أهل السنة والجماعة
إنشاء عبد الحميد رميته , ميلة , الجزائر
الحركة الإسلامية تتحمل مسؤولية تعميق عقائد أهل السنة والجماعة في نفوس أفرادها وفي نفوس أبناء الشعوب الإسلامية ,كما تتحمل عبء الدفاع عن مذاهب أهل السنة والجماعة العقائدية والفقهية والسلوكية .
ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن نكون حياديين بين من يدافع عن أصول الدين , ومن يتهجم عليها , أو بين من يقف مع ثوابت الدين , ومن يقف في مواجهتها , أو بين ما استقر عليه إجماع أهل السنة والجماعة , وبين الشذوذ والانحراف كائنا من كان أهله.
إذا تقرر هذا فإننا نسأل سؤالا مهما في البداية فنقول : من هم أهل السنة والجماعة ؟. وذلك قبل أن ننتقل إلى الحديث عن أصولهم التي يجب على المسلمين جميعا في كل زمان ومكان أن يلتفوا حولها : رجالا ونساء , مثقفين وأميين , كبارا وصغارا , حكاما ومحكومين ,فقراء وأغنياء , … سواء تعلقت هذه الأصول بالعقيدة أو بالفقه أو بالسلوك أو بالدعوة أو بالحركة أو بالسياسة . يجب عليهم أن يلتفوا حولها وأن يتبنوها و إلا كانوا منحرفين انحرافا قد يخرجهم عن دائرة الإسلام وقد لا يخرجهم.
لقد صح من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة , والنصارى مثل ذلك , وتتفرق أمتي على ثلاث وسبعون فرقة" وخرجه الترمذي هكذا.
وفي سنن أبي داود "وأن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعين في النار وواحدة في الجنة , وهي الجماعة ". والجماعة المرادة هي التي أطلق عليها اسم (أهل السنة والجماعة) وهي جماعة أئمة العلماء المجتهدين , فمن خرج مما عـليه علماء الأمة مات ميتة جاهلية,لأن جماعة الله : العلماء , جعلهم الله حجة على العالمين.وهم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة", وذلك أن العامة تأخذ عنها دينها , وإليها تفزعُ من النوازل , وهي تبعٌ لها , فمعنى قوله " سألتُ الله ألا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها ", أي لن يـجتمعَ عـلماءُ أمتي على ضلالة.
وقد عدد البغدادي أهل السنة والجماعة فيما يلي:
أولا : من أحاطوا العلم بأبواب التوحيد والنبوة وأحكام الوعد والوعيد والثواب والعقاب وشروط الاجتهاد والإمامة والزعامة وسلكوا في هذا النوع من العلم طرق الصفاتية من المتكلمين الذين تبرءوا من التشبيه والتعطيل ومن بدع الرافضة والخوارج وسائل أهل الأهواء الضالة.
ثانيا : أئمة الفقه من أهل الرأي والحديث الذين اعتقدوا في أصول الدين مذاهب الصفاتية في الله , وفي صفاته الأزلية , وتبرؤا من القدر والاعتزال , وأثبتوا رؤية الله تعالى وأثبتوا الحشر من القبور مع إثبات السؤال في القبر , وإثبات الحوض والصراط والشفاعة وغفران الذنوب التي دون الشرك.وهم الذين قالوا بدوام نعيم أهل الجنة على أهلها ودوام عذاب النار على أهلها من الكفار , وقالوا بإمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وأحسنوا الثناء على السلف الصالح من الأمة ,ورأوا وجوب الجمعة خلف الأئمة الذين تبرؤا من أهل الأهواء الضالة , ورأوا وجوب استنباط الشريعة من الكتاب والسنة والإجماع ( أي إجماع الصحابة ) ورأوا تحريم المتعة , ووجوب طاعة السلطان (في الحكومة العادلة أو الظالمة) فيما ليس بمعصية.
ويدخل في هذه الجماعة (أهل السنة والجماعة) أصحاب مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وأصحاب أحمد بن حنبل وسائر الفقهاء ( من المدرسة المذهبية أو المدرسة السلفية) الذين اعتقدوا في الأبواب العقلية أصول الصفاتية ولم يخلطوا الفقه بشيء من أهواء أهل البدع الضالة.
ثالثا : الذين أحاطوا علما بطرق الأخبار والسنن المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وميزوا بين الصحيح والسقيم منها وعرفوا أسباب الجرح والتعديل ولم يخلطوا علمهم ذاك بشيء من بدع أهل الأهواء الضالة.
رابعا:الذين أحاطوا علما بأكثر أبواب الأدب والنحو والتصريف وجروا على سمت أئمة اللغة كالخليل وأبي عمرو بن العلاء بن سيبويه والفراء والأخفش والأصمعي والمازني وسائر أئمة النحو من الكوفيين والبصريين(وغيرهم قديما وحديثا) ,الذين لم يخلطوا علمهم بشيء من بدع القدرية أو الخوارج أو الرافضة.
خامسا: الذين أحاطوا علما بوجوه قراءات القرآن ووجوه تـفسير آياته وتأويلها وفق مذاهب أهل السنة دون تأويلات أهل الأهواء الضالة.
سادسا : الزهاد والصوفية الذين أبصروا فأقصروا واختبروا فاعتبروا بالمقدور وقنعوا بالميسور وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك مسؤول عن الخير والشر : دينهم التوحيد ونفي التشبيه ومذهبهم التفويض إلى الله تعالى والتوكل عليه والتسليم لأمره والقناعة بما رُزقوا به والإعراض عن الاعتراض عليه كالجنيد والحسن البصري والفضيل بن عياض وبن مبارك ورابعة العدوية و…وغيره من الصوفية المستقيمين على أمر الله ( لا المنحرفين الذين أدخلوا في الدين من البدع ما أدخلوا , وادعوا الزهدَ والزهدُ بريء منهم , وادعوا أن التكليفَ سقط عنهم , ووالَـوْا الاستعمارَ وأعداءَ الله , و…).
سابعا : المرابطون في ثغور المسلمين يحمون حمى الوطن الإسلامي ويذُبُّـون عنه ويُظهرون في ثغورهم مذاهبَ أهل السنة والجماعة ) انتهى كلام البغدادي بتصرف.
هؤلاء هم جماعة أئمة العلماء المجتهدين الذين لا يجوز لأحد من المسلمين أو المؤمنين أن يخرج عليهم وإلا كان أمره في خطر,قد يُخرجه عن دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر,وقد لا يخرجه إلى الكفر ولكن إلى الابتداع وإلى الفسق والفجور.
إذن حتى نكون ناجين عند الله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة يجب أن تجتمع كلمتنا على أصول أهل السنة والجماعة في كل المجالات بما فيها العقيدة , والفقه , والدعوة , والسياسة الخ …لا نزيد من هذه الأصول والثوابت والأسس شيئا ولا نُـنقِـصُ منها شيئا , وإلا –إذا زدنا أو أنقصنا-كنا كاذبين على الله سبحانه وتعالى لأننا بـدلنا دينه , ونكون كاذبين على أنفسنا حين ندعي بأننا ما زلنا –بعد التبديل-مسلمين.
إذا اجتمعت كلمتُـنا على هذه الأصول نكون قد أدينا الواجبَ أمام الله ثم أمام الناس ونكون قد أخذنا بالإسلام الذي أكمله الله لنا وأتم به نعمته علينا ورضيه لنا دينا.ولا بأس بعد ذلك أن نختلف في الفروع الكثيرة والكثيرة جدا في العقيدة أو الفقه أو الدعوة أو السياسة أو…بشرط أن نـبقى إخوة متحابين متآخين , وأن يبقى الولاءُ قائما فيما بيننا , وكذا حسنُ الظن والتماسُ الأعذار و…إلى أن يأتينا اليقينُ ونحنُ على ذلك.
والله ولي التوفيق , وهو الهادي لكل خير.
والله ورسوله أعلم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد الحميد رميته , ميلة , الجزائر.