متى رأيت صاحبك قدغضب،وأخذ يتكلم بما لا يصلح فلا ينبغي أن تعقد على ما يقول خنصرا
أي لا تأخذ ما يقول بعين الاعتبار ولا أن تؤاخذه به؛ فإن حاله حال السكران , لا يدري ما يجري .
بل اصبر لفورته, ولا تعول عليها ؛ فإن الشيطان قد غلبه ,والطبع قد هاج , والعقل قد استتر.
ومتى أخذت في نفسك عليه ,وأجبته بمقتضى فعله كنت كعاقل واجه مجنونآ ,أو كمفيق عاتب
مغمى علية ,فالذنب لك.
بل انظر بعين الرحمة,وتلمح تصريف القدر له ,وتفرج في لعب الطبع به.
واعلم أنه إذا انتبه ندم على ما جرى , وعرف لك فضل الصبر.
وأقل الأقسام أن تسلمه فيما يفعل في غضبه إلى مايستريح به,وهذه الحالة ينبغي أن يتعلمها
الولد عند غضب الوالد والزوجة عند غضب الزوج؛ فتتركه يشتفي بما يقول ، ولا تعول على ذلك ؛ فسيعود نادما معتذرا .
ومتى قبل على حالته ، ومقالته ، صارت العداوة متمكنة ، وجازى في الإفاقة على مافعل في حقه وقت السكر .
وأكثر الناس على غير هذا الطريق : متى رأوا غضبانا قابلوه بما يقول ويعمل
وهذا على غير مقتضى الحكمة ، بل الحكمة مذاكرته ( وما يعقلها إلا العالمون )
صيد الخاطر لابن الجوزي
ص 468
احبتي في الله …
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
((يا رسول الله أوصني ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا تغضب، فردد مراراً أوصني، قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب ))
من أخلاق المسلم ؛ الحلم، والحياء، والتواضع، والتودد، والاحتمال، وكفُّ الأذى، والصبر، وكل هذه الصفات تتناقض مع الغضب، من أخلاق المسلم، تقول: ذهب. معنى ذهب، أي يقاوم كل الأعراض من حموضة، من تأثيرات كيماوية، لأنه ذهب، أما لو كان معدن رخيص مطلي بلون الذهب، ضعه في الماء أو في محلول حامضي، يطلع تنك، فإذا قلت مسلم، أي حليم، كيف أن صفات الذهب الثابتة أنه لا يصدأ، ولا يتأثر بالحموض، صنعوا ألماس صناعي، بلغ درجة من الاتقان درجة عالية جداً، حتى أن الخبراء وحدهم هم الذين يفرِّقون بين الألماس الصناعي، والطبيعي، ومع ذلك لو أن امرأةً استعملت هذا الخاتم في الأعمال المنزلية، لانطفأ بريق هذا الألماس بعد حين، إذاً في فرق، إذا قلنا ألماس لا ينطفئ بريقه، إذا قلنا ذهب لا يصدأ، ولا يتأثر بالحموضة، ولا يضعف بريقه أبداً، هذا معنى ذهب.
أما مسلم، معنى مسلم، فلان مؤمن، أي حليم، إذا قلت الذهب معدن ثمين، والذهب لا يصدأ، والذهب لا يتغيَّر لونه، والذهب لا يتأثر بالحموض، والألماس لا ينطفئ بريقه، هذه صفات ثابتة في هذه المعادن، كذلك المسلم، إذا قلت مسلم أو مؤمن قولاً واحدا هو الحليم، الحيي، المتواضع، المتودد للناس، الذي يحتمل، والذي يكفُّ الأذى عن الناس، والذي يعفو عن المقدرة، والذي يصبر عند الشدائد، وكل هذه الصفات تتناقض أصلاً مع الغضب، كل هذه الصفات.
على التذكرة والإفادة