فالحكمة هي: وضع الشيء في موضعه، قال سبحانه: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269] والحكمة عند أهل العلم إذا أطلقت انصرفت إلى مدلولين اثنين:
المدلول الأول: وضع الشيء في موضعه، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269].
المدلول الثاني: السنة، قال سبحانه: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34] وقوله سبحانه: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2] أي: السنة.
وقضية الحكمة: أن تنطلق من منطلق. أي: أن تصلح أكثر أو تحصل مصلحة أكثر من المفسدة التي تشتمل عليها، قال ابن تيمية في قاعدة نقلها السعدي عنه، ليس الفطن من يعرف الخير من الشر فجل الناس يعرفون ذلك؛ لكن الفطن الذكي من يعرف خير الخيرين وشر الشرين.
ومن مسالك أهل السنة في الدعوة: أن للخاصة دعوة خاصة وللعامة دعوة عامة، ولا أعلم أن مسئولاً إذا عرضت عليه الدعوة عرضاً طيباً كعرض موسى عليه السلام وهارون لفرعون يوم قال الله لهما: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44].
وليس كل ما يعلم يقال، وليس ما يقال للخاصة يقال للعامة، وليس ما يريد العبد أن ينفذه ينفذه بغض النظر عن المصالح المترتبة على ذلك، وهذا يعني ألا يستعجل مستعجل، وألا يطيل طائل، وألاَّ يتجنى متجنٍ على الدعوة؛ فرب كلمة منعت ألف كلمة، ورب خطوة ردت ألف خطوة.