فما هي هذه النظائر المشعة ومن أين أتت…؟
I- إنها ظاهرة النشاط الإشعاعي ….
كانت هذه الظاهرة وما ينتج عنها من إشعاعات موجودةً في الطبيعة قبل وجود الحياة على وجه الأرض بزمن طويل, بل ويعتقد أن الإشعاع كان أحد نواتج الانفجار الأعظم الذي صاحب خلق الله للكون منذ حوالي عشرين ألف مليون عام. اكتشف ظاهرة النشاط الإشعاعي العالم الفرنسي هنري بكرل عام 1896 ثم تلته العالمة البولونية ماري كوري التي تابعت العمل في هذا الطريق ،وهي التي اشتقت التعبير " النشاط الإشعاعي Radio Activity " للدلالة على مقدرة نوى بعض الذرات على التحول التلقائي إلى نوى أخرى, يرافق هذه العملية صدور أشعة عُرِفت وحُدِدت فيما بعد [1].
قبل اكتشاف هذه الظاهرة كانت غالبية العناصر الموجودة في الطبيعة المكونة للجدول الدوري مثل الأوكسجين والهيدروجين والنحاس والحديد والكبريت واليورانيوم معروفة, وكان يعتقد أنها تشكل اللبنات الأساسية في بناء الوجود المادي ، وأن لكل عنصر حالة واحدة يظهر بها تحدد خواصه الكيميائية والفيزيائية وتؤهله لاحتلال خانة معينة – دون غيرها – في هذا الجدول ، لكن اكتشاف هذه الظاهرة أكد وجود أكثر من حالة فيزيائية ( نووية ) لكل عنصر من العناصر سميت هذه الحالات " النظائر" .
والنظائر لعنصر واحد تحتل المكان نفسه في الجدول الدوري، فمثلاً للهيدروجين ثلاثة نظائر هي: التريتيوموالدوتيرريوموالهيدروجين تقع في الخانة الأولى من الجدول الدوري, وللأكسجين سبعة.
تختلف نظائر العنصر الواحد في خواصها النووية على الرغم من تطابق خواصها الكيميائية. من هنا جاء اهتمام علم الفيزياء النووية بالنظائر فيما يقابل اهتمام علم الكيمياء بالعناصر.
الأول : " نظائر مستقرة " وهي لا تتغير أبداً وتشكل غالبية العناصر الموجودة في الطبيعة وتكون نسبتها إلى بعضها من أجل عنصر محدد ثابتة .
الثاني : " غير مستقرة أو مشعة " وهي أقل وفرة في الطبيعة من النظائر المستقرة, ويرجع سبب عدم استقرارها لوجود طاقة زائدة داخل نوى ذراتها ما يجعلها تسعى دائماً وبشكل تلقائي للتخلص من هذه الطاقة، وعندما تطلقها أو تطلق جزءاً منها نقول أنها تفككت أو اضمحلت، وبالنتيجة تنتقل نواة الذرة من حالة إلى حالة أخرى إذا أصدرت أشعة غاما أو أنها تتحول إلى نظير آخر إذا أطلقت أشعة ألفا أو أشعة بيتا .
ولقد اكتسبت بعض هذه النظائر شهرة فائقة للاستفادة منها في الأغراض السلمية في أكثر من مجال: تستخدم في الطب لمعالجة بعض الأمراض مثل اليود المشع وفي الزراعة للحفاظ على الأغذية وفي مجال الصناعة للحصول على الطاقة الكهربائية مثل اليورانيوم [ 4 ].
للدلالة عن الزمن اللازم لإنجاز هذا التحول أدخل مفهومي العمر الوسطي τ وعمر النصف .
أما الإشعاعات الناتجة وهي أشعة ألفا أو بيتا أو غاما فلكل منها خواصها الفيزيائية المحددة
أشعة ألفا : وهي نوى ذرات الهليوم أي أنها موجبة , تمتلك قدرة فائقة على تأيين ذرات أخرى, لكنها ضعيفة يمكن حجبها بقطعة من الورق المقوى أو برقيقة من الألمنيوم سمكها 0.06 ملم .
أشعة بيتا : وهي على نوعين سالبة ( إلكترونات ) وموجبة ( بوزترونات ) أقل مقدرة على التأيين لكنها أقدر على اختراق الأجسام فنحن بحاجة إلى رقيقة من الألمنيوم سمكها 3 ملم لحجبها .
أشعة غاما : تمتاز بقدرتها على اختراق الأجسام ولحجبها نحتاج صفيحة من الحديد سمكها 30سم.
وهكذا فإن مقدرة المواد على إضعاف الأشعة أو حجبها مختلف, وهذا ما يوضحه الشكل ( 1 ).
تقاس طاقة الأشعة بوحدة تدعى " المليون إلكترون فولط " والجدير ذكره أن العلاقة بين سمك المادة الحاجبة ( الموقفة ) للأشعة وطاقة هذه الأشعة ليست خطية, بمعنى أنه إذا احتجنا صفيحة من الرصاص سمكها 10سم لحجب أشعة ( ؟ ) من نوع معين طاقتها 2 مليون إلكترون فولط فليس بالضرورة أن يكون سمك صفيحة الرصاص المناسبة لحجب أشعة من النوع نفسه طاقتها 8 مليون إلكترون فولط مساوياً 40 سم. أما الشدة الإشعاعية ( عدد النوى المتفككة خلال وحدة الزمن ) لعينة مشعة ما فتقاس بوحدة تدعى " الكوري " [ 1 ].
عندما تصطدم هذه الأشعة – أياً كان نوعها– بطاقة مناسبة بالمادة فإنها تتفاعل معها محدثة تغيرات فيها. تبدأَُ هذه التغيرات من رفع درجة حرارة الجسم وتنتهي بتغيير تركيب نوى بعض ذراته, يطلق على هذه العملية التأثير المتبادل بين الإشعاعات والمادة [ 2 ].
يتراوح عمر النصف للنظائر بين ( ) ( أي ثلاثة أجزاء من الميكرو ثانية ) للنظير ( ) و ( سنة ) ( 14 مليار عام ) لليورانيوم 238 ويصل إلى ( سنة ) للنظير 204 للرصاص .
وهكذا نجد أنه يوجد في الطبيعة نظائر عمر النصف لها أطول من العمر الافتراضي للأرض الذي يقدر بحوالي ( عام ) (مائة مليون عام ) أهمها اليورانيوم ( ) والثوريوم ( ) والأكتينيوم ( الأكتينيويورانيوم ) ( ) .
يتفكك كل من هذه النظائر متحولاً إلى آخر نشط – ينتج عن كل تحول أشعة ألفا أو أشعة بيتا السالبة – وهكذا إلى أن نصل في النهاية إلى نظير مستقر هو أحد نظائر الرصاص. قد يصل عدد هذه النظائر الناتجة عن تفكك نظير محدد إلى خمس عشر نظيراً فتشكل معاً ما يسمى " سلسلة إشعاعية " (أسرة إشعاعية) يكون النظير الأول هو الجد الأكبر في السلسلة [ 1 ].
تعتبر السلسلتين الأولى والثانية المصادر الأهم للإشعاع الأرضي في الطبيعة, أما السلسلة الأخيرة فهي أقل أهمية لأن الجد الأكبر لها نادر الوجود في الطبيعة. يضاف إلى هاتين السلسلتين بعض النظائر المشعة الهامة لأنها تتشكل باستمرار في الطبيعة:
– البوتاسيوم ( ) ( ) .
– الكربون ( ) ( ) يتشكل من تفاعل الإشعاع الكوني مع الغلاف الجوي للأرض .
– التريتيوم ( ) ( ) زادت نسبته بعد عام 1952 بسبب التفجيرات التي صاحبت اختبار الأسلحة النووية .
يتواجد اليورانيوم في الطبيعة بتراكيب كيميائية مختلفة الجدول ( I ) وفي مواقع جيولوجية متنوعة, ويتواجد الثوريوم في رسوبيات المونازيت. تذوب بعض هذه المركبات الكيميائية في الظروف الطبيعية بالماء فتنتقل من فلذاتها وتسير مع الماء إلى الأنهار لتصب في البحار والمحيطات مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الإشعاع على طول مجرى النهر وعند المصب ، وذلك بسبب تفاعل الأشعة الناتجة عن التفكك مع نوى ذرات النظائر المستقرة التي تصادفها وتتفاعل [ 4 ] معها محولة إياها إلى نظائر نشطة تساهم في زيادة نسبة الإشعاع في الطبيعة في تلك المناطق.
II – الأشعة الكونية :
وهي الأشعة التي تفد إلينا من الفضاء الخارجي ومصدرها المجرات والشمس، وتقسم إلى ثلاثة أنواع:
– الأشعة الكونية الأولية: وتتألف من 87 % بروتونات و 12 % جسيمات ألفا و1 % نوى عناصر ثقيلة مثل الكربون والأكسجين والنتروجين والكالسيوم والحديد ، وتتواجد على ارتفاع 50 كم فأكثر وتقل كثافتها كلما اقتربنا من سطح الأرض.
– الأشعة الكونية الثانوية: وهي نتاج تفاعل الأشعة الكونية الأولية مع الغلاف الجوي للأرض ، وتتألف من فوتونات (إشعاع كهرطيسي ) وإلكترونات و بروتونات ونيترونات, وتزداد كثافتها كلما اقتربنا من سطح الأرض, فهي تتواجد على ارتفاع 20 كم فأقل . وفيما بين هذين الارتفاعين نجد خليطاً من نوعي الأشعة .
– الأشعة الشمسية : وهي عبارة عن بروتونات تتدفق خارجة من الشمس عقب انبعاث توهجات نيرا نية تظهر على هيئة لسان كبير من سطحها, جزء من هذه الأشعة تكون طاقته كبيرة بحيث تكفي لإحداث تغيرات على سطح الأرض يمكن كشفها.
تشكل الأشعة بشقيها الأرضية والكونية " الخلقية الإشعاعية" التي تعبر عن مستوى ( معدل)الإشعاع في الطبيعة ، وهو يختلف باختلاف المنطقة والموقع والزمن . لمعرفة تأثير هذه الأشعة وضعت تعاريف وأدخلت وحدات تسهل تناول هذا الموضوع أهمها :
-" الجرعة الممتصة " وهي تعبر عن الطاقة المنتقلة إلى وحدة الكتل من المادة المنقولة إليها وتقاس " بالغري " (GY).
-" مكافئ الجرعة " الذي يصف التأثير البيولوجي لنوع معين من الأشعة على نوع محدد من المادة أو العضو ويقاس " بالسيفرت " (SV).
ويشار إليهما "بالجرعة " اختصاراً وتبقى الوحدة هي المميز لنوع الجرعة.
-[ 1 ] الفيزياء النووية, د. فاطمة الحلموشي وزملائها, منشورات جامعة البعث ( 1995)
-[ 2 ] الفيزياء النووية, د. حسين اسكيف, منشورات جامعة حلب (1994)
-[ 3 ] الفيزياء النووية, د. حسين اسكيف, منشورات جامعة حلب (1994)
-[ 4 ] الفيزياء النووية, د. حسين اسكيف, منشورات جامعة حلب (1994)
-[ 5 ] الفيزياء النووية, د. حسين اسكيف, منشورات جامعة حلب (1994)