بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
نحتاج كلّنا إلى التوبة ما دمنا نخطئ، فلا يجب على المرء أن يغفل عنها لأنه لا يُستثنى أحد من الخطأ، كما ورد في حديث للرسول صلى الله عليه وسلم: «كلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاء، وَخيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ». (رواه الترمذي)، فالتوبة هي السبيل لغفران الذنوب وكسب الأجر والثواب بعد الإقلاع عن المعصية التي تترتب بسببها آثارًا سلبية تجلب الشقاء لصاحبها، منها:
1. حرمان العلم والفهم، فالعلم نور الله لا يهديه للعصاة.
2. وحشة يجدها العاصي في قلبه.
3. ظلمة تلازم قلب العاصي.
4. تعسير أمور العاصي.
5. وَهْن القلب والبدن.
6. توريث الذل، لذلك كان السلف يدعون: (اللّهم أعزّنا بطاعتك، ولا تذّلنا بمعصيتك).
أولا: تعريف التوبة
لغة: تاب من مصدر توبة، معناه: رجع، آب، أناب.
واستخدم الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام هذه الأفعال، فقال الله تعالى:
﴿يَآ أَيـُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا…﴾. [سورة التحريم، الآية 8]
﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾. [سورة ق، 31-32]
﴿ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ﴾. [سورة ق، الآية 33]
﴿… وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الاَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾. [سورة ص، الآية 17]
والفرق بين المصطلحات الثلاثة هو أنّ العائد إلى الله خوفا من عذابه يوم القيامة هو التائب، والعائد إليه حياء منه هو المنيب، أما العائد تعظيما لجلال الله هو الأواب.
اصطلاحا: هي الرجوع إلى الله تعالى بترك المخالفات والإقبال على الطاعات.
ثانيا: حكم التوبة
حكم التوبة هو الوجوب، لقول الله عزّ و جلّ:
﴿… وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. [سورة الحجرات، الآية 11]
﴿ يَآ أَيـُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا…﴾. [سورة التحريم، الآية 8]
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّة». (رواه مسلم)، وفي رواية أخرى يقول عليه الصلاة والسلام: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلىَ اللهِ فِي اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّة». (رواه البخاري)
هذه الأحاديث وأخرى، كما قال الإمام النووي، تحث وتشجع على التوبة إلى الله، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو النبي المرسل المعصوم من الخطأ، يتوب إلى الله سبعين أو مائة مرة فكيف بالعبد الذي يخطئ بالليل والنهار، الغارق في الذنوب والمعاصي.
ثالثا: شروط التوبة النصوح
التوبة النصوح هي التوبة المخلصة الخالصة من الشوائب، وقد أجمع العلماء، ومنهم النووي والشاطبي والشوكاني، على أن التوبة النصوح تحتاج إلى ثلاثة شروط إذا كان الذنب الذي اقترفه العبد متعلقا بالله، وإلى أربعة شروط إذا كان الذنب متعلقا بالنّاس، وهذه الشروط هي:
1. الإقلاع عن المعصية: على العبد أن يترك الفعل القبيح ويقلع عن الذنب إذا أراد التوبة.
2. الندم على المعصية: على التائب أن يشعر بالحزن والأسى على ما ارتكبه من ذنوب.
3. العزم على عدم العودة إلى المعصية: على العبد أن يقرّر بعدم الرجوع إلى الذنب وتثبيت النية على تجديد التوبة باستمرار.
هذا، إذا كانت المعصية بين العبد وخالقه، أما إذا كانت بينه وبين الخلق فيُضاف إلى هذه الشروط تعويض الضرر -ماديا كان أو معنويا، وبتحلّله من حقوق الناس عليه يكون قد برّأ ذمته أمام الله وأمام الخلق.
ويحدد الإمام الحسن البصري شروط التوبة فيما يلي:
1. الخروج من التبعات.
2. التوجع على العثرات.
3. استدراك الفائتات، ويكون بالإكثار من الطاعات، يقول المولى عزّ وجلّ: ﴿…إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّـئَاتِ ذَالِكَ ذِكْرَىا لِلذَّاكِرِينَ﴾. [سورة هود، الآية 114]
رابعا: الترغيب في التوبة
رغم كثرة خطايا ابن آدم واجتراحه لأنواع المعاصي، إلاّ أن الله عزّ وجلّ لا يطرده من رحمته: ﴿قُلْ يَا عِبَادِي الذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىآ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا اِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. [سورة الزمر، الآية 53].
عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا». (رواه مسلم)
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ«.(رواه الإمام مسلم)
إن الله عزّ وجلّ لا يقبل توبة عبده فحسب بل يفرح بها، وفرحة الله بتوبة عبده هي فرحة إحسان وبر ولطف، لا فرحة رب محتاج إلى توبة عبده، كما أوضح ذلك ابن القيم رحمه الله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: »قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي، وَاللهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي، أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ . (رواه الإمام مسلم)
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: »يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ« . (رواه مسلم)
وفي حديث قدسي يقول الله تعالى: «إِنِّي وَالجِنُّ وَالإِنّْسُ في نبأ عظيم، أخلق ويُعبَد غيري، وأرزق ويُشكَر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرّهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغّضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل إلي تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، أهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل ذكري أهل مجالستي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، أشكر اليسير من العمل، وأغفر الكثير من الزلل…». (رواه أبو داود).
خامسا: خلاصات
1. كل فرد معرض للخطأ، لذلك لا بد من التوبة.
2. المجاهرة بالمعصية معصية أخرى، تحتاج إلى توبة.
3. الإصرار على المعصية معصية أخرى.
4. تأجيل التوبة ذنب آخر.
5. عدم احتقار الذنوب الصغيرة: يقول الحكيم: "لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت".
6. التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
7. الإكثار من الحسنات: يقول الله تعالى ﴿… إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّـئَاتِ ذَالِكَ ذِكْرَىا لِلذَّاكِرِينَ﴾. [سورة هود، الآية 114]
8- لزوم الاستغفار: عن ابن عباس –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب». (رواه أبو داود وابن ماجه).
9- لزوم سيد الاستغفار: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ». (رواه البخاري عن شداد بن أوس).
10- الدعاء بالغفران للغير لقوله تعالى: ﴿…رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الذِينَ سَبَقُونَا بِالاِيمَانِ…﴾. [سورة الحشر، الآية 10].
المصدر : الدكتور السعيد بوزري
ارجو الافادة باذن الله تعالى
تحياتي للجميع
في امان الله
سلام الله عليكم