شهد المسجد الحرام بمكة المكرمة تطوراً وتوسعاً أفقياً ورأسياً وخدمياً وتقنياً إبان العهد السعودي، مما أثلج صدور المؤمنين في شتى أصقاع الدنيا، وقد كان المسجد الحرام وفي وقت مبكر هو الهم الأكبر لولاة الأمر وهاجسهم في حلهم وترحالهم، وقد بذلوا في سبيل تطويره وعمارته من الجهد والمال الشيء الكبير وهو ليس بكثير على بيت الله الحرام، وقبلة المسلمين، ومهوى أفئدة الملايين من الموحدين .. فكتب الله الأجر للمحسنين من الأولين والآخرين وأجزل لهم المن والعطاء.
*****
:. ولأن المسلمين في العالم أجمع يتزايدون بمعدل قد يصل إلى 2% .. ولأن وسائل السفر أصبحت أكثر أمناً وأسرع وأسهل من قبل .. ولأن الدور والنزل حول المسجد الحرام آخذة بالاتساع والتطور .. ولأن المسجد الحرام بات أرحب وأوسع من ذي قبل .. لذا فإن أعداد الزوار والمعتمرين والحجاج لبيت الله الحرام بات بازدياد مطرد، وبشكل ملفت لصانعي القرار السعودي، الأمر الذي جعل البيت الحرام يضيق بهم على سعته شيئاً فشيئاً. وقد أدركت الحكومة السعودية ذلك ومنذ وقت مبكر فسارعت في عهد المغفور له بإذن الله تعالى الملك سعود بن عبدالعزيز بعمل أكبر وأضخم توسعة شهدها المسجد الحرام آنذاك وذلك عام 1375هـ توسعة أحاطت بالحرم إحاطة السوار بالمعصم مطوقة الأروقة العثمانية بثلاثة أدوار ضخمة أحدها تحت الأرض.
*****
:. وبقيت مساحة المسجد الحرام منسجمة مع عدد زواره سنين عديدة .. حتى ضاق بهم المسجد الحرام مرة أخرى في موسمي الحج ورمضان فسارع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى إلى إطلاق مشروع توسعة الحرم المكي عام 1409هـ والتي تعد الأكبر مساحة والأكثر تقدماً في التقنيات المستخدمة في تاريخ الحرم المكي، وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة والتوسعات الكبيرة إلا أن الطاقة الاستيعابية للحرم وبعد مرور أقل من عشرين سنة من أكبر توسعة شهدها تاريخ الحرم المكي أصبحت محدودة ولا تستوعب أعداد الحجاج والمعتمرين المتصاعد خاصة في رمضان وموسم الحج. وفي هذا العام 1445هـ سمع العالم الإسلامي بنية الحكومة السعودية إطلاق توسعة جديدة وكبيرة بصورة غير مسبوقة وذلك بعد مرور عشرين سنة فقط من أكبر توسعة شهدها المسجد الحرام (صورة رقم 1)
صورة رقم 1
:. ولقد تسنى لي الإطلاع على نماذج مصورة للتوسعة الجديدة والتي هي الأكبر في تاريخ الحرم المكي (والتي ستقع في الجهة الشمالية من المسجد الحرام) .. وعند التأمل في كل توسعات المسجد الحرام القديمة منها (التوسعة العثمانية عام 979هـ) والجديدة (توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله 1445هـ) وبالنظر كذلك في النمط الهندسي المتبع في التخطيط للمسجد الحرام نجد أن الهندسة المعمارية العثمانية عمدت ابتداءً بإحاطة صحن الكعبة الدائري برواق حجري مستطيل ومتكسر الأضلاع .. وأحسب أن المخططين والمهندسين المعماريين العثمانيين آنذاك لم يوفقوا في استخدام هذا النمط الهندسي، بل ولا ينسجم أو يتناغم مع الطبيعة الدائرية للطائفين والمصلين المحلقين حول الكعبة المشرفة؛ وعلى إثر هذا الخطأ الهندسي القديم ـ بحسب رأيي ـ انسحبت حوله التوسعات التالية والجديدة .. هذا أولاً.
وثانياً فإن التوسعات الأخيرة والمحيطة بالبناء العثماني جاءت وفق نمط معماري إسلامي وهو السرادق ذو الشكل المربع والمتكرر والمتناظر والذي يفصل بينها ممرات تحددها مئات الأعمدة الضخمة حتى أصبحت الصفوف غير متوازية ولا متصلة ولا حتى متناظرة بسبب نظام السرادق والأعمدة والتي تصلح وتنسجم مع مسجد له قبلة واحدة، ولا تصلح أو تتماشى مع النمط الدائري للمسجد الحرام .. كما أنها استهلكت الكثير من المساحة.
*****
:. هذه المشكلة المركبة في الشكل الهندسي العام للمسجد الحرام وطريقة البناء وفق نمط السرادق وما نتج وينتج عنهما من سلبيات متراكمة دفعتني إلى المشاركة في الرأي والتفكير، والحديث عن فكرة ونظرية هندسية تنقل المسجد الحرام للألفية القادمة بإذن الله تعالى.
ولقد جاءت هذه الفكرة في توسعة وتطوير المسجد الحرام بناء على حيثيات مهمة منها:
1. يشكل المسلمون حوالي 20% من سكان العالم ويقدر عددهم بـ 1.5 مليار مسلم وأعدادهم بازدياد.
2. نسبة الزيادة في المسلمين تصل إلى 2% سنوياً وتعد الأعلى عالمياً.
3. الطاقة القصوى للمسجد الحرام والمشاعر المقدسة تبلغ حوالي 2 مليون حاج!، وبحساب بسيط فإننا نحتاج إلى 250 سنة حتى يتمكن 500 مليون مسلم فقط من الحج وفقاً للطاقة الاستيعابية الحالية!.(على افتراض أن مليار مسلم تحت سن البلوغ أو غير قادرين على الحج).
4. ووفقاً لأعداد المسلمين في العالم الذين يجب عليهم الحج يفترض أن تكون الطاقة الدنيا للمسجد الحرام والمشاعر المقدسة 7 مليون حاج حتى يتمكن 500 مليون مسلم من تأدية فرائضهم وذلك خلال فترة زمنية لا تتجاوز 70 سنة.
5. إذا استمرت طاقة المسجد الحرام والمشاعر المقدسة 2 مليون حاج فقط، فيعني بالضرورة أن حوالي 360 مليون مسلم قادر على الحج يموتون قبل أن تتاح لهم تأدية الركن الخامس!!.
6. وفقاً للنمط القائم في آخر ثلاث توسعات كبرى للمسجد الحرام قد نضطر إلى توسعات تاريخية كل 27 سنة وهذا فيه هدر للمال والجهد وإرباك للمعتمرين والحجاج (صورة رقم 2).
7. ونتيجة لتوالي التوسعات التاريخية سنضطر لهدم الأبراج التجارية والسكنية التي بنيت أو تبنى الآن والمحيطة بالمسجد الحرام قبل عام 1530هـ (صورة رقم 3).
8. التوسعات الجديدة عبارة عن مبان ضخمة ومكلفة ملحقة وملصقة بالحرم بشكل غير منتظم هندسياً! وذلك نظراً لطبيعة الشكل الهندسي العثماني القديم وكذا طوبغرافية المكان.
9. إذا استمرت التوسعات على النمط القديم فإنه وبعد حوالي 100 سنة سيكون وضع المسجد الحرام عبارة عن مباني متلاصقة مع بعضها البعض والمآذن والأبواب الرئيسة ستصبح في وسط الحرم بدلاً من أطرافه!.
10. الآلية المعتمدة حالياً في توسعات الحرم مكلفة جداً مالياً وزمنياً.
11. نمط البناء المعمول به وهو السرادق بأعمدتها الكثيرة والتي تحجب رؤية القبلة لا تتناغم مع طبيعة الحرم الدورانية.
صورة رقم 2
صورة رقم 3
:. وبناء على الحيثيات السابقة فإنني أرفع مقترحاً لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أعزه الله بالإسلام لتبني مشروع وتوسعة الثلاثة قرون .. والتي تقضي بتقويض المسجد الحرام ومن ثَم بناؤه وفق النظرية الدورانية الكروية والتي خلق الله سبحانه وتعالى الكون عليها .. حتى تكون توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله البناء الأول والأكبر والذي سيصمد حتى 250 سنة قادمة بإذن الله تعالى دونما حاجة لتوسعة جديدة والله أعلم.
*****
:. ومن هنا فإنني أدعو الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين ومعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والجهات المعنية بإعادة النظر في منهجية وآلية توسعة وتطوير المسجد الحرام وفق النمط التقليدي والأخذ بنظرية البناء الدائري (صورة رقم 4).