تخطى إلى المحتوى

التختُّم بالحديد والمعادن الأخرى 2024.

  • بواسطة
السؤال:
ما حكم التختُّم بغير الفضَّة (للرجال) مِن المعادن الأخرى كالحديد والبلاتين… وغيرها. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فالتختُّم بالحديد والصُّفْرِ (وهو النحاس)(١) حُكْمُه التحريم للرجال والنساء جميعًا وهو مذهب الأحناف(٢)، وهو مكروهٌ عند المالكية(٣) لكونه شرًّا مِن خاتم الذهب مِن جهةٍ، ولأنه زِيُّ أهل النار مِن جهةٍ ثانيةٍ، كما ثبت ذلك مِن حديث عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَأَلْقَاهُ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: «هَذَا شَرٌّ، هَذَا حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ»، فَأَلْقَاهُ فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَسَكَتَ عَنْهُ»(٤).
وينتفي التعارضُ مع قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في قصَّة المرأة التي أراد النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يزوِّجها أحدَ أصحابه، ولم يكن عنده مهرٌ لها: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»(٥)، حيث استُدلَّ به على جواز التختُّم بالحديد، لأنه لو كان ثَمَّ كراهةٌ لَما أشار النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالْتماسه، ووجهُ التعارض يزول بحمله على ما كان قبل التحريم إذا ما سلَّمْنا نصِّيَّتَه على إباحة الحديد، وهو ليس نصًّا في إباحته لاحتمال أنه أراد وجودَه لتنتفع المرأةُ بقيمته على ما بيَّنه ابنُ حجرٍ في «الفتح»(٦)، إذ لا يَلزم مِن جواز الاتِّخاذ جوازُ اللُّبس، وإذا لزم الترجيحُ ـ حالَ فَرَضية تعذُّر الجمع السابق بين المتعارضين ـ وجب العملُ بالدليل الرافع للبراءة الأصلية وتقديمُه على الدليل المقرِّر لها، أي: أنَّ النهي مقدَّمٌ على الإباحة والجواز كما هو مقرَّرٌ في القواعد.
هذا، والحكم بمنع الخاتم مِن الحديد فيما إذا كان خالصًا صِرْفًا، أمَّا إذا كان محلًّى بما هو جائزٌ كالفضَّة فالظاهر جوازُه لِما أخرجه أبو داود مِن أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان خاتمه «حَدِيدًا مَلْوِيًّا عَلَيْهِ فِضَّةٌ»(٧)، وتقريرُ هذا التفصيل جمعًا بين الدليلين وتوفيقًا بين متعارضين، والعملُ بالجمع واجبٌ مهما أمكن، وإلَّا ﻓ«النَّهْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الإِبَاحَةِ» وكذا «القَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الفِعْلِ» ـ كما هو معلومٌ في أصول الترجيح ـ في حالة تعذُّر العمل بالجمع.
هذا، ويُلحق بالخاتم مِن حديدٍ كلُّ ما يُلْبَس مِن المعادن المعدودة مِن حلية أهل النار لعلَّة تحريم التشبُّه بهم، والظاهر أنَّ النحاس والصُّفْر معدودٌ مِن لباسهم على ما ورد مِن تفسيرٍ للآية: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾ [الحج: ١٩] على أنها ثيابٌ مِن نحاسٍ مفصَّلةٌ مِن النار لكونه أشدَّ حرارةً إذا حَمِيَ(٨).
أمَّا ما لم يكن مِن زيِّ أهل النار فالراجحُ جوازُه إذا لم يكن على وجهٍ يختصُّ بالنساء إعمالًا للأصل في العادات والأشياءِ المنتفَع بها أنه على الإباحة.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٣ رجب ١٤٢٠ﻫ
الموافق ﻟ: ١٣ أكتوبر ١٩٩٩م

(١) انظر: «مقدِّمة فتح الباري» (١٤٤).

(٢) انظر: «الهداية» للمرغيناني (٤/ ٨٢).

(٣) انظر: «الفواكه الدواني» للنفراوي (٢/ ٤٠٤).

(٤) أخرجه أحمد (٦٥١٨) مِن حديث عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما. وصحَّحه الألباني في «غاية المرام» (١/ ٦٧).

(٥) أخرجه البخاري في «النكاح» بابٌ: السلطان وليٌّ (٥١٣٥)، ومسلم في «النكاح» (١٤٢٥)، مِن حديث سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما.

(٦) «فتح الباري» لابن حجر (١٠/ ٣٢٣).

(٧) أخرجه أبو داود في «الخاتم» بابُ ما جاء في خاتم الحديد (٤٢٢٤)، والنسائي في «الزينة» باب لُبس خاتم حديدٍ ملويٍّ عليه بفضَّةٍ (٥٢٠٥)، مِن حديث معيقيبٍ رضي الله عنه. وقد ذكر الحافظ ابن حجرٍ ـ رحمه الله ـ في «فتح الباري» (١٠/ ٣٢٢) لهذا الحديث ثلاثةَ شواهد، وحسَّنه الألباني بشواهده في «آداب الزفاف» (٢١٩).

(٨) انظر: «تفسير ابن كثير» (٣/ ٢١٢).

المصدر..موقع الشيخ فركوس حفظه الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.