تخطى إلى المحتوى

الاذكار بعد الصلاة المفروضة 2024.

  • بواسطة
ملخص الخطبة

1- الحث على الإكثار من ذكر الله تعالى. 2- مشروعية الذكر بعد كثير من أنواع العبادات. 3- الأذكار المسنونة بعد الصلاة المكتوبة. 4- مسائل متعلقة بكيفية التسبيح.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بذكره وعلَّق الفلاح في الدنيا والآخرة بالمداومة على ذلك والإكثار منه، وقد ورد ذلك كثيرًا في القرآن الكريم وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ ٱلَّذِى يُصَلّى عَلَيْكُمْ وَمَلَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) [الأحزاب: 41-42]، وقال تعالى: (ٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مّنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ) [الأعراف: 205]، وقال عز وجل: (وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 10]. وأثنى سبحانه على عباده المسلمين والمسلمات من الجنسين الذكور والإناث، وفي نهاية الآية الكريمة قال تعالى: (وَٱلذاكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَٱلذاكِرٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35]. فهنا وعدهم أحسن الجزاء على ذكرهم له تعالى كثيرًا، كما توعد سبحانه في المقابل مَنْ لَهَا عن ذكره بأشدّ الوعيد فقال جل وعلا: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ) [المنافقون: 9].
إن ذكر الله تعالى أكبر من كل شيء، فبعد أن ذكر إقامة الصلاة أخبر تعالى بأن المقصود من العبادات والطاعات على اختلاف أنواعها هو إقامة ذكره تعالى: (ٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
ولو تتبعنا الآيات الواردة في الذكر عمومًا لطال بنا المقام حيث المقصود هنا هو إثبات الذكر عقب العبادة بأنه أمر مطلوب ومندوب، فعلى المسلم أن لاَّ يغفله وأن لاَّ يتهاون به، وخاصة بعد الصلوات، وهو موضوع خطبتنا هذه، فالدليل على الذكر في ختام الصيام قوله تعالى بعد ذكر الصوم: (وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، وفي ختام الحج قوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة: 200]، والذكر ختام الصلاة وبعد الانتهاء منها قول الله تعالى: القعدةوَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِالقعدة [ق: 40]. فالذكر يختم به المسلمُ صلاتَه حتى في حالة الحرب مع العدو بعد صلاة الخوف على أي حال يكون عليه قائمًا أو قاعدًا أو على جنب، وعند الاطمئنان عليه أن يقيم الصلاة حق الإقامة، ومنها ذكره سبحانه وتعالى، فقال عز وجل بعد ذكره صلاة الخوف حال الحرب مع العدو: القعدةفَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰبًا مَّوْقُوتًاالقعدة [النساء: 103]. وأمر الله المؤمنين المقاتلين بذكره عز وجل كثيرًا عند لقاء العدو فقال تعالى: القعدةيَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَالقعدة [الأنفال: 45]. والذكر أيضًا هو ختام صلاة الجمعة فقال تعالى: القعدةفَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَالقعدة [الجمعة: 10]. فذكر الله تعالى عقب الصلاة المفروضة مطلوب من المسلم أن يفعله ليحوز بذلك على الأجر العظيم في الوقت الذي يحرص الشيطان الرجيم على تذكير المصلي حاجته واستعجاله له لِيُفَوِّتَ عليه الفرصة ليكون المسلم هو الخاسر في هذه الحال في الظاهر والشيطان هو الرابح مع أنه صاحب الخسران المبين لأنه استطاع أن يبعده عن ذكر الله تعالى.
وأورد بعض الأحاديث في الأذكار المشروعة عقب الصلوات ليحافظ عليها المسلم من أجل أن يضيف رصيدًا عظيمًا من الحسنات إلى أعماله الصالحة في كل يوم ليغفر الله ذنوبه ويرفع درجته في الجنة إن شاء الله، عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا، وقال: ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام))، قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث: كيف الاستغفار؟ قال: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أستغفر الله، أستغفر الله.
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دبر كل صلاة حين يسلم: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون)). قال ابن الزبير: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلميهلل بهن دبر كل صلاة.
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مُعَقِّبَاتٌ لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاثًا وثلاثين تسبيحة، وثلاثًا وثلاثين تحميدة، وأربعًا وثلاثين تكبيرة)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين تسبيحة وحمد الله ثلاثًا وثلاثين وكبر الله ثلاثًا وثلاثين وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غُفِرَتْ خطاياه وإن كانت مثلَ زبد البحر)).
وقد وردت عدة أحاديث في التسبيح والتحميد والتكبير بروايات عِدَّة وعَدَدٍ مُغَايِرٍ فيعمل بما تيسر منها، وكذلك العمل بها ولو مرة، واتباع الأكمل في العدد هو الأفضل عندما يكون الخبر في ذلك صحيحًا.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ آية الكرسي دبرَ كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت))، وعن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ آية الكرسي في دُبرِ الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى)).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين دُبرَ كل صلاة. وفي رواية لأحمد وأبي داود: بالمعوذات.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يومًا ثم قال: ((يا معاذ، والله إني لأحبك))، فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله إني لأحبك، قال: ((أوصيك يا معاذ، لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) رواه أبو داود والنسائي واللفظ له وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين"
هذا الذكر للصلوات الخمس، ولكن هناك زيادة في صلاتَي الفجر والمغرب وهي قراءة المعوذات ثلاث مرات بدلاً من مرة واحدة، وقَوْل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير عشر مرات، وقول: اللهم أجرني من النار اللهم إني أسألك الجنة ثلاث أو سبع مرات بعد صلاتي الفجر والمغرب كما ورد تحديدها في الحديث التالي ذكره، أو قولها في غير هذين الوقتين كما ورد في إطلاق نص الحديث:
عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال قبل أن ينصرف ويثني رجليه من صلاة المغرب والصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له بكل واحدة عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفع عشر درجات، وكانت له حِرْزًا من كل مكروه، وحِرْزًا من الشيطان الرجيم، ولم يَحِلَّ لذنب أن يدركه إلا الشرك، وكان من أفضل الناس عملاً إلا رجل يفضله يقول أفضل مما قال)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما استجار عبد من النار سبع مرات إلا قالت النار: يا رب، إن عبدك فلانًا استجار مني فأجره، ولا سأل عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة: يا رب، إن عبدك فلانًا سألني فأدخله الجنة)) رواه أبو يعلى بإسناد على شرط البخاري ومسلم. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أجره من النار)) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". وورد من حديث مسلم بن الحارث أنّ رسول الله القعدة قال: ((إذا انْصَرَفْتَ من صلاة المغرب فقل: اللهم أجرني من النار سبع مرات، فإنك إذا قلت ذلك ثم مِتَّ من ليلتك كتب لك جوار منها، وإذا صليت الصبح فقل كذلك، فإنك إن مِتَّ من يومك كتب لك جوار منها)).
وورد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي القعدة إذا فرغ من صلاته يقول: ((سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين)). وهذا الذكر أيضًا وارد في ختام المجلس الذي يذكر الله تعالى فيه وهو عام، ويكون بهذا خاتمًا وطابعًا على الذكر بعد الصلاة إن شاء الله.

القعدة

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه.

أما بعد: فتعميمًا للفائدة وتذكيرًا بما سبق عن الذكر بعد الصلاة ألخصه فيما يلي:
أولاً: الاستغفار ثلاثًا، ثم قول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له… إلى آخر ما ورد في الحديث.
ثانيًا: التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثًا وثلاثين، وتمام المائة قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
ثالثًا: قراءة آية الكرسي ثم سورة الإخلاص والفلق والناس مرة واحدة، وقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. كلُّ ما تقدم ذكره بعد كل صلاة مفروضة.
رابعًا: أما بعد صلاة الصبح والمغرب فيُقال عشر مرات زيادة على ما تقدم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وثلاث مرات للمعوذات أي: الإخلاص والفلق والناس.
أما قول: اللهم أجرني من النار اللهم إني أسألك الجنة سبع أو ثلاث مرات بعد المغرب والصبح فَإِنْ حافظ عليها المسلم فلا بأس بذلك إن شاء الله كما ورد في الحديث السابق ذكره في الخطبة الأولى، وإن قالها في ليل أو نهار يحصل على الأجر الموعود بإذن الله عز وجل، وكذلك دعاء ختام المجلس بعد كل صلاة، والله أعلم.
أما عَقْدُ وَعَدُّ التسبيح باليمنى أو باليسرى أو باليمنى واليسرى أو قول التسبيح والتحميد والتكبير معًا أو مفَرَّقًا وعن رفع الصوت بالتكبير أو خفضه والسرعة في التسبيح وكذلك الصمت فأقول:
إن عَدَّ التسبيح باليمنى أفضل، وإن سبّح بهما معًا فلا حرج.

وكذلك التسبيح والتحميد والتكبير مرة واحدة ثم يعقبه بالثانية مثلاً وهكذا إلى أن يكمل ثلاثًا وثلاثين أو يقول التسبيح ثم التحميد ثم التكبير فقد ورد في الأحاديث ذكر الطريقتين، والأمر في هذا واسع ولله الحمد.
وعن رفع الصوت في حالة متوسطة دون ذِِكْرٍٍ جماعي بل كل شخص بمفرده خاصة في الاستغفار والتهليل وتعليم الجاهل فهذا هو الأفضل من خفض الصوت في هذا الموضع دون بقية الذكر ليعلم انقضاء الصلاة وليتعلم الذي لا يعلم كيفية الذكر.
وأما السرعة في عَدِّ التسبيح كأنَّ أحدَهم حاسبٌ آليٌّ يحسب في أصابعه اليمنى واليسرى في وقت واحد وبسرعة متناهية فهذا غير محمود وهو عبث واستهتار، وضحك من الشيطان على صاحبه ذلك الذي يفعله، فالمسلم الذي يسبِّح الله حقًّا ويقدِّسُه ويكبره ويذكره لا يليق به هذا الفعل والعبث والاستهتار.
وأما عن الصمت وعُجْمَةِ اللسان وعدم تحريكه فإن ذلك من تغرير الشيطان بالعبد لئلا يذكر الله تعالى، فتجده بعد الصلاة جالسًا مع الذاكرين ولكنه لا يحرك شفتيه ولا ينطق بلسانه، بل الشيطان جاثِمٌ على قلبه وعاقد لسانه ورابط أصابع يديه، نعوذ بالله من قسوة القلب.
فعلى المسلم أن يحرص على الذكر بعد الصلوات المفروضة ويفصل بين صلاة الفرض والسنة بالذكر، ولا يستخفَّنَّه الشيطانُ ويستعجله ويذكّره حاجاته وأموره الدنيوية ويفوّت عليه الأجر العظيم والحسنات الكثيرة ومغفرة الذنوب، وليتذكر كل منا أن الشيطان له عدو فليتخذه عدوًا ولا يطيعه، بل علينا أن نطيع أمر ربنا تبارك وتعالى وأمر رسوله القعدة، قال تعالى: القعدةإِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِالقعدة [فاطر: 6]. وهل يعلم المسلم أن هذه الأذكار القليلة في كل صلاة من غير المكرر منها تزيد على خمسة آلاف حسنة في كل صلاة، ففي اليوم الواحد إذا حافظ العبد عليها مع تكرار المعوذات في المغرب والفجر وقول: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له… إلى آخرها عشر مرات فإنه في كل يوم يحوز على أكثر من تسع وثلاثين ألف حسنة، وهذا فضل من الله عظيم، وقليل من يدركه، وإذا أراد المسلم بعد الصلاة أن يدعو الله عز وجل ويسأله ما يريد من خيري الدنيا والآخرة فذلك الوقت بعد الفراغ من الصلاة من أسباب استجابة الدعاء إن شاء الله تعالى كما ورد بذلك الحديث، والأوقات التي هي مظنة لقبول الدعاء واستجابته متعددة، منها بعد الصلاة سواء الفريضة أو النافلة، وإن كان بعض العلماء عَدَّهُ بعد الفريضة من البدع، وبين الآذان والإقامة، وفي آخر الليل، وعند إفطار الصائم، وعند نزول المطر، ودعوة المسافر وغير ذلك من الأوقات.
والدليل على الدعاء عقب الصلاة المفروضة وفي جوف الليل الحديثُ المرويُّ عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله القعدة: أيُّ الدعاء أسمع؟ قال: ((جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبة)). وقد قال بعضهم: إن المقصود بدبر الصلاة آخرها بعد التشهد وقبل السلام، ولكنه يُرَدُّ عليهم بأحاديث واضحة وصريحة، منها الأحاديث التي سبق ذكرها في الخطبة الأولى ولا نحتاج لإعادتها إلى جانب الآية القرآنية الواضحة الجلية للمراد بأدبار السجود بأنه بعد الانتهاء من الصلاة، والله أعلم.
وينبغي للمسلم المحافظة والالتزام بالسنة في الأذكار عمومًا وفي هذا الموطن خصوصًا، ولا يأتي بزيادة أو ابتداع من نفسه أو من غيره، وخاصة الذين يَقْرَؤُونَ المعوذات وينفثون في أيديهم ويمسحون بها على أجسادهم ووجوههم عقب الصلوات المفروضة، فقراءة المعوذات أو المعوذتين والإخلاص أمر مشروع في هذا الوقت، أما النَّفْثُ في اليدين والمسح فموضعه عند النوم، والخير والبركة في اتباع هدي رسول الله القعدة وعدم الإحداث في دين الله وشرعه ما لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسول الله القعدة، فليتنبه المسلم لهذا ولغيره، ولا يستحسن شيئًا أو يفعله وهو غير مشروع، قال القعدة: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، وفي رواية أخرى: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).

الشيخ

سعد بن عبد الله العجمة الغامدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.