قـال ابن القيم "رحمـه الله " :
(( وَقَــالَ سُبْحَانَهُ {وَمن يَعـش عَن ذكــر الـرَّحْمَن نقيض لَهُ شَيْطَـانا فَهُـوَ لَهُ قـرين وإنهم ليصــدونهم عَن السَّبِيل وَيَحْسبُــونَ أنهم مهتـتدون }
فَـأخْبــر سُبْحَــانَهُ أن من ابتــلاه بقـرينـه من الشَّيَـاطِين وضــلاله بِهِ ، إِنَّمَـا كَـانَ بِسَبَب إعـراضـه وعشوه عَن ذكــره الَّذِي أنــزله على رَسُوله ،
فَكَــانَ عُقُــوبَة هَــذَا الإعــراض أن قيض لَهُ شَيْطَــانا يقــارنه فيصــده عَن سَبِيل ربه وَطَــرِيق فــلاحه ، وَهُــوَ يحْسب أنه مهتد ، حَتَّى إِذا وافى ربـه يَـوْم الْقِيَـامَة مَـعَ قـرينـه ، وعـاين هَــلَاكه وإفلاسه ،
قَـالَ: { يَا لَيْت بيني وَبَيْنـك بعد المشرقين فبئس القرين }
وكل من أعْــرِض عَن الاهتــداء بِالْـوَحْي الَّـذِي هُــوَ ذكــر الله فَـلَا بُـد أن يَقُــول هَــذَا يَــوْم الْقِيَـامَة .
فَـإِن قيــل فَهَل لهَــذَا عــذر فِي ضَــلَالَه إِذا كَـانَ يحْسب أنه على هــدى كَمَا قَـالَ تَعَالَى :{ وَيَحْسبُــونَ أنهم مهتــدون }
قيل : لَا عـذر لهَــذَا وأمثــاله من الضــلال الَّـذين منشأ ضـلالهم الإعـراض عَن الْـوَحْي الَّـذِي جَـاءَ بِهِ الـرَّسُـول ،
وَلَـو ظن أنه مهتـد ؛ فَـإِنَّهُ مفـرط بإعـراضــه عَن اتِّبَــاع دَاعِي الْهـــدى ، فَـإِذا ضـل فَإِنَّمَا أتي من تفـريطه وإعـراضــه ،
وَهَـــذَا بِخِــلَاف من كَــانَ ضـلاله لعــدم بُلُــوغ الــرسَالَة وعجــزه عَن الْـوُصُــول إليها ،
فَـذاك لَهُ حكم آخــر ،
والــوعيــد فِي الْقُــرْآن إِنَّمَا يتَنَـــاوَل الأول ،
وأمـا الثَّـانِي فَـإِن الله لَا يعــذب أحـداً إِلَّا بعــد إِقَـامَـة الْحجَّــة عَلَيْهِ ؛
كَمَا قَـالَ تَعَالَى { وَمَا كُنَّـا معـذبين حَتَّى نبعث رَسُولا }
وَقَـالَ تَعَالَى { رسلًا مبشرين ومنـذرين لِئَلَّا يكــون للنَّاس على الله حجَّـة بعـد الرُّسُل }
وَقَــالَ تَعَالَى فِي أهل النَّـار { وَمَا ظلمناهم وَلَكِن كَـانُـوا هم الظَّالِمين }
وَقَـالَ تَعَالَى{ أن تَقــول نفس يَا حسرتي على مَا فرطت فِي جنب الله وَإِن كنت لمن السَّاخِـرِينَ ، أوْ تَقــول لَــو أن الله هَــدَانِي لَكُنْــت من الْمُتَّقِيــنَ اَوْ تَقــول حِين تــرى الْعَــذَاب لَـو ان لي كـرة فَـأَكُــون من الْمُحْسِنِينَ ، بلَى قــد جـاءتك آياتي فَكَــذبت بهَا واستكبرت وَكنت من الْكَافــرين }
وَهَــذَا كثيــر فِي الْقُــرْآن .
***** دار السعادة (1/208)