لهم الفضل ، وهذا الفضل ليس بالعمل ولا بالسعى ولا بالجد والاجتهاد وإنما من كنوز المنن الإلهية ومن عين التفضلات الربانية، كما يقول بعض الصالحين: {قطرةٌ من بحر جودك تجعلُ الكافرَ وليَّـــاً والشقىَّ تقيَّـــاً} وهذا هو فضل الله: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} يونس58
ولذلك فإن أصحاب المناصب العالية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحاب الدرجات الراقية من المهاجرين والأنصار ومن بعدهم من الأولياء والصالحين إلى يوم القرار أخذوها بالفضل وإياك أن تظن أنها بالجهاد ، وأزيدك بيانا
إن الذى يدخل بالجهاد فإنه من العُبَّاد ، كالذى يُمسك بالمسبحة ويَعُد على الله تسبيحاته أو الذى يقف طوال الليل ويَعُد على الله صلواته ، إن كان قليلاً أو كثيراً، أو الذى يقرأ القرآن ويَعُد على الله ختماته ، فهل عدَّ عليك الله النعم والآلاء التى غمرك بها فى كل الأنحاء؟ بل إن مفيض الفضل والجود والنعم قد تفضل عليك بهذه النعم فضلاً منه عز وجل ولم يعايرك بسببها ولم يَعُدها عليك ولم يأمرك بتسجيلها ، وكل ما يطلبه منك أن تشكره بالكيفية التى علَّمها لك فى كتابه وعلى منهج حَبيبه صلى الله عليه وسلم
إذاً فالعطاءات الإلهية والمنن الربانية خصوصية ، والخصوصية بالفضل ، فكيف يأتى الفضل ومن أين؟ بأن يتعرض له الإنسان:
إذا تعرض عبدى لنيل فضلى تحلَّى
بحلة الحسنى منّى وبالشهود تملَّى
كيف أتعرض لفضل الله إذاً؟ يستلزم التعرض أن تُجَهَّز لمولاك ولحَبيب الله ومُصطفاه قلباً سليماً وحالاً مستقيماً وحباً لحضرة الله ولنبيه مقيماً لا يُبقى فى القلب حبَّةً لغير هؤلاء الأحبة ، وتجهيز القلب لأنه هو الذى يتعرض لفضل الله ، وفضل الله لا ينزل إلا على القلوب أما خيرات الله فهى التى تنزل على الأجسام ، لكن الفتح الإلهى والعلم الربانى والنور القدسى والكشف لا تتنزل إلا على القلوب: {القلب بيت الرب فطهره له بالحب}
فإذا صليت مثلاً ألف ركعة فى الليلة هل ينظر الله إلى السجود والركوع والتلاوة والتسبيح فى هذه الصلاة أم لغير ذلك؟ نسأل الحَبيب صلى الله عليه وسلم الذى قال: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمُ وَلاَ إِلَى? صُوَرِكُمْ وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلَى? قُلُوبِكُمْ}{1}
ينظر إلى ما فى القلب هل فيه إخلاص؟ هل فيه خشوع؟ هل فيه حضور؟ هل فيه صدق؟ هل فيه تبتل؟ هل فيه زهد فى الدنيا؟ هل فيه ورع عن الحرام؟ هل فيه الصفات النبيلة الكاملة التى كان عليها النبى وأصحابه الكرام؟ بل ما كان عليه أنبياء الله أجمعين عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام؟ هذه هى التجهيزات التى يجب أن يكون عليها القلب والتى تجعله صالحا للتعرض لفضل الله وإتحافات الله وإكراماته
فإذا أنت أتيت كل يوم ببدلة جديدة فإنها للخلق أما إذا أردت أن ترضى الحق فإنه يريد منك بدلة واحدة فقط ، بشرط أن تكون بيضاء وتُلبسها للقلب: "أحب الثياب إلى الله البياض" ولو أنك طهرَّت القلب إلى أن صار ناصع البياض كما خلقه الحق عز وجل فإن نيران المحبة تتأجج فيه وذلك لأن القلب أساساً مملوءٌ بحب خالقه وباريه ولا تنطفئ نار المحبة إلا بالمشاكل الكونية والحظوظ والأهواء الدنيوية عندما أُدخلها فى القلب ، فتضغط على الحب لله ولحبيب الله ومصطفاه وتجعل حبَّ الدنيا هو الظاهر.
والمطلوب أن ترفع هذه الغواشى من القلب ليظهر حبُّ الله لأن القلب أساساً مملوءاً بحب الله ، فقد خلقنا الله ووضع فى قلوبنا نور محبته لأنه جعلنا من أحبته ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ فَإِنْ زَادَ زَادَتْ ، فَذ?لِكَ الرَّانُ ، ثم تلا قول الله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}{2}
إذاً فقد جاء الحجاب من عند نفسك أنت ، أنت الحجاب ، فإذا رفعت الغواشى صرت من الأحباب وكُشف لك النقاب ، وأُذن لك بدخول الرحاب وتوجت بتاج أولى الألباب وفُتحت لك كنوز حضرة الوهاب وجعلك النبى صلى الله عليه وسلم لحضرته باباً من الأبواب ، هل فهمنا هذا واستوعبناه يا أيها الأحباب ، تصبح باباً لحضرة النبى صلى الله عليه وسلم
إذاً لكى يحظى الإنسان بفضل الله ويرى البشائر من رسول الله بذاته عليه أن يتعرض ، ولكى يتعرض عليه أن يدخل على دائرة القلب وينظفها ويطهرها من الدنيا والشهوات والحظوظ والأهواء ولا يجعل فيه إلا هوىً واحداً يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به}{3}
فيكون هواه تبعاً لهوى رسول الله وليس له هوى آخر ، وإذا صلحت القلوب وخلت من العيوب فوراً كوشفت بالغيوب وواجهت حضرة علام الغيوب وسكنها وحل فيها الحبيب المحبوب ، وأعطاها كل المنى والمطلوب ، لأن هذا العبد أصبح قلبه خالياً لحضرة علام الغيوب عز وجل:
فرِّغ القلب من سوانا ترانا يا مريداً جمالنا وبهانا
واعلُ فوق البراق ليلاً فإنا نتجلَّى ليلاً لمن يهوانا
{1} صحيح مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه
{2} سنن ابن ماجة عن أبى هريرة رضي الله عنه
{3} فتح البارى عن أبى هريرة رضي الله عنه
………………………… ……..
والعلم المفيد
………………………… ………
التعليق:
و كذلك ثبت من حديث أبي هريرة عند البيهقي قوله عليه الصلاة و السلام( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أحسابكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
و كان في هذه الزيادة فائدة ظاهرة في اثبات نظر الله الى الأعمال الظاهرة اضافة الى نظره الى الأعمال الباطنة و التي يطلب فيها اخلاص النية و حسن الاتباع لهدي خير البرية من حاز حقا المنن من المنان و الفضل من الكريم المتعال، حتى لا يخرج علينا من يسقط التكليف يزعم أن القلب اذا مراتب اليقين كان كفيلا بصاحبه ألا يكلف استدلالا بقوله تعالى ( و اعبد ربك حتى يائتيك اليقين) و هو خطئ في الاستدلال، اذ اليقين في الأية كما فسره الصحابة هو الموت بلا محالة.
………………………… ……..
ينظر إلى ما فى القلب هل فيه إخلاص؟ هل فيه خشوع؟ هل فيه حضور؟ هل فيه صدق؟ هل فيه تبتل؟ هل فيه زهد فى الدنيا؟ هل فيه ورع عن الحرام؟ هل فيه الصفات النبيلة الكاملة التى كان عليها النبى وأصحابه الكرام؟ بل ما كان عليه أنبياء الله أجمعين عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام؟ هذه هى التجهيزات التى يجب أن يكون عليها القلب والتى تجعله صالحا للتعرض لفضل الله وإتحافات الله وإكراماته.
………………………… …………………………
التعليق:
هذه هي العبادات القلبية الباطنية، فأين هي العبادات البدنية التي تعنى بالجوارح و تربي في القلب مثل ما سبق ذكره، هل هذه ليست محل نظر الله تعالى؟ أم أنها مجرد وسائل لا أجر عليها الا ما ولدت في القلب و الوجدان من الحال مع الله؟ و لكم أثنى الله تعالى على أنبيائه و رسله بكثير من الأعمال الظاهرة و التي لا شك تبع عن أعمال باطنة أخر، كما أنه لا شك أن الباطن يتأثر بالظاهر و هذا تقرير ما جاء في القرأن و السنة و ليس هذا محل بسط الأدلة.
………………………… ………………………… …………
فإذا أنت أتيت كل يوم ببدلة جديدة فإنها للخلق أما إذا أردت أن ترضى الحق فإنه يريد منك بدلة واحدة فقط ، بشرط أن تكون بيضاء وتُلبسها للقلب: "أحب الثياب إلى الله البياض" ولو أنك طهرَّت القلب إلى أن صار ناصع البياض كما خلقه الحق عز وجل فإن نيران المحبة تتأجج فيه وذلك لأن القلب أساساً مملوءٌ بحب خالقه وباريه ولا تنطفئ نار المحبة إلا بالمشاكل الكونية والحظوظ والأهواء الدنيوية عندما أُدخلها فى القلب ، فتضغط على الحب لله ولحبيب الله ومصطفاه وتجعل حبَّ الدنيا هو الظاهر.
………………………… ……………….
التعليق:
و السؤال بما يطهر القلب حتى يصير أبيض كالصفا، أليس العمل و الحال الصلح مع الله هو سبيل ذلك الأوحد و الأوكد؟
………………………… …………..
والمطلوب أن ترفع هذه الغواشى من القلب ليظهر حبُّ الله لأن القلب أساساً مملوءاً بحب الله ، فقد خلقنا الله ووضع فى قلوبنا نور محبته لأنه جعلنا من أحبته ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ فَإِنْ زَادَ زَادَتْ ، فَذ?لِكَ الرَّانُ ، ثم تلا قول الله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}{2}
إذاً فقد جاء الحجاب من عند نفسك أنت ، أنت الحجاب ، فإذا رفعت الغواشى صرت من الأحباب وكُشف لك النقاب ، وأُذن لك بدخول الرحاب وتوجت بتاج أولى الألباب وفُتحت لك كنوز حضرة الوهاب وجعلك النبى صلى الله عليه وسلم لحضرته باباً من الأبواب ، هل فهمنا هذا واستوعبناه يا أيها الأحباب ، تصبح باباً لحضرة النبى صلى الله عليه وسلم
إذاً لكى يحظى الإنسان بفضل الله ويرى البشائر من رسول الله بذاته عليه أن يتعرض ، ولكى يتعرض عليه أن يدخل على دائرة القلب وينظفها ويطهرها من الدنيا والشهوات والحظوظ والأهواء ولا يجعل فيه إلا هوىً واحداً يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به}{3}
فيكون هواه تبعاً لهوى رسول الله وليس له هوى آخر ، وإذا صلحت القلوب وخلت من العيوب فوراً كوشفت بالغيوب وواجهت حضرة علام الغيوب وسكنها وحل فيها الحبيب المحبوب ، وأعطاها كل المنى والمطلوب ، لأن هذا العبد أصبح قلبه خالياً لحضرة علام الغيوب عز وجل:
فرِّغ القلب من سوانا ترانا يا مريداً جمالنا وبهانا
واعلُ فوق البراق ليلاً فإنا نتجلَّى ليلاً لمن يهوانا
التعليق:
هذا الكلام من الخطورة بمكان، و هو بذاته كلام أصحاب الكشوفات الذين يزعمون تجلي رب البريات لهم و منهم من يزعم الحلول كما كان عليه الحلاج حين كان يقول و نبرء الى الله مما قال و نتعوذ بالله منه
كان يرتجز في ضلاله و غيه و جهله بل و كفره، يقول:
أنا الله و الله أنا…. نحن اثنان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته…. و إذا أبصرته أبصرتنا.
و كلام بن عربي الصوفي الذي كان من بعض كفره قوله
العبد رب و الرب عبد …. يا ليتي شعري من المكلف
ان قلت عبد فذلك حق …. و ان قلت رب فأنَّا يكلف
و أبا يزيد البسطمي كان اذ لبس جبته يقول:
ليس في الجبة الا الله. عيذا بالله.
ثم من الذي يصعد بالبوراق الى السموات العليات في الليالي الظلماء، فهل كرمة المعراج لم يخص بها
الرسول فصارت توزع على كل من أرادها، وإن أراد المؤلف صعود القلب، فقلب العبد الصادق دائما موصل بالله لا يحتاج الى كشف و لا الى تجلي مزعوم و لا الى بوراق و لا الى غير هذه الدعوى التي طالما حاربها أئمة الاسلام الأفذاذ، و أنصح بالرجوع الى كتاب تلبيس ابليس لإبن الجوزي و كتاب الفرق بين أولياء الرحمان و أولياء الشيطان لشيخ الاسلام رحمه الله ففيهما كشف هذا الضلال و غيره.
نسال الله لنا و للمؤلف و الناقل الهداية للحق و الصواب و الحماية من الغي و الضلال.