- عبد الغني عوسات
إنَّ التَّقوى رأس كلِّ شيءٍ وجماع كلِّ خيرٍ, وهي غاية الدِّين ووصيَّة الله تعالى للنَّاس أجمعين؛ الأوَّلين منهم والآخرين, قال الله تعالى: +وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ_ [النساء: 131].
وهي أعظم وصيَّةٍ للعباد وخير زاد ليوم المعاد, وهي وصيَّة النَّبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – لأمَّته, قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «أُوصِيكُمْ بتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ…»[1]، فقد كان – صلَّى الله عليه وسلَّم – كثيرًا ما يوصي بها في خطبه ومواعظه.
وكان إذا بعث أميرًا على سريَّة أوصاه في خاصَّة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرًا[2].
ولم يزل السَّلف الصَّالح يتواصون بها كالخلفاء الرَّاشدين والأمراء والصَّالحين, فكان تمسُّكهم بها متينًا، وتواصيهم بها مبينًا, واستصحابهم إيَّاها معينًا, وكانوا يجعلونها نصب أعينهم, وميزان أقوالهم وأفعالهم في كلِّ مجالسهم ومواقفهم.
«كتب رجلٌ من السَّلف إلى أخٍ له: أوصيك بتقوى الله؛ فإنَّها أكرم ما أسررت، وأزين ما أظهرت، وأفضل ما ادَّخرت, أعاننا الله وإيَّاك عليها, وأوجب لنا ولك ثوابها»[3].
لذلك كانت وصيَّته – صلَّى الله عليه وسلَّم – لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه – بتقوى الله وجعلها مستغرقةً لكلِّ أحواله ومستحضرة في كلِّ شؤونه فقال له – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «اِتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ» أي: اتَّقه في خلوتك وجلوتك, في منشطك ومكرهك, وحلِّك وترحالك, وفي رضاك وغضبك, وشدَّتك ورخائك, فهي دليل الحذر من الشَّرِّ, وسبيل الظَّفر بالخير.
ذكر الحافظ ابن رجب – رحمه الله – نقولاً كثيرة في كتابه «جامع العلوم والحكم» تُظهر عنايةَ السَّلف بالتَّقوى ورعايتَهم لها وروايتَهم فيها ودرايتَهم بها.
|حقيقتها:
وممَّا روي وذكر عنهم في تعريف حقيقة التَّقوى وخواصِّها وبيان أصلها وحدِّها – وهي كثيرة -[4]:
قول عمر بن عبد العزيز – رحمه الله -: «ليس تقوى الله بصيام النَّهار ولا بقيام الليل والتَّخليط فيما بين ذلك, ولكن تقوى الله تركُ ما حرَّم الله، وأداء ما افترض الله».
وعلى هذا تكون تقوى الله أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقايةً تقيه منه, ولا يتأتَّى له ذلك إلاَّ بفعل الأوامر واجتناب النَّواهي, وحقيقة ذلك كلِّه في العمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا, أمرًا ونهيًا, فيفعل ما أمر الله به إيمانًا بأمره وتصديقًا بوعده, ويترك ما نهى الله عنه إيمانًا بالنَّهي وخوفًا من وعيده»[5].
وقال الحسن البصري – رحمه الله -: «المتَّقون اتَّقوا ما حرَّم الله عليهم وأدَّوا ما افترض الله عليهم»[6].
وممَّا قيل كذلك في حقيقة التَّقوى, ما قاله طلق بن حبيب – رحمه الله – – لمَّا كانت فتنة ابن الأشعث -: «إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتَّقوى؛ قالوا: وما التَّقوى؟ قال: أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نورٍ من الله تخاف عقاب الله»[7].
قال ابن القيِّم: «وهذا من أحسن ما قيل في حدِّ التَّقوى»[8].
وقال الحافظ الذَّهبي معلِّقًا على قول طلقٍ في التَّقوى: «أبدع وأوجز, فلا تقوى إلاَّ بعمل، ولا عمل إلاَّ بتروٍّ من العلم والاتِّباع, ولا ينفع ذلك إلاَّ بالإخلاص لله, لا ليقال فلان تاركٌ للمعاصي بنور الفقه, إذ المعاصي يفتقر اجتنابها إلى معرفتها, ويكون التَّرك خوفًا من الله, لا ليمدح بتركها؛ فمن داوم على هذه الوصيَّة فقد فاز»[9].
وقال ابن القيِّم كذلك: «فإنَّ كلَّ عملٍ لابدَّ له من مبدأ وغاية فلا يكون العمل طاعةً وقربةً حتَّى يكون مصدره عن الإيمان, فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض لا العادة ولا الهوى، ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك, بل لابدَّ أن يكون مبدؤه محضَ الإيمان وغايتُه ثوابَ الله وابتغاء مرضاته وهو الاحتساب»[10].
ومن خلال هذا التَّعريف والبيان لحقيقة التَّقوى تظهر عظمة شأنها في حياة الإنسان وعلوُّ منزلتها عند الواحد الدَّيَّان، وأنَّها الميزان لتفاضل النَّاس كما نصَّ القرآن, ولذلك كان مقرُّها في الإنسان القلب, الَّذي هو أعظم عضوٍ في الإنسان, والَّذي عليه مدار صلاح سائر الأعضاء والأركان حيث بصلاحه يصلح الجسد كلُّه, وبفساده يفسد الجسد كلُّه كما جاء من قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «أَلاَ وَإِنَّ فيِ الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِيَ القَلبُ»[11].
وأشار – صلَّى الله عليه وسلَّم – لَمَّا تحدَّث عن التَّقوى إلى صدره ثلاث مرَّات[12], ويؤيِّد ذلك ويؤكِّده قوله تعالى: +وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)_ [الحج].
وقال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إِنَّ الله لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنظُرُ إِلَى قُلُوبكُمْ وَأَعمَالِكُمْ»[13].
وإذا كان محلُّ التَّقوى القلب فإنَّه لا يطَّلع على حقيقتها إلاَّ الله تعالى الَّذي هو علاَّم الغيوب, قال الله تعالى: +هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)_ [النجم].
وإنَّ التَّقوى من أعظم المطالب وأكرم المكاسب, وصاحبها في أعلى المراتب, وهي ذات أهمِّيَّة عظمى في حياة العبد المؤمن.
| أهميتها:
وإنَّ ممَّا يدلُّ على أهمِّيتها ويؤيِّد القول بعظم قدرها وعموم أثرها ما يلي:
– كونها – التَّقوى – وُسمت بكلمة التَّوحيد والإخلاص وسمِّيت بها؛ قال تعالى: +إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)_ [الفتح] , قال ابن القيِّم: «وكلمة التَّقوى هي الكلمة الَّتي يتَّقى الله بها, وأعلى أنواع هذه الكلمة هي قول: «لا إله إلاَّ الله» , ثمَّ كلُّ كلمةٍ يُتَّقى الله بها بعدها فهي من كلمة التَّقوى»[14].
وقال مجاهد بن جبر: «إنَّ كلمة التَّقوى الإخلاص»[15].
– وهي كذلك ميزان التَّفاضل بين النَّاس وعنوان أهل الإكرام والإعزاز, قال تعالى: +يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)_ [الحجرات] , وما في هذه الآية يدلُّك على أنَّ التَّقوى هي المراعى عند الله وعند رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – دون الحسب والنَّسب.
– هي ميزان الأعمال وميزة حسنها وبرهان قبولها وعنوانها وشعار أهلها, قال تعالى: +إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)_ [المائدة], قال ابن القيِّم – رحمه الله -: «وأحسن ما قيل في تفسير الآية: أنَّه إنَّما يتقبَّل الله عمل من اتَّقاه في هذا العمل, وتقواه فيه أن يكون لوجهه على موافقة أمره, وهذا إنَّما يحصل بالعلم, وإذا كان هذا منزلة العلم وموقعه عُلِم أنَّه أشرف شيءٍ وأجلُّه وأفضله»[16].
– وهي وصيَّة الأنبياء لأقوامهم, فكانت محتوى بيانهم ومقتضى خطابهم, فما من نبيٍّ أرسله الله إلاَّ أوصى قومه بتقوى الله تعالى, وأكَّد في الوصيَّة لما لها من الأهمِّيَّة.
فبها أوصى نوحٌ – عليه السَّلام – قومَه, قال تعالى: +إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ (106)_ [الشعراء], وعليها قامت ودامت وصيَّةُ غيره من الأنبياء والمرسلين, قال تعالى عنهم:+إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ (124)_ [الشعراء], وقال تعالى: +إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142)_ [الشعراء], وقال تعالى: +إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161)_[الشعراء], وهكذا استمرَّت الوصيَّة بها – من قبل الأنبياء – جميعهم, وزادها النَّبيُّ محمَّدٌ – صلَّى الله عليه وسلَّم – بيانًا لعظيم شأنها وتأكيدًا على أهمِّيتها.
– وممَّا يدلُّ كذلك على أهمِّيَّة التَّقوى أمر الله لعباده عامَّةً بالتَّحلِّي بها وأكَّد ذلك للمؤمنين خاصَّة حيث أمرهم بتقواه حقَّ تقاته, وممَّا جاء في ذلك من الأدلَّة قوله تعالى: +وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)_ [المؤمنون], وقوله تعالى: +يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)_ [الزمر] , وقال تعالى: +يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)_ [آل عمران].
وكانت وصيَّةً عظيمة الشَّأن والأهمِّيَّة لما أوصى الله تعالى بها كلَّ البريَّة، فقال تعالى: +وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ_ [: 131].
– وتتجلَّى كذلك أهمِّيتها وعظمتها لمَّا أمر الله تعالى خلقه بعبادته لتحقيقها, فالتَّقوى ثمرةٌ للعبادة, والعبادةُ وسيلةٌ للتَّقوى, وممَّا جاء في ذلك من البيان ما ورد ذكره في القرآن من قوله تعالى:+يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)_ [البقرة], وقوله تعالى في آية الصِّيام وأنَّه من أكبر أسباب التَّقوى حيث قال تعالى: +يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)_ [البقرة].
وكذا أوصى الله تعالى بالتزام أمره وعدم معصيته والسَّير في طريقه وعدم الحيدة عنه, وبذلك يحقِّق العبد التَّقوى, وهي مقتضى تلك الوصيَّة حيث قال تعالى: +وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)_ [الأنعام].
| ثمـارها:
إنَّ الله تعالى أكرم أهل التَّقوى فأسبغ عليهم ثمارًا وفضائل كثيرة وعظيمةً بسبب التَّقوى, وجعل فوائدها ومنافعها كثيرةً وعميمةً في حياتهم الدُّنيا, وكذا في الآخرة.
وهذه الثِّمار كثيرة لا تحصى وغزيرة لا تستقصى, فهي أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر, فنذكر منها ما حضر على سبيل الذِّكر لا الحصر, تذكرةً لكلِّ مدَّكر ومعتبر, ونذكر من ثمرات التَّقوى ما يلي:
– أنَّ صاحبها يوفِّقه الله تعالى لتحصيل العلم النَّافع, ويجعل له بسببها نورًا يهتدي به في ظلمات الجهل والضَّلال، ويرزقه بصيرةً وفرقانًا يميِّز به بين الحقِّ والباطل, والخير والشَّرِّ, قال الله تعالى:+يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)_ [الحديد][17]، وقال تعالى: +يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا_ [الأنفال: 29].
– أنَّ الله تعالى يجعل للمتَّقي من كلِّ همٍّ فرَجًا, ومن كلِّ ضيقٍ سعةً ومخرجًا, ومن كلِّ بلاءٍ عاقبة, ومنها أيضًا تحصيل الرِّزق له, وتيسير الأمور عليه, قال تعالى: +وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ_ [الطلاق][18], وقال تعالى: +وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)_ [الطلاق], قال الرَّبيع بن خثيم: «يجعل له مخرجًا من كلِّ ما ضاق على النَّاس».
– تكفير سيِّئات المتَّقي, وتعظيم أجوره, ومضاعفة حسناته ولو مع يسر عمله, قال تعالى: +وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)_ [الطلاق].
قال ابن كثير: «أي يذهب عنه المحذور, ويجزل له الثَّواب على العمل اليسير… ».
– نيل ولاية الله تعالى الَّتي لا تنال إلاَّ بطاعته وخشيته سبحانه, وتحصل له بها البشرى في الدُّنيا والآخرة, قال تعالى: +أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ_ [يونس].
فكلُّ من كان تقيًّا كان لله وليًّا, ومن كان عن التَّقوى متخلِّيًا لم يكن لله وليًّا ولو كان بالدَّعوى متحلِّيًا, قال تعالى: +وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (34)_[الأنفال].
– بالتَّقوى ينال العبد محبَّة الله, ويكون الله معه, قال سبحانه: +إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)_[التوبة], وقال تعالى: +وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)_ [البقرة].
– نجاة العبد من النَّار بعد الورود عليها يوم القيامة بحيث يرد التَّقيُّ عليها ورودًا ينجو به من عذابها, بينما الظَّالمون يردونها ورودًا يصيرون جثيًّا فيها بسبب الظُّلم, قال تعالى: +وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)_[مريم].
– أنَّها تكون سببَ كونه من ورثة جنَّة النَّعيم, قال تعالى: +تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)_ [مريم].
– حصول العاقبة الحسنة والطَّيِّبة لهم في الدُّنيا والآخرة: +وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)_[القصص].
وإنَّ ثمار التَّقوى كثيرة وغزيرة, ومتنوِّعة متعدِّية, لا يمكن ذكرها وحصرها في هذا المقال.
وإنَّما ذكرنا بعضها على سبيل المثال حتَّى يحسن بها الامتثال فيسعد صاحبها في الحال والمآل, واللهَ نسأل أن يرزقنا التَّقوى في كلِّ الأحوال.
[1] جزء من حديث العرباض بن سارية السُّلمي, رواه أبو داود (4607) , والتِّرمذي (2676)، وقال: «حديث حسن صحيح».
[2] أخرجه مسلم (1731) من حديث بريدة – رضي الله عنه -.
[3] راجع «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (158).
[4] انظر «جامع العلوم والحكم» (168 ـ 171).
[5] «الرِّسالة التَّبوكيَّة» لابن القيِّم (43).
[6] انظر «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (170).
[7] أخرجه ابن المبارك في «الزُّهد» (1054), وهنَّاد بن السري في «الزُّهد» (522), وابن أبي شيبة في «المصنَّف» (11/ 32), وأبو نعيم في «الحلية» (3/ 64).
[8] «الرِّسالة التَّبوكيَّة» (45).
[9] «سير أعلام النُّبلاء» (4/ 601).
[10] «الرِّسالة التَّبوكيَّة» (45).
[11] «صحيح البخاري» (52) و «صحيح مسلم» (1599).
[12] أخرجه مسلم (2564).
[13] «صحيح مسلم» (2564).
[14] انظر: «الضَّوء المنير على التَّفسير» (5/ 403)، «شفاء العليل» (ص60).
[15] «تفسير القرطبي» (16/ 691) , وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عبَّاس – رضي الله عنهما -: قوله تعالى: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ بقول شهادة أن لا إله إلا الله وهي رأس كلِّ تقوى.
[16] «مفتاح دار السَّعادة» (1/ 82).
[17] قال ابن القيِّم – رحمه الله – في تفسير هذه الآية: «ضمن الله تعالى لهم بالتَّقوى ثلاثة أمور:
أحدها: أعطاهم نصيبين من رحمته؛ نصيبًا في الدُّنيا, ونصيبًا في الآخرة, وقد يضاعف لهم نصيب الآخرة فيصير نصيبين.
الثَّاني: أعطاهم نورًا يمشون به في الظُّلمات.
الثَّالث: مغفرة ذنوبهم, وهذه غاية التَّيسير, فقد جعل الله تعالى التَّقوى سببًا لكلِّ يسر, وترك التَّقوى سببًا لكلَِّ عسر» راجع «الضَّوء المنير على التَّفسير» (5/ 625).
[18] لابن الفاكهاني رسالة لطيفة جمع فيها بعض أقوال المفسِّرين في هذه الآية, ووسمها بـ: «الغاية القصوى في الكلام على آية التَّقوى».
المصدر ..موقع راية الاصلاح