*****************
تظهر أهمية العلم بأسماء الله وصفاته وشرفه وعلو شأنه فيما يلي:
أولًا: أشرف العلوم وأجلها هو العلم الذي يتعلق بالله، وأسمائه الحُسنى وصفاته العلا، وبقدر معرفة العبد بأسماء الله جل وعز وصفاته يكون حظ العبد من العبودية لربه والأنس به ومحبته وإجلاله، مما يكون سببًا في الفوز برضوان الله جل وعز وجنته، والتنعم بالنظر إلى وجه الله ذي الجلال والإكرام في الدار الآخرة، وهذه الغاية لن تتحقق إلا بتوفيق الله جل وعز.
ثانيًا: العلم بأسماء الله جل وعز وصفاته هو أصل العلوم، وأساس الإيمان، وأول الواجبات؛ فإذا علم الناس بربهم عبدوه حق عبادته، قال تعالى{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } [الحشر: 22]
شرف العلم بشرف المعلوم وليس هناك أشرف من العلم بالله وأسمائه وصفاته.
ثالثًا: في معرفة الله جل وعز بأسمائه وصفاته زيادة في الإيمان واليقين، وتحقيق للتوحيد، وتذوق لطعم العبودية ، وهذا هو روح الإيمان وأصله وغايته، وأقرب طريق إلى ذلك تدبر صفاته وأسمائه من القرآن، فإن الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه إذا أراد أن يكرم عبده بمعرفته وجمع قلبه على محبته، شرح صدره لقبول صفاته العلا، وتلقيها من مشكاة الوحي،فإذا ورد عليه شيء منها قابله بالقبول، وتلقَّاه بالرضا والتسليم، وأذعن له بالانقياد؛ فاستنار به قلبه،واتسع له صدره، وامتلأ به سرورًا ومحبة، فاشتد بها فرحه، وعظم بها غناؤه، وقويت بها معرفته، واطمأنت إليها نفسه، وسكن إليها قلبه، فجال من المعرفة في ميادينها، وأسام عين بصيرته في رياضها وبساتينها؛ لتيقنه بأن شرف العلم تابع لشرف معلومه، ولا معلوم أعظم وأجل ممن هذه صفته جل وعز، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا، وشرفه أيضًا بحسب الحاجة إليه، وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها، ومحبته وذكره، والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه، والزلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد، والله يُنْزِلُ العبد من نفسه حيث يُنْزِلُه العبدُ من نفسه.
العلم بالله وأسمائه وصِفاته صلاح للقلب وتمام للإيمان.
رابعًا: العالم بالله جل وعز حقيقة يستدل بما علم من صفاته وأسمائه على ما يفعله وعلى ما يشرعه من الأحكام؛ لأنه تعالى لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته، وأفعاله تعالى دائرة بين العدل والفضل والحكمة، كذلك لا يشرع ما يشرعه من الأحكام إلا حسب ما اقتضاه حمده وحكمته وفضله وعدله، فأخباره كلها حق وصدق، وأوامره ونواهيه عدل وحكمة ورحمة، وهذا العلم أعظم وأشهر من أن ينبه عليه لوضوحه.
خامسًا: التــلازم الوثيــق بين صفــات الله جل وعز وما تقتضيــه من العبادات الظاهرة والباطنة، إذ لكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح؛ فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق، والرزق، والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه تعالى باطنًا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا، وعلمه بسمعه تعالى وبصره، وعلمه أنه لا يخفى عليه مثقال ذرة وأنه يعلم السر ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه فيثمر له ذلك الحياء باطنًا، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح، ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته توجب له سعة الرجاء. وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزته تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعًا من العبودية الظاهرة هي موجباتها…فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات.
سادسًا: للتعبد بأسماء الله جل وعز وصفاته آثار طيبة في سلامة القلوب، وسلامة الأخلاق والسلوك، كما أن في تعطيلها بابًا إلى أمراض القلوب.
سابعًا: العلم بأسماء الله وصِفاته فيه تَسلية للعبد حينما يَقع في المَصائب والمكروهات والشدائد، فإذا علم العبد أن ربه عليم حكيم عدل لا يظلم أحدًا رضي وصبر، وعلم أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنزل به فيها ضروب من المصالح والمنافع التي لا يبلغها علمه؛ لكنها هي مقتضى علم الله جل وعز وحكمته؛ فيطمئن ويسكن إلى ربه، ويفوض أمره إليه.
ثامنًا: فهم معاني أسماء الله جل وعز وصفاته طريق إلى محبة الله وتعظيمه ورجائه والخوف منه والتوكل عليه والاعتماد عليه ومراقبته سبحانه، وغير ذلك من ثمرات معرفة الله وأسمائه وصفاته.
تاسعًا: إن في تدبر معاني أسماء الله جل وعز وصفاته أكبر عون على تدبر كتاب الله؛ حيث أمرنا الله تعالى بتدبر القرآن في قوله جل وعز{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ }[ص: 29]
ونظرًا لأن القرآن الكريم يكثر فيه ذكر الأسماء والصفات حسب متعلقاتها فإن في تدبرها بابًا كبيرًا من أبواب تدبر القرآن، فإذا تدبَّرتَ القرآنَ؛ أشهدكَ ملكًا قيومًا فوق سماواته على عرشه، يُدبِّر أمر عباده، يأمر وينهي، ويُرسل الرسلَ ويُنزل الكتبَ، ويرضى ويغضب، ويُثيب ويُعاقب، ويُعطي ويمنع، ويُعِزُّ ويُذِلُّ، ويخفض ويرفع، ويرى ويسمع من فوق سبع سماوات، ويعلم السرَّ والعلانية، فعَّال لما يُريد، موصوفٌ بكلِّ كمال، مُنزَّهٌ عن كلِّ عيبٍ، لا تتحرك ذرةٌ فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه وهو العليم الحكيم.
من وجد الله فماذا فقد؟! ومن فقد الله فماذا وجد؟!
عاشرًا: العلم بأسماء الله جل وعز وصفاته يزرع في القلب الأدب مع الله والحياء منه، فالأدب مع الله جل وعز هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهرًا وباطنًا، ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء: معرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه وما يحب وما يكره، ونفس مستعدة قابلة لينة متهيئة لقبول الحق علمًا وعملًا وحالًا.
الحادي عشر: المعرفة بالله جل وعز وأسمائه وصفاته تبصر العبد بنقائص نفسه وعيوبها وآفاتها؛ فيجتهد في إصلاحها، وأركان الجحود أربعة: الكبر، الحسد، الغضب، الشهوة، ومنشأ هؤلاء الأربعة جهل العبد بربه وجهله بنفسه، فإنه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال، وعرف نفسه بالنقائص والآفات لم يتكبر، ولم يغضب لها، ولم يحسد أحدًا على ما آتاه الله.
الثاني عشر: جهل العبد بأسماء الله وصفاته، وعدم فهمه لها، والتعبد لله بها سبب للضلال والجهل، فأي شيء عرف من لم يعرف الله ورسله، وأي حقيقة أدرك من فاتتــه هذه الحقيقة، وأي علم أو عمل حصل لمن فاته العلم بالله والعمل بمرضاته ومعرفة الطريق الموصلة إليه، وما له بعد الوصول إليه، فإن حياة الإنسان بحياة قلبه وروحه، ولا حياة لقلب إلا بمعرفة فاطره ومحبته وعبادته وحده، والإنابة إليه، والطمأنينة بذكره، والأنس بقربه، ومن فقد هذه الحياة فقد الخير كله ولو تعوض عنها بما تعوض في الدنيا.
معرفة الله سبحانه وتعالى صلاح للقلوب والأبدان.
الثالث عشر: العلم بأسماء الله وصفاته سبب لتجريد التوحيد وتمام الإيمان، وتظهر بها أعمال القلوب من إخلاص ومحبة وخوف ورجاء وتوكل على الله وحده، والاعتناء بهذا الباب والتأمل فيه قليل مع أنه باب عظيم لإصلاح القلوب وتخليصها من وساوسها وآفاتها، ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وهل يتميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما، وهل يمكن لأحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه، وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح، وأكثر وأدوم، وهي طريق لعمل الجوارح؛ ولذا فهي واجبة في كل وقت.
"