والاستدامة تدخل في نظرية المقاصد في العدل كمقصد وحفظ المال، ومراتب هذا الحفظ من حفظ بقاء لحفظ أداء لحفظ نماء. والقيم الأخلاقية لا تقتصر على المسئولية تجاه الأجيال بل المسئولية أمام الله بالأساس عن الموارد والكائنات، بدءاً من التوجيه النبوي بعدم الإسراف في الماء ولو للوضوء، مروراً بالرحمة الواجبة بالحيوانات التي قد تدخل الجنة ونقيضها قد يدخل النار-مع تسخيرها للإنسان للأكل والانتفاع-، وأخيرًا -وليس آخرًا- بالتواصل مع كل مكونات الكون النباتية بل و الجمادات التي يؤمن الإنسان بأنها تسبح لله.
ويحكم الإنسان في كل موقف ميزان الضرر والنفع، في الحال والمآل.
والأمة توفر لسياسات البيئة التمويل عبر الأوقاف ، وتضمن الالتزام بالقواعد والنظم بالقانون، والأهم من ذلك عبر إدماجها في السلوكيات والآداب اليومية العبادية والفردية والجماعية.
وفي مقابل رؤية الأيدلوجيات للبيئة كدائرة حيوية يجعلها الإسلام أمانة على الإنسان التعامل معها بمنطق العمارة، والإنسان هنا يحمل قيمًا ربانية، ويستوي في حملها الرجال والنساء؛ فليست المرأة أقرب للطبيعة من الرجل، ولا هو أكثر إفسادا لطبع فيه من النساء كما تذهب النسوية، بل المناط التقوى والالتزام بالعدل والقسط، والرحمة صفة المؤمن وليست شيمة النساء، وهكذا في كل قضية تندرج تحت نظرية البيئة وتجد لها في خريطة الفكر والفقه الإسلامي موضعًا يرتبط بملامح تلك الخريطة المتأسسة على عقيدة التوحيد لله الأعلى الذي خلق الإنسان ويسأله في يوم لقيامة عما استرعاه.
ومناللافت أن أجندة التيارات الإسلامية السياسية المعاصرةلم تستنبط هذه المقاصد المرتبطة بالبيئة، وتصوغها بلسان معاصر تأسيسًا علىتراث غني، بل انصرفت لرؤية مركزية للدولة، وبالتالي لتعريف ضيق للسياسة همّش قضاياالبيئة رغم كونها من أولويات المشروع الحضاري الإسلامي في الواقع البيئي الدوليالراهن.