ويقول سيد رحمه الله تعالى :[ وإن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض … لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال فقد تكون به ، وقد لا يكون معها . وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة . فيها الاتصال بالله والثقة به ، والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه .. وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة ، وسكن البيوت ومودات القلوب ، وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة ] .
يقول ابن القيم رحمه : و الإقبال على الله تعالى ، و الإنابة إليه ، و الرضى به و عنه
و امتلاء القلب من محبته و اللهج بذكره و الفرح و السرور بمعرفته : ثواب عاجل
و جنة ، و عيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البته .
سمعت شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله روحه يقول : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .
و قال لي مرة : ماذا يصنع أعدائي بي أنا جنتي و بستاني في صدري أين رحت فهي معي لا تفارقني ! أنا حبسي خلوة و قتلي شهادة و إخراجي من بلدي سياحة .
و يقول : المحبوس من حبس قلبه عن الله و إن المأسور من أسره هواه .
يقول ابن القيم : و علم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه مع ما كان فيه من ضيق العيش و خلاف الرفاهية و النعيم بل ضدها و مع ما كان فيه من الحبس و التهديد و الإرهاق و هو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً و أشرحهم صدراً و أقواهم قلباً و أسرهم نفساً تلوح نضرة النعيم على وجهه .
و كان بعض العارفين يقول : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا عليه بالسيوف .
و قال آخر : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها و ما ذاقوا أطيب ما فيها؟ قيل : و ما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله و معرفته و ذكره أو نحو هذا .
وقال الآخر : إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً .
وقال آخر : إنه لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب .
يقول أحد التائبين من التفحيط : يا شباب الإسلام لن تجدوا السعادة في السفر و لا في المخدرات و التفحيط ، لن تجدوها أو تشموا رائحتها إلا في الالتزام و الاستقامة و في خدمة الدين .
و تقول فتاة تائبة : فيا من تبحثون عن السعادة عن الاستقرار النفسي عن الطمأنينة عن النقاء عن الصفاء عن المعاني الإنسانية لا تبتعدوا كثيراً ستجدون ظالتكم بين أيديكم في القرآن الكريم في تعاليم الدين قال تعالى وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً)(الاسراء:82)
أخي المبارك هذه حياتهم و جنتهم التي هي بوابة لجنة الآخرة فهيا بارك الله فيك تقدم و اعزم على الاستقامة و لا تتردد .
قال لي و الشوق يحلق به في سماء التائبين : و لكن هل سيتوب الله علي و قد فعلت من الجرم ما تستحي منه السماوات و الأرض ؟
اقتربت منه و وضعت يدي على كتفه و قلت له : كيف لا يقبلك الله و قد و سعت رحمته كل شيء ؟
كيف لا يقبلك سبحانه و هو القائل عز وجل : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53)
كيف لا يقبلك و هو القائل : ( …يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى أغفر لكم …) رواه مسلم
كيف لا يقبل توبتك و هو القائل عز وجل : ( يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي و الدارمي و أحمد
أخي الحبيب المبارك أتعلم أن الله عز و جل يفرح بتوبتك فرحة عظيمة و هو الغني سبحانه و لكن رحمته بعباده و رأفته بهم تجعله يفرح بتوبة أحدهم
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده ) رواه البخاري و مسلم
أخي الحبيب هيا تقدم أغسل قلبك من نهر التائبين هيا فر إلى ربك عز وجل لتظفر بخيري الدنيا و الآخرة هيا انظم إلى قوافل التائبين و ركب المنيبين
أخي أصغي إلي أزف إليك بشرى عظيمة بشرى من ربك الكريم الجواد الرؤوف الرحيم الذي قال : ( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (النساء:27)
إنها بشرى أرحم الراحمين هدية لجميع المذنبين تريحهم من أثقال الذنوب و آصار الخطايا و حر الآثام السالفة بل تحيلها إلى مصدر للفرح و السرور ، تلك البشرى هي أن الله يبدل السيئات إلى حسنات كما قال سبحانه وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان : 68ـ70)
عن أبي طويل شطب الممدود أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
( أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة [ أي لا صغيرة و لا كبيرة ] إلا أتاها [ و في رواية إلا اقتطعها بيمينه لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم ] فهل له من توبة قال : ( فهل أسلمت ) قال أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله قال : (تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن ) قال : وغدراتي وفجراتي قال : نعم قال الله أكبر فما زال يكبر حتى توارى ) رواه الطبراني قال ابن حجر هو على شرط الصحيح .
قال والبشر يلوح على محياة و عيناه تذرف بالدموع : كل سيئاتي السابقة كل جرمي و زللي يبدلها إلى حسنات! ما ارحم الله علي و ما أرأفه بي و ما أعظم إمهاله .
قلت له : أخي الحبيب هيا بادر إلى التوبة
و جد و سارع و اغتنم زمن الصبا *** ففي زمن الإمكان تسعى و تغنم
و سر مسرعاً فالسير خلفك مسرعٌ *** و هيهات ما منه مفر و مهزم
فهن المنايا أي واد نزلته *** عليها القدوم أم عليك ستقدم
هيا أخي ضع يدك في يدي لا تتردد أو تتأخر .
ارتمى في أحضاني وهو ينشج بالبكاء و يردد جزاك الله خيراً جزاك الله خيراً اشعر
و كأني ولدت من جديد ، أشعر أني مخلوق آخر ، أين حياة الضنك التي كنت أعيشها ؟ أين البؤس و الشقاء الذي كان يلازمني ؟ أشعر بسعادة عظيمة لم اشعر بها من قبل .
قلت له أخي المبارك : إذا كانت هذه لذة التوبة فما بالك بلذة الاستقامة على أمر الله
قال لي : أعدك أن أسلك طريق الاستقامة و لا أحود عنه أبداً بإذن الله تعالى ،و لكني أطلب منك أموراً . بادرته و ما هي ؟
قال : أطلب منك أولاً : أن تكثر لي من الدعاء لي بالاستقامة و الثبات عليها .
ثانياً : أن يدوم الاتصال بيننا فقد أنست بك و أنا مدين لك بالفضل بعد الله في إنقاذي من حياة الشقاء .
و ثالثاً : أن توصيني بأمور أبدأ بها حياة الاستقامة .
قلت له : لك علي أن أشركك مع نفسي و أهلي و أحبتي في الدعاء ، وأن يستمر بيننا اللقاء ، أما الوصايا فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل و المحافظة على الفرائض و الإكثار من النوافل و ملازمة القرآن تلاوة و حفظاً و تدبراً .
و أوصيك بمداومة الذكر و بر الوالدين و صلاة الأرحام و حسن الخلق و الحفاظ على عمك الانتظام فيه ، و أحذر ثم أحذر ثم أحذر من رفقاء السوء فإنهم أس كل بلاء واختر لك رفقة صالحة تعينك على طريق الهداية : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف: