1
ـ الأعراض:1. الانطواء والانزواء.2. أحلام اليقظة.3. الحساسية الشديدة.4. القلق الشديد.5. عدم الثقة بالنفس والإحساس بالنقص.6. توقع الخطر وإن كان بعيدًا.7. الخوف من نقد الغير له.8. الامتناع عن الاشتراك مع الأقران.9. الجمود والخمول في الوسط المدرسي.10. الأنانية ومحاولة فرض رغباته على من حوله.11. التمارض لجذب الأنظار إليه.12. اللامبالاة في بعض الأحيان.أسبابه:1ـ إخفاء الأبوين لابنهما عن أعين الزائرين خوفًا من الحسد أو غيره.2ـ التدليل الزائد عن الحد فلا يجد الطفل هذا التدليل عند الأقران فينزوي.3ـ القسوة الزائدة والإكثار من زجر الطفل وتأنيبه وتوبيخه خاصة أمام الناس.4ـ انشغال الأب عنه ظنًا أن دوره جباية الأموال والصرف على العيال.5ـ الشعور بالنقص .. إما لعاهة جسدية أو عقلية أو ضعف مستواه الدراسي أو الرياضي عن أقرانه.العلاج:1ـ عدم إخفاء الأبناء عن المجتمع ومحاولة خلطهم بالرفقاء الصالحين. 2ـ التوسط في المعاملة بين التدليل والقسوة.3ـ اهتمام الأب بأبنائه منذ ولادتهم كالأم تمامًا وإحاطتهم بجو من الحب والتقدير والدفء العاطفي، لأن دور الأب في غرس معاني الشجاعة والجرأة والرجولة أكبر بكثير من دور الأم.4ـ إبراز جوانب التميز في الطفل الخجول وإشعاره بالثقة في نفسه، وإن كان ذا عاهة ذكره بأصحاب العاهات المتفوقين، فإن كان أعرج ذكره بعمرو بن الجموح، وإن كان أعمى ذكره بعبد الله بن أم مكتوم.5ـ عدم مقارنة الأطفال بمن هم أكثر حظًا منهم سواء في الاستعداد الذهني أو الجسمي فهذا يضعف ثقته بنفسه ويؤدي به إلى الخجل.6ـ عدم دفع الطفل للقيام بأعمال تفوق قدراته فليس هذا يزيد الثقة بل إن عجزه عن أدائها يصيبه بالانهزام والإحباط، بل عليه أن تدفعه إلى ما يتقنه ويجيده حتى يشعر بالنجاح.7ـ تدريب الطفل الخجول على الأخذ والعطاء وتكوين الصداقات مع أقرانه من الأطفال في الأسرة أو في المدرسة أو في نادي الشباب وفي المسجد.8ـ تشجيع الطفل على ممارسة أحد الألعاب في النادي أو ممارسة هواية ما كالرسم أو الزخرفة أو الكمبيوتر .. إلخ.9ـ الإكثار من ذكر أمثلة من السيرة وقصص الصحابة والصالحين التي تساعد على الجرأة والشجاعة كقصة عبدالله بن الزبير، وقصة معاذ ومعوذ.[من تربية الأولاد في الإسلام ـ باختصار]الخجل والحياء:علينا أن نميز بين الحياء والخجل.فالخجل: هو انكماش الولد وانطواؤه عن ملاقاة الآخرين.أما الحياء: فهو التزام الولد مناهج الفضيلة وآداب الإسلام وهو المرغوب.
مشكور على مرورك