ربما لم يتطرق أحدٌ قبل ذلك إلى تعريف الحب بنفس طريقتي،حيث سأدخل في تعريفه مدخلاً ربما يكون
فلسفياً بالدرجة الأولى، مستنداً في ذلك إلى أساسيات في علم النفس.
أعتقد أن الحب … إنما هو إشارةٌ إلى الضعف الذي يكتنف الذات الإنسانية، وباعثهٌ الأساسي هو غريزة
الموت، التي توقظ مخاوفََ عميقةٍ ودوافعَ لا شعوريةٍ في العقلِ الباطنِ للبحث عن استمرارية الحياة.
ولما كان الخلود أمرا…ً مستحيلاً، أمكنَ لمعظمِ البالِغين إدراكُ استحالته، كان لابد من البحث عن
استمرارية الحياة ولو من خلال الغير، فكان التناسل.
وما تجربةُ جلجامش في البحث عن زهرة الخلودِ إلا إشارةٌ عميقةُ الدلالة عن محاولة الإنسان الوصول
بذاتِهِ لا بسواهُ إلى هذا المبتغى، فلما يئس جلجامش، أوى مضطراً إلى أحضانِ أنثى أضعَفَته، ومنحَتهُ
شيئاً من الرضى والاطمئنان إلى خلود نفسِه في نسيلَتِه.
وهذا الذي نسميه (الحب من أول نظرة) إنما هو لحظةُ ضعفٍ عميقة، يَلوحُ فيها للإنسان شريكَهُ المحتمل …
فيقع في شراكِهِ للتَّو.
وأعتقد أن الإنسانَ لو نال الخلودَ في الحياة، لانتَفَتْ وتلاشت الغريزة الجنسيةُ التي هي في الأصل *****ٌ
لاستمرار النسل، بل وربما غابت الأعضاء التناسلية جذرياً لِعدمِ الحاجة إليها، ولأصبحَ الإنسان غيرَ مُعَرَّفٍ
(لا ذكر ولا أنثى).
ومما يؤكد هذا الدافع، (دافعُ غريزةِ حبِّ البقاء) في إيقاظِ مشاعرِ الحب تجاه الشريك الآخر، هو أن أكثر
أجزاء جسد المرأة التي تفتن الرجال، هي تلك الأعضاء المتعلقة بالتناسل:
الحوض: لأن الوليد المنتظر سيخرج من بين عظام الحوض الذي سيكون قبل ذلكَ مستقراً لهذا الجنين
النامي، ولو أن امرأةً ذاتِ حوضٍ صغير، فربما لن تجدَ من يلقي إليها بال.
الأثداء: لأن الطفل المنتظرَ أيضاً سيتغذى منها، ولذلك، ترى الرجلَ ميالٌ للأثداء البارزة.
احمرار الوجنات: لأن إشارةً غيرَ محسوسة يستشِفُّها الرجل من تلك الوجنات، بأن شريكَتَهُ صحيحة الجسم
مكتملة التغذية، قادرةً على رعاية جنين شديد التطلب.
طول رموش العين: أيضاً هو إشارةٌ إلى مستوى مرهف من الصحة، خاصة إذا علِمنا أن الرموشَ تزوي
وتتقصف عند نقصانِ العناصرِ النادرةِ في الجسم كالنحاسِ والزنكِ ووبعض الفيتامينات.
ثم إن استمرار دفء العلاقة بعد انتهاء اللقاء الجنسي، إنما هو دليلٌ على أن هناكَ شيئاً آخر يجب أن
يتعاون الشريكان لإكمالِه .. ألا وهو ثمرة هذا اللقاء الجنسي .. أي الحمل، حيث تصبح السكينةُ مهمةً
لاسترخاء أعضاء الإنثى، بحيث تعطي فرصة أسهل لولوج المني إلى حيث البويضة (غايةُ هذا اللقاء
بالفطرة).
كما أن أكثر أجزاء جسد الرجل التي تفتن النساء هي:
– العضلات المفتولة: بحيث تطمئن الأنثى إلى قدرة شريكِها على حمايتِها وحمايةِ مولودِها.
وربما خبى هذا الدافِع في وقتنا، لعدمِ وجودِ تهديداتٍ صريحةٍ وواضحةٍ كتلك التي كانت تتعرضُ لها نساء
العصر الحجري، لذلك نجد المرأة في هذا العصر تضع العضلات وقوة البنيةِ جانباً عندما تجد لطفاً وأناقةً
وجاذبية، وثقةً بالنفس عند شريكِها. كلُّ ذلك يسهمُ في طمأنتها إلى أن والدَ طفلِها على قدرٍ من الإمكانات
التي تمنحهما هي ومولودها زوجاً وأباً يمكن الإعتمادُ عليه.
وهنا تجد أن الأنثى أحرص بشكلٍ لافت على اختيار شريكها، لأنها بحكم غريزتِها تعي أنها هي التي
ستتكفل برعاية محصول اللقاء على الأقل ثلاث سنوات ما بين حملٍ وإرضاع.
ثم، من بابٍ آخر، أرى أن سكينة الرجل لأمرأته، بعد اللقاء الجنسي، إنما هي غريزةٌ دافِعُها، من بعدِ الجهد
، منحَ الطمأنينة للمرأة لتكون في وضعٍ أكثرَ استرخاءً، لذات الغاية التي سلَفَ ذِكرُها. وما الشعورُ بعدم
الرضا، وبتأنيب الضمير بعد اللقاءاتِ الجنسية العابرة، حتى عند أكثر الناس تحلُلاً، إلا دلالة فطرية على
الحاجة إلى استمرارية العلاقة أطول وقتٍ ممكن، انتظاراً لقطف حصيلتها، (من البقاء)
كلُّ ذلك لا شعورياً، وتعتملُ دوافعَهُ في العقلِ الباطن.
وأعتقدُ أن ذلك الذي لا يؤمن بالحب من أول نظرة، إنما هو إنسانٌ قوي وأكثرُ نضجاً، بحيث أمكنَهُ تغليبَ
العقلِ على الغريزة، وإدراكَ ظروفٍ أخرى تتعلقُ بالمحيط وبالشخص الآخر، ربما كان لها تأثيراً كبيراً في
استمرارية هذه العلاقة وفي نجاعَتِها.
والحبُّ من أول نظرةٍ هو استسلامٌ مطلَقٌ للغريزة من وجهةِ نظرٍ ذاتيةٍ بحتة، دون الأخذِ بعين الاعتبارظروفَ
الشخصِ اللآخرِ وميولِهِ، رغم أنه قد ينجذب إلى هذا الشريك، الذي أبدى له من النظرات وخلجات النفس
ما يغريه.
ولن اصطدام هذا الحب بالواقع هو ما يفسر حالاتِ الفشلِ الكثيرةِ التي ينتهي إليها الحب من أول نظرة.
وأخلصُ إلى أن الحبَّ في النهاية، هو حتماً حصيلة الدافع الجنسي .. الذي يمكن أن يتحور من خلال
التجربة، وبحسب التركيبة النفسية للشخص الذي يخوضها، إلى أشكالٍ مختلفةٍ من الحب.. عذريٍّ أو
ساديٍّ أو مازوخيٍّ .. أو غيره.
موجب و سالب
كالبطاريه