نحن ندعو كل المسلمين إلى الإحتفاء بأول العام الهجرى لأن العامالهجرى أو العام القمرى – أيهما شئت – هو العام الذى اختاره رب العالمين وربط به شرعه فى كل وقت وحين كما قال تعالى فى محكم
التنزيل فى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}هذا الكلام فى العام الهجرى فكل توقيتاتك وكل حساباتك فى تشريعاتك مرتبطة بهذا العام الصيام مرتبط بشهر من أشهر التقويم الهجرى وهو شهر رمضان{صُومُوا
لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ}[1]والزكاة إذا كانت زكاة الأموال أو الذهب أو زكاة عروض التجارة التى تجب مرة كل عام هجرى فيجب حسابها عليهلا على العام الميلادى لأنى لو حسبتها على العام الميلادى سأنكسر عند الله وأُصبح مديوناً لأن العام الهجرى ثلاثمائة وخمسة وخمسون يوماً
والعام الميلادى ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع فإذا حسبت زكاتى على العام الميلادى فكل عدة سنين سينكسر علىَّ زكاة سنة لله لم أؤدها ومن حرص الله على العام الهجرى انظروا معى: أهل الكهف كانوا من أتباع سيدنا عيسى – أى التقويم الميلادى – تَحَدَّث الله عنهم فماذا قال؟
{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ}ثم ذكر الهجرى: {وَازْدَادُوا تِسْعاً }حتى نعتز بتقويمنا الهجرى نحن نذكر الميلادى فقط لابد من الإثنين معاً وبالحسابات الدقيقة فإن ثلاثمائة سنة شمسية هى ثلاثمائة وتسعة هجرية وهذا إعجاز لرب البرية فى الآيات القرآنية عاش رسول الله ثلاثوستون سنة هجرية أى حوالى ستون سنة ميلادية فكل الحسابات فى شرعنا بالتقويم الهجرى لأنه التقويم الإلهى الذى ارتبطت به كل الكائنات فالكائنات غير مرتبطة بالشمس بل بالقمر والحج {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ }وهى شوال وذو القعدة وذو الحجة ويوم عرفة يوم التاسع من ذى الحجة ولا يجوز أن يتغير لأن هذا تقويم الله جعل الله كل هذه التوقيتات بالهجرى حتى يمر علينا رمضان كل ثلاث وثلاثون سنة فى كل الأزمان فى الحر والبرد والخريف والحج يأتى فى كل الأزمان لأن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان فيكون الجو المناسب لأهل أىزمان ومكان يذهبون فيه لحج بيت الله الحرام لكن لو كان فى الأيام الميلادية فإنه سيكون ميعاد ثابت جامد سيكون رحيماً بقوم وقاسى على آخرين لكن شرع الله رحمة تامة للخلق أجمعين جعل الله حتى تشريعات النساء بالتقويم الهجرى فدورة النساء تمشى مع دورة القمر إما ثمانى وعشرون يوماً أو تسع وعشرون أو ثلاثون ولا تزيد على ذلك ولذلك من ضمن الأسرار التى نذكرها لمن يريدون الإنجاب أو تأخر عنهم الإنجاب فنقول لهم: احسب أول يوم تجئ فيه الدورة للسيدات ثم احسب حتى ليلة أربع عشرة حيث تكون البويضة فى أكمل حالاتها وأتم هالتها كالقمر وتكون جاهزة للتلقيح وللإحتياط يتم الحساب ليالى الثانى عشر والثالث عشر والرابع عشر حيث تكون البويضة جاهزة للتخصيب فى هذه الأيام حتى من يريد ألا يستخدم وسائل لمنع للحمل نقول له تجنب هذه الأيام فلا يحدث حمل أسرار ربانية فى التشريعات الإلهية ثم يأتى بعد ذلك عدة النساء وحمل النساء وولادة النساء كله على التقويم الهجرى{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً}الحمل تسعة أشهر هجرية {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }بالتقويم الهجرى وعدة النساء إذا كانت عدة طلاق{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}قروء وليست أشهر بعض الأئمة أخذوها على أنها ثلاث حيضات وبعض الأئمة أخذوها على أنها ثلاثة طُهر المهم أن تأتيها الدورة ثلاث مرات وإذا كانت عدة وفاة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}بالهجرى وليس بالميلادى فكل حسابات الله حسابات قمرية لأن فيه أسرار إلهية لا يستطيع البشر اكتشافها إلا ما أباح المولى لهم بشأنها من ضمن الأسرار التى أباح لنا بها المولى: ما سر احتفاظ البحار بمياهها لا تأسن ولا تتعفن ولا تتغير؟ الموج وما سبب الموج؟ المد والجزر الذى يصنعه القمر فتتولد الأمواج التى تخلط مياه البحار مع الأملاح التى وضعها فيها الواحد القهار وكذا الرياح لها تأثير وإن كان أقل بكثير لأن المد والجزر يشد كل الماء المقابل للقمر فتتحرك المياه فى البحار والمحيطات كلها معاً فتستمر الحركة على مدار الأربع والعشرين ساعة على مدار حركة القمر حول الأرض فتُحفظ هذه المياه إلى ما شاء الله لا تتعطن ولا تأسن ولا تتعفن رغم ما يُلقى فيها مما لا حصر له من الأشياء القابلة للعفونة وغير ذلك كما قال فيه صلوات ربى وتسليماته عليه{هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ }[2]ربما بعض علماء النبات ما زالوايجرون بعض التجارب فى هذا الأمر لكن الفلاحين اكتشفوها بالسليقة والفطرة اكتشفوا أن الثمار تنمو وتزيد فى الليالى القمرية، وتجمد وتثبت فى الليالى المظلمة ما علاقة القمر بإطالة هذا الثمر؟سر لا يعرفه إلا من
اصطفاه الله حتى أن بعض علماء الطب حالياً قالوا أن ما يفعله القمر من مد وجزر فى البحار يعمله فى ضغط الإنسان فالضغط فيه مد وجزر بسبب الدورة الدموية من الذى يحركها؟ القمر فالسنين الهجرية فيها أسرار ربانية لابد أن نبينها ونكشفها للمسلمين الذين أدارو ظهرهم لهذه الأشهر وهمهم كله فى الأشهر الميلادية الأشهر الهجرية عليها مدار حياتنا التشريعية العمر للإنسان لا يحسبه الرحمن بالأيام ولا بالليالى ولا بالشهور ولا بالسنين {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}لأن هناك أيام لله غير أيامنا فأيامنا حسب شروق الشمس من السبت إلى الجمعة لكن أيام الله{وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}ويوم الجمعة بخمسين ألف سنة ويوم الجمعة هو يوم القيامة لأنه ستقوم فيه القيامة كما أخبر النبى {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }ومقداره أى كما تحسبون أنتم أما حسبته الصادقة الحقيقية لا يعلمها إلا الله فالله لا يحسب أيامنا وأعمارنا بذلك وإنما يحسبها بالأنفاس
التى تتردد فى داخل الإنسان نفَس داخل ونفَس خارج والنفَس الأخير من الجائز أن يدخل ولا يخرج أو يخرج ولا يرجع كم عدد أنفاس الإنسان؟الصالحون قالوا إن الإنسان يتنفس فى اليوم والليلة أربعة وعشرين ألف نفَس ومن حكمة الله أنه جعل حروف (لا إله إلا الله) اثنى عشر وحروف (محمد رسول الله) اثنى عشر فمن قال(لا إله إلا الله محمد رسول الله) غفر الله له ذنوب الأربع والعشرين ساعة ولذلك قال فيها النبى{إذا قال العبدلا إله إلا الله ذهبت إلى صحيفته فمحت كل سيئة تقابلها حتى تجد حسنة
تقف بجوارها }[3]ومع ذلك فإن الإنسان المسلم يعلم علم اليقين أن له سجل يومى يبدأ من اليقظة إلى المنام وله سجل سنوى يعلم علم اليقين أنه يبدأ مع بداية العام الهجرى فلابد للمؤمن من وقفة مع السجل الماضىحتى يُعرج إلى الله خالياً من الهفوات والمخالفات والزلات والمعاصى
والذنوب ولذلك كان سلفنا الصالح يجعلون آخر أيام العام فى التوبة والاستغفار والندم وفعل الأعمال الصالحة التى تستوجب مغفرة الغفار ويجعلون بداية العام استفتاح السجل الجديد لما يُستقبل من الأيام،
فيفتتحونه بالإكثار من البسملة ويفتتحونه بالصيام ليكون أول أيام العام صيام وبخاصة أن الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام دعا إلى ذلك فقال{ أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمضَانَ شِهْرُ اللَّهِ المُحَرَّمُ }[4]ويبدأونه
بتلاوة خير الكلام فيقرأون ما تيسر من كتاب الله حتى تكون بداية الصحيفة طيبة ولو كانت البداية طيبة والخاتمة طيبة فإن الله يتغاضى عما بينهما قال الله تعالى فى حديثه القدسى{ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي بَعْدَ الْفَجْرِ
وَبَعْدَ الْعَصْرِ سَاعَةً أَكْفِكَ مَا بَيْنَهُمَا}[5]وَلِمَا وَرَدَ فى الحديث الشريف: { مَنْ كَانَ أَوَّلَ صَحِيفَتِهِ حَسَنَاتٌ وَفِي آخِرِهَا حَسَنَاتٌ مَحَا اللَّهُ مَا بَيْنَهُمَا}[6]إذن يجب علينا ألا يمر بداية العام كما تمر بقية الأيام مع أن أهل الكفر اللئام يجعلون لباطلهم شكل وهيئة كما ترون الآن، وأجبرونا على أن نأخذ أجازة ونحتفل معهم، وكثير من المسلمين يشاركونهم فى احتفالاتهم إذاً يجب علينا أجمعين أن نُحيي هذه الذكرى، ويا بشرانا إذا فعلنا ذلك لأننا سندخل فى قول الحبيب {مَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحْيانِي وَمَنْأَحْيانِي كَانَ مَعِي في الْجَنَّةِ}[7]وقال{ المُسْتَمْسِكُ بسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي لَهُ أَجْرُ مِائَةِ شَهِيدٍ }[8]فيجب أن نُعَرِّف أهلنا وجيراننا ومن يصلون معنا فى المسجد بفضل العام الهجرى نُعرفهم بأن له شأنه وله قيمته، وله الموالاة التى ينبغى أن تكون منا نحو أنفسنا ونحو حضرة الله جل فى علاه.
أضغط لتحميل كتاب : ثانى اثنين
[1] الصحيحين البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنهم.
[2] موطأ الإمام مالك والنسائي.
[3] أخرجه أبو يعلى من حديث أنس
[4] سنن الترمذى عن أبى هريرة رضى الله عنهما، ونص الحديث: «أفضلُ الصيامِ بعدَ شهر رمضانَ شهرُ الله المحرَّمُ وأفضلُ الصلاةِ بعد الفريضةِ صلاةُ الليلِ»
[5] (حل) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ، جامع المسانيد والمراسيل
[6] الفواكة الدواني شرح رسالة القيرواني، وشرح مختصر خليل للخرشى
[7] سنن الترمذي عن أنس بن مالك.
[8] للطبراني في الأوسط عن أَبي هُرَيْرَةَ رضَي اللَّهُ عنهُ.