في بعض ساعات الملل، وحين تميل نفسي الأمارة بالسوء إلى العبث؛ أختار التجوَّل في مواقع الانترنت، فلطالما استوقفتني (منتديات) تنتسب إلى التوحيد والسنة والسلفية، رأيت فيها العجب العجاب من الخصومات والردود والجدال بالتي هي أسوأ، ليس مع أعداء دعوة التوحيد والسنة، بل بين المنتسبين إلى المنهج السلفي أنفسهم، وفي مسائل علمية تفصيلية دقيقة، لا ينتفع من الخوض فيها إلا العلماء وخواص طلبة العلم، ومع ذلك قد نُشرت على صفحات الانترنت، يقرؤها الصغير والكبير، والبدعي والسني، والكافر والمسلم، فإن كان من أهل النية الصالحة والمقصد الشريف لم يزدد إلا حيرة واضطرابًا، وإن كان من أهل النوايا الفاسدة والمقاصد السيئة وجد فيها بغيته في الطعن في الدين والشماتة بأهل التوحيد والسنة. وقد رأيت في منتديات الرافضة والصوفية نقولات فاضحة من تلك المنتديات السلفية على وجه السخرية والاستهزاء والشماتة! والله المستعان. ولا أستثني من تلك المنتديات ـ في حدود علمي واطلاعي، والله أعلم ـ إلا منتدى واحدًا خصصه القائمون عليه للمقالات والبحوث النافعة، وضبطوا ذلك بمنع نشر الخلافات وبث الفرقة بين السلفيين، وهذا منهج علمي سليم، دال على انضباطهم ووعيهم، جزاهم الله خيرًا.
وقد أحببت أن أذكِّر نفسي، وكلَّ من يحبُّ الخير ويقبل النصيحة من إخواننا السلفيين؛ بتلك النصيحة الغالية النفيسة التي نطق بها أحد أئمة العلم في هذا العصر عندما سُئل ـ في بداية مرحلةٍ من مراحل هذه الخصومات الشخصية المتلاحقة التي يتم تسويقها باسم العقيدة والمنهج ـ عن التصرف السليم إزاءها؛ فأجاب بكلمتين صغيرتين في المبنى، عظيمتين في المعنى: (اتركوهم كلهم). ذلكم هو العالم الفاضل، والشيخ الوقور، بقية السلف العلامة صالح بن فوزان الفوزان، بارك الله في عمره، ونفع بعلمه، وأدام توفيقه قدوة صالحɡ ونموذجًا رائعًا للعالم الرباني، التقي النقي، الزاهد الورع، المترفع عن الخصومات الشخصية، والانتصار للذات، والانشغال بالأدنى عن الأهم والأعلى ممَّا وقَّف عليه حياته من نصرة التوحيد والسنة، ومحاربة الشرك والبدعة، والرد على أهل الإلحاد والأهواء والزيغ والضلالة. فلو أن طلبة العلم، والدعاة إلى الله تعالى، وعامة الشباب الخائضين في هذه الفتن قبلوا نصيحته، وعملوا بمقتضاها، لقضي على كثير من الفتن في مهدها، ولوفَّروا على أنفسهم أوقاتًا نفيسة، وجهودًا كبيرة، ولسعدوا بانشراح الصدر، وسلامة القلب، وراحة البال، فإن الشيخ الجليل ـ أثابه الله ـ لم يقصد بتركهم: تجريحهم والطعن فيهم، ولا التحزُّب لفئة ضدَّ أخرى، وعدم الاستفادة منهم فيما أصابوا فيه، ونفي الولاء لعلماء ودعاة إفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه، بل قصد ترك الاشتغال بتلك الخلافات والفتن والخصومات الشخصية، وعدم شدِّ الوسط ـ كما يقول ابن تيمية رحمه الله ـ لأي منهم، والانصراف إلى ما ينفع من العلم النافع، والعمل الصالح، والدعوة إلى أحكام شرع الله عز وجل في الاعتقاد والعبادة والمعاملة.
وقد رجعتُ إلى أوراقي القديمة فوجدتني قد هجرتُ أهل هذه الفتن ـ البتَّةَ ـ منذ سنة: 1419، وقد كنتُ استشرتُ العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فأشار عليَّ بما هو أصلح وأسلم وأحكم، فتركتُ القومَ وخلافاتهم، وانتفعت بنصيحته أعظم الانتفاع، واشتغلتُ بما ينفعني علمًا وعملاً، وقد مضى أكثر من عشر سنوات؛ فلم أزدد إلا قناعة في أن الخير والنفع والبركة إنما هو في منهج أئمة العلم الكبار: ابن باز، والألباني، وابن عثيمين ـ رحمهم الله تعالى ـ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البركةُ مع أكابركُم)) [صحيح الجامع الصغير: 2884]؛ في منهجهم في العلم، وفي الدعوة، وفي الرد على المخالف، وفي التعامل مع أهل البدع. وأن ما وقع بين السلفيين من الخلافات والخصومات إنما كان من قِبَلِ صغار تلاميذهم الذين أحاط بهم الصِّغار في التديُّن والعلم والفهم والخُلُق، فصاروا يوغرون صدورهم بما ينقلون لهم أو ينقلون عنهم، فكان مثلهم ما أنزل الله في كتابه: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}. وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
إن كلمة (السلف) و(السلفية) كلمة شريفة عزيزة، يرغبُ العامي في التعرف على معناها، فيبحث عنها في محرك البحث (غوغل) أو غيره، فإذا به يصدم بآلاف النتائج تحيله إلى مئات الآلاف من الصفحات العبثية، لا يمكن أن يستفيد منها في معرفة حقيقة الدعوة السلفية. فهل أدرك المشاركون في تلك المنتديات عِظَمَ جنايتهم على دعوة التوحيد والسنة بما نشروه من الفضائح والمخازي؟ أما آن لأصحاب تلك المنتديات أن يقفوا مع أنفسهم وقفة تفكُّر ومحاسبة للنفس وشعور بالمسؤولية، فيسألوا أنفسهم: هل هذا هو الإسلام الذي نقدمه للناس؟ هل هذه هي دعوة التوحيد والسنة؟ أين نحن من الدعوة والإصلاح والتجديد على منهاج النبوة؟
إن قليل العلم، محدود التفكير، ضيِّق العطَن، سخيف العقل؛ يظنُّ أنه عندما يسوِّد صفحات المنتديات بصراعاته النفسية والشخصية إنما ينتصر للمنهج السلفي، هكذا سوَّلت له نفسه الغضبية المريضة، وهو في غيبة تامة عما يجري في العالم من حربٍ على التوحيد والسنة ومنهج السلف، وعلى قواعد الدين وثوابته، وعلى جماعة المسلمين ومجتمعاتهم ودولهم. إنه منهمك في (أُمِّ معاركه) التي أشعلها لمجرَّد أن شريكًا له في منهاج النبوة في الدين والدعوة قد خالفه ـ أو خالف شيخه ـ في مسألة اجتهادية جزئية! وكأنَّ مخالفته مخالفة للكتاب والسنة وفقه السلف، ومعاداة لله ولرسوله، ونقض لعرى الإسلام!
أين هذا الصغير من قول الإمام الكبير أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في أخيه الإمام إسحاق ابن راهويه الحنظلي: لم يعبر الجسرَ إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفُنا في أشياءَ، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضًا. (سير أعلام النبلاء: 11/317).
وأين هو من سُموِّ الإمام أبي محمد ابن حزم رحمه الله، الذي قام عليه أبو الوليد الباجي ـ المالكي والأشعري المتعصب! ـ، فتسبَّب في إقصائه وعزله وإحراق كتبه، ورغم ذلك لم يخرجُ أبو محمد ـ غفر الله ورحمه، وأعلى درجته ـ عن حدِّ العدل والإنصاف، كما قال ابن بسَّام في (الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة) 3/96: (بلغني عن الفقيه أبي محمد ابن حزم أنه كان يقول: لم يكن لأصحاب المذهب المالكيِّ بعد عبد الوهاب مثل أبي الوليد الباجي! وقد ناظره بميورقة ففلَّ من غَرْبه، وسبَّبَ إحراق كتبه، ولكنَّ أبا محمدٍ وإن كان اعتقد خلافَه؛ فلم يطْرَحْ إنصافه، أو حاول الردَّ عليه؛ فلم ينسب التقصير إليه). وقد نقلتُ هذه الكلمة في مقدمتي لكتاب (مختصر طوق الحمامة) ص 74، الطبعة الأولى: 1445، وعلَّقتُ عليه بقولي: (هكذا تكون أخلاق العلماء الربانيِّين). والحمد لله رب العالمين. كتبه: عبد الحق التركماني (شوال: 1445).
واطلع فضيلة الشيخ سعد الحصين على هذا المقال، فعلق عليه بقوله أثابه الله: (وأنا مع عدد قليل من السلفيين تفضَّل الله عليهم فميَّزهم بالموالاة على الاعتقاد التعبدي الصحيح والسنة، والمعاداة على الشرك في العبادة والبدعة، ونبذ شدِّ الوسط لعالم سلفي متبِعٍ، فمن دونه، أو الصد عن سبيل الله بمحاولة إسكات عالم سلفيٍّ متبِعٍ آخر. ولا شكَّ أن المهاترات الموصوفة زورًا بالسلفية نزغ من الشيطان، ونصر للحزبيين والحركيين والمبتدعة فمن دونهم، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه متبعي سنته جميعًا إلى يوم الدين).
صحيح أن الجرح و التعديل علم قائم بذاته لما يهتم من مصدر العلم و لكن له أهله و خاصته و الخوضو فيه لطالب العلم مضيعة لوقته قد ينسى طلبه الشرعي و ينسى حفظ المتون و حفظ الشروحات
بارك الله فيك اخي الكريم على التذكرة
|
فكما تعلمون بالفتنة الرعناء القائمة بين الإخوة حاليا في المنهج التجريح والتعديل وتطاول البعض على الآخر حتى أصبحنا نسمع العجب العجاب من أفواهم قذفا في بعضهم ..
نسأل الله الهداية لهم جميعا وأن يسددهم للمنج القويم ..د
شكر تلله مروركـ العطـر أخي العزيز .
ولك أن تزور القسم السياسي للمنتدى لتعرف الصراعات الناشئة بسبب ادعاء البعض لعلم ليسوا أهلا له فيشتمون هذا ويطعنون في هذا حتى يختلط الأمر على غيرهم فيتهمون السلفية والعلماء الذين يظنون أنهم يتبعونهم وهم برءاء منهم ومن أفعالهم وأقوالهم.
احترامي لك أخي الكريم
أما فيما يخص المنتدى السياسي أرى كما الشيخ الالباني أنه من السياسة ترك السياسة و أزيد لمن كان ليس أهلا للسياسة، فالسياسة شأنها شأن عظيم و الخوض فيها يحتاج الى نباهة و فطنة و حنكة و حسن اطلاع على الأمور و تقديرها قدرها الحق مع تحري الصواب في الأخبار و العدل في الأحكام، وفي ذلك كله لا بد من رجوع صادق و تحكيم واثق للكتاب و السنة، و أين نحن من كل هذا، لذا تجد أكثر الناس في هذا الميدان يتخبطون خبطة عشواء و يختلط لديهم الحابل بالنابل و يبدئون الأمور من حيث تنتهي مدّعين المثالية في معالجة الواقع متناسين أن لكل مبلغ حميد مسعى رشيد و هدي سديد و عقل حكيم يبذل الأسباب النافعة تدرجا، و يعي عواقب الأمور منذ بداياتها، ذلك هو حال العالم الرباني.
ما سبب الفتن التي كثير ما تحل الا بسبب الخوض بلا علم و لاعقل و لا استحضار للخوف من الله.
|
كفيت ووفيت
أريد فقط ابتداءا أن أعارض الطرح العام للمسألة وأحيل الجميع إلى كتاب شيخ الإسلام السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية.لتضبط عليه المسائل و الطرح.
|
فأحيانا يعتقد البعض متوهما أنه على المنهج القويم والطريق سديد فيصاب بذاء التعصب للـرّاي ويقذف بالرّأي الآخر ظهريا ..
فالعالم مهما بلغ من العلم يأخذ من قوله ويرد والقلوب متقبلة وما سميت بذاكـ إلا لهذا ..
فلا يمكن بأي حال أن نزكي على الله أحدا ونسقط الخطأ عن عالم ..
ثم إن الغاية هي إتباع الحق وليس الرجال فيا ليت قوما يدركون هذا فيعقلون عما هم فاعلون ..
جزيل الشكر موصول لكـ اخي العزيز
|
زادكـ الله علما وبصيرة أخي أبو ليث ..
وجزاكم الله خيرا على المرور الجامع النافع .