د/ صلاح عبد السميع عبد الرازق
حقيقة ومسلمة تفرض نفسها ، وتملى علينا أن نراجع أنفسنا فيما ندرس وفيما نعلم وفيما نتصرف ، والتربية سلوك قبل أن تكون مجرد معلومات نرددها دون فهم وتطبيق .
وتقويم فى المدارس والجامعات يؤكد على ما هو معرفي ويتجاهل أهم ما في النفس البشرية وهو الجانب الوجداني والذي تعتبر الأخلاق ضمن أبعاد هذا الجانب وليس لها مكان ضمن درجات الطلاب على مستوى المراحل التعليمية ، وتلك هي الحقيقة الحاضرة والغائبة في نفس الوقت .
ومع كل يوم يمر علينا نجد وسائل الإعلام تطالعنا بنشر جرائم مختلفة بعضها يتمثل في التعدى على البيئة في صور مختلفة ( منها ما يتعلق بتهديد صحة المواطنين ويهدد الأمن القومي ) والسؤال لماذا كل هذا والإجابة مرجعها إلي غياب الضمير وغياب الخلق وتلوث الخلق هو الأساس في كل ما يحدث من مخالفات وحتى تتضح الحقيقة علينا أن نعرض لكم أبعادها .
يعد التلوث الخلقي من أخطر أنواع التلوث على الإطلاق ، ذلك لأن مسألة السلوك الأخلاقي تعد بمثابة الركيزة الأساسية التي يقوم عليها أي نشاط إنساني ، فهي القوة التي تنظم الحياة الاجتماعية من كل جوانبها التعبدية والتعاملية ، ومن هنا فإن افتقاد الإنسان للسلوك الأخلاقي الطيب ، ينعكس وبصورة سلبية على تعاملاته فربما يكون سببا في إحداث أي نوع من أنواع التلوث في البيئة التي يعيش فيها ، ولأن البيئة النظيفة تحتاج إلى إنسان لديه من القيم الخلقية ما يجعله يغار على تلك البيئة ويسعى جاهدا للمحافظة عليها ،باذلا جهده ووقته وماله من أجل خدمتها والدفاع عنها .
مما سبق يتضح لنا أن معيار الاهتمام بالبيئة يتمثل بالدرجة الأولى في وجود مجموعة من القيم الخلقية التي يتمثلها الإنسان ويعبر عنها في سلوكه ، وعلى سبيل المثال فإن قيمة النظافة تجعل الإنسان يمتنع عن إلقاء المخلفات في الشارع أو في أي مكان من الأماكن الغير مخصصة لإلقاء تلك المخلفات ، وهو على قناعة بما يفعل .
كذلك فإن الصدق كقيمة وفضيلة من الفضائل الهامة التي يتمثلها الإنسان تجعله لا يكذب أبدا مهما كانت الظروف والمبررات إلا في المواقف التي سمح فيها الشرع بالكذب والتي حددها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهى ( الإصلاح بين المتخاصمين ، وفى الحرب ، والرجل على زوجته لتدوم العشرة بينهما ). وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن أسماء بنت يزيد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: ما يحملكم على أن تتابعوا على الكذب كما يتتابع الفراش في النار، كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب، أو إصلاح بين اثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها".
وعن أهمية الخلق فقد أشاد الإسلام بالخلق الحسن ودعا إلى تربيته في المسلمين وتنمية نفوسهم ، وفى ذلك نجد الحق تبارك وتعالى قد أثنى على النبي صلى الله عليه وسلم بحسن خلقه فقال : { وإنك لعلى خلق عظيم } القلم 119)
أخرج أحمد وابن حبان عن ابن عمرو "أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: أحسنكم خلقا".
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبويعلى والطبراني بسند جيد عن أنس قال: "لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر، وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله قال: عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلها".
إن الأخلاق الإسلامية عنوانها الرحمة . الرحمة من الإنسان لأخيه الإنسان ، والرحمة من الإنسان للحيوان فلا يجهده ، أو يحمله فوق طاقته ، وقصة المرأة التي نص عليها الحديث على أنها عذبت بهرتها مشهورة ، فهي لم تطعمها ولا تركتها تأكل من خشخاش الأرض . والرحمة تكون من الإنسان للطبيعة فلا يعبث بثرواتها التي هي خيرات أمده الله بها . ويكفى أن نعلم بأن عدم التفريط بالثروة وصل لدرجة عدم الإسراف بالماء عند الوضوء حتى لو كان المسلم يتوضأ من ماء نهر جار ، والرحمة مطلوبة أيضا من الإنسان لنفسه ، فلا يطلب منه أن يحمل مالا يطيق ، فالقاعدة ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) .
إن الحاجة تبدو ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى للالتزام بالخلق الإسلامي من أجل الخروج بالبشرية كلها إلى ساحة الإنقاذ بعدما أفسدت الفلسفات الوضعية ذات المنحى المادي القيم فى معظم الأمم المعاصرة ، وشوهت صورة الأخلاق مما جعل الناس يتخبطون بما نراه اليوم من فساد ، وانتشار للرذائل ، وانهيار شامل في القيم والمثل .
ولقد جاءت الأديان كلها بالدعوة إلى الإعداد الخلقي للنّاس، وجعلته على قمة أهدافها التوجيهية والتربويّة، وقد أكّد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في قوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).
وباب الأخلاق باب كبير في السنة النبوية، وقبلها في القرآن الكريم، وقد اختلف العلماء في مفهوم الأخلاق، وعرّفوها تعريفات مختلفة؛ غير أنهم جميعاً يتفقون في صلة الأخلاق بالسلوك.
وأهمية الإعداد الخلقي للشباب أنّ الأخلاق مجالها الحياة كلّها، وسلوك الإنسان كلّه، وعلاقاته بربه وبنفسه وبالآخرين؛ بل وبالمخلوقات كلها.
فالإعداد الخلقي للشباب هو الذي يجعل من الصفات الحسنة، كالصدق والأمانة، والإخلاص والوفاء، والشجاعة والعفة، والمروءة والعدل وغيرها عادات في سلوك الشباب وحركته الدائبة، كما تجعله نافراً في سلوكه اليومي من الصفات السيئة، كالحسد والحقد، والخيانة والكذب، والظلم والغدر وغيرها، وبهذا الإعداد يتجنب الشباب مظاهر غير مرغوبة في السلوك الإنساني، كالحمق والتكبّر، والصلف والتهور، والخوف والجزع، وقبول الذل والمهانة، والخشونة والغلظة في معاملة المؤمنين.
اخى