"وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ".
الكهف"54 "
"وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ".
الكهف"54 "
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمّد الهادي الأمين.
أما بعد :
إخوتي في الله يسرني أن أشارككم و للمرة الأولى بموضوع لا أبالغ إن قلت لكم أنه هزَّ القلوب و خشعت له الأبصار إنه موضوع في غاية الأهمية…..
إنّه الإعجاز العلمي في القرآن, ذلك الكتاب الخالد الذي يثبت وجوده باستمرار كلما تقدم العلم و اكتشف العلماء شيئاً جديدا….
فما علاقة القرآن بذلك؟ وهل هو كتاب للهداية؟ أم لكشف أسرار الكون؟
في الحقيقة إنَّ هذا القرآن للإثنين معاً,فقد نزل بهذا القرآن الروح الأمين على قلب سيدنا محمّد صلّى الله عليه و سلّم, ليخرج الناس من الظلمات إلى النور,وفيه بشرى للمؤمنين,و توعّد للمعتدين, قال تعالى :"إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ". الإسراء"9"
كما يخاطب سبحانه و تعالى الذين يجحدون بآياته فيقول جلَّ جلاله:
"وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ " . سبأ "5"
و يقول سبحانه و تعالى أيضاً:
"سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ". الأعراف "146"
أما فيما يتعلّق بأسرار الكون,فقد جاء هذا الكتاب ليثبت للعالم أجمع على مرِّ التاريخِ أنَّهُ كلامُ الباري جلَّ جلاله و عظم شأنه و ليس بكلام البشر,و أيضاً حتَّى يزدادَ المُؤْمِنونَ إيماناً,و يخشعونَ لكلامِ الرحمنِ,و يسجدون شكراً لله على نعمة الإسلام و الإيمان و القرآن حينَ يتفكُّرون في خلقِ السماوات و الأرض,حيث يقول تعالى:
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ @الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ @" . آل عمران "190-191"
و هنا قد ذكر الله سبحانه و تعالى صفات المؤمنين الذاكرين المتفكِّرين في ملكوت السماوات و الأرض…
ويقول أيضاً تبارك و تعالى:
"قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ". يونس"101"
أما الصنف الآخر من الناس الذين يسعون معاجزين في آيات الله و يتهمون هذا القرآن بأنَّه كلام محمّد صلّى الله عليه و سلّم, فنردُّ عليهم بأنَّ حجتهم باطلة و هذا القرآن هو كلامُ الله وحده نزل به سيدنا جبريل عليه السلام على قلب نبينا محمّد عليه الصلاة و السلام,و سيتمَّ إثبات ذلك من خلال ما يسمَّى بالإعجاز العلمي في القرآن الذي هو جوهر حديثنا…
يقول تعالى :
"سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ". فصّلت"53"
فهناك مظاهر لمعجزات الله في الكون,سواءً في السماوات أو الأرض أو النفس .
و اليوم حديثنا في غاية الروعة و الجمال,حيث سأحلّق بروحي و أرواحكم إلى عالم الفضاء الخارجي مع إعجاز القرآن لظاهرة علمية فلكية…!!
يقول جلَّ جلاله:
"فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ @ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ". الواقعة "75-76"
و أحبُّ أَن ألفتَ عنايتكم إلى أنَّ الله عزَّ و جلَّ لا يقسم بشيءٍ إلاَّ لعظمته و مدى أهميته البالغة,مثل "وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ ". البروج"1"
"لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ". القيامة "1"……
و هنا يُقسم سبحانه و تعالى بمواقع النجوم و ليس النجوم,حيث يقول: " وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ".
لأنَّ سلفنا الصالح في ذلك الزمان لا يعلمون ما هي مواقع النجوم لعدم امتلاكهم أجهزة رصد فلكيَّة,بدليل أنَّ سيدنا علي كرّم الله وجههُ كان يقول:هناك آية في القرآن لم تفسّر بعد,أي أنها الآية التي هي موضوع حديثنا،حيث تُركت لكي يفسرّها الواقع…
أما في وقتنا الحاضر و بعد تطوّر العلم و تطوّر أجهزة المراقبة الفلكية تبين أنه فعلاً ما جاء به القرآن هو الحق منذ 1400 عام من نزوله.
فما هي مواقع النجوم؟و ما هي الحقيقة الكامنة وراء ذلك؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لا بدّ من مقدمة:
أنتم تعلمون أنَّ واحدة قياس المسافات على الأرض هي المتر و الكيلومتر,ولكن عندما نتحدّثُ عن عالم الفضاء فإنَّ هذه الواحدات لا قيمة لها عندما نقيس المسافات بين النجوم و الكواكب حيث أنَّ المسافات هناك هائلة و كبيرة جداً.
لذلك فإنَّ العلماء قاموا بوضع واحدة جديدة هي السنة الضوئية لسهولة الحساب و التقريب إلى العقل, و السنة الضوئية: هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة أرضية كاملة,حيث أننا نعلم أنَّ سرعة الضوء هي أكبر سرعة في الكون و تبلغ 300,000 كيلومتر في الثانية الواحدة.
و لحساب المسافة التي يقطعها الضوء في سنة ضوئية واحدة فإنَّه : 300,000×365 (يوم في السنة)×24(ساعة في اليوم)× 60 (دقيقة في الساعة)×60(ثانية)
و الناتج كبير جداً يساوي تقريباً 9.5 مليون مليون كيلومتر .
فالمسافة بين الأرض و الشمس التي هي أقرب نجم للأرض تساوي 144مليون كيلومتر أي ما يعادل ثماني دقائق ضوئية, وهذا يعني أنَّ الضوء يستغرق للوصول من الشمس إلى الأرض ثماني دقائق.
الآن أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بعد الشمس يبعد عنها مسافة 42 مليون مليون كيلومتر أي ما يعادل 4.4 سنة ضوئية.
بمعنى أنَّ الضوء يستغرق للوصول من هذا النجم إلى الأرض 4 سنوات،و قد أثبت العلماء أنَّ سرعة المجرَّات البعيدة تساوي 240,000 كيلومتر في الثانية الواحدة .
و لنفرض أنَّك تراقب هذا النجم بالمنظار الفلكي و لنفرض أيضاً أنك انتظرت ضوء هذا النجم 4 سنوات حتى يصل إليك,وبما أنه يقطع مسافة 240,000 كم في كل ثانية, فخلال الأربع سنوات التي انتظرتها أنت, أين أصبح هذا النجم؟ في أي موقع؟
فأنت حين وصلك الضوء للمرّة الأولى من هذا النجم بعد أربع سنوات تقول إنَّ هذا النجم كان في هذا الموقع منذ أربع سنوات فأين هو الآن؟
و الله إنّه لأمرٌ عظيم فعلاً…
هناك مجرَّة تدعى مجرّة المرأة المسلسلة تبعد عن الأرض مليوني سنة ضوئية
أي أنَّ الضوء يستغرق للوصول إلى الأرض مليوني عام,و لو افترضنا الافتراض السابق,فإنَّ الضوء سيصلك بعد مليوني سنة – طبعاً لا أحد يعيش مليوني سنة إلاَّ ما شاء الله و لكن العمليّة تصوّر و افتراض- و بما أنَّ سرعتها 240,000 كم في الثانية الواحدة ,فخلال هذه الفترة مليوني سنة التي انتظرتها ,كم يكون قد تحرك هذا النجم؟أين أصبح؟في أي موقع؟
هناك مجرّة أخرى اُكتُشِفَت حديثاً تبعد عنَّا 20 مليار سنة ضوئيّة,فلو انتظرنا 20 مليار سنة حتى يصل إلينا الضوء منها, وإذا كانت تتحرك بسرعة 240,000 كم في الثانية الواحدة. فأين هي الآن؟في أيّ موقع أصبحت؟
فهذا هو المقصود بمواقع النجوم جملة و تفصيلاً,حيث أنَّ كلمة مواقع لوحدها جاءت بالغرض المطلوب،لأنّ هذه الكلمة تعني أنَّ النجوم تبدّل مواقعها باستمرار من موقعٍ لآخر,ألا يدلُّ ذلك على عظمة الخالق سبحانه و تعالى,حيث أنّه أثبت بكلمة واحدة ما توصَّل إليه العلماء بعد سنوات طويلة…..
هل أدركتم معنى قوله سبحانه و تعالى؟ و محل الإعجاز العلمي في هذه الآية؟
"فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ @ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ".
فهل هذا الإله العظيم يُعصى بعد كلِّ هذه المعجزات؟
ألا يستحقُّ منَّا الشكرَ و الذكرَ الكثير؟
فبعد كلِّ هذه الآيات,هل يستطيع أحدٌ أن يقول عن هذا القرآن أنَّه كلامُ بشرٍ؟
ما أدراهم في ذلك الزمان بهذه الحقائق,لولا أنّ الله سبحانه و تعالى لم يذكر لهم ذلك في القرآن, مستحيلٌ و ألف مستحيل أن يكون هذا الكتاب كلام مخلوق, بل إنّه كلام خالق واحد أحد لا شريك له أبد….
وسنتحدث لاحقاً عن دلائل و معجزات أخرى في هذا الكون :
كإثبات الجاذبية الأرضية في القرآن
وإثبات كروية الأرض… و غيرها الكثير.
و الحمد لله ربِّ العالمين
رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب
سليـــــــــــــــــــم