كتبها الأستاذ هرادة عبد الكريم ، في 9 ديسمبر 2024 الساعة: 14:17 م
إن الخطر الذي يشكله الإجرام المنظم والفردي على المجتمعات خاصة منه ماتعلق بتبييض وغسل الأموال الناجمة عن الإرهاب وتجارة المخدرات يدعو إلى إيجاد حلول قانونية بديلة عن تلك الحلول الكلاسيكية التي لم تعد قادرة على مواجهة الجرائم العابرة للحدود والتي باتت تضر باقتصاديات الدول وأمنها القومي ((وكانت منظمة دولية متخصصة في مجال غسل الأموال القذرة تابعة للأمم المتحدة، قد أوضحت أن حجم الأموال المحصلة من مختلف الأنشطة والأعمال غير القانونية في العمل تتراوح ما بين 2 و 5 في المائة من الدخل القومي العالمي حسب تقديرات صندوق النقد الدولي بما يعني حوالي 800 ملياردولار سنويا، تبلغ حصة الأموال المكتسبة من التجارة غير المشروعة في المخدرات حوالي 120 مليار دولار سنويا.))1
وحيث ان الدول قد سارعت إلى التصديق على إتفاقيات تختص في تجريم ومحاربة هذه الظاهرة كما سنت قوانين داخلية تجد مرجعياتها القانونية في تلك الإتفاقيات وفي وجوب التعاون بين الدول لمكافحة الظاهرة.
وفي هذا الإطار أصدرت الجزائر مجموعة من القوانين منها القانون 05/01 المؤرخ في 06/02/2017 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتها.
وجاء نص المادة 19 من القانون 05 أنه يخضع لواجب الإخطار بالشبهة كل شخص طبيعي او معنوي يقوم في إطار مهنته بالإستشارةو/أو بإجراء عمليات ــ مالية ــ لا سيما المهن الحرة المنظمة وخصوصا مهن المحامين والموثقين ومحافظي البيع بالمزايدة …
ونصت المادة 20 بأنه يتعين على الأشخاص المذكورين في المادة 19 إبلاغ الهيئة المتخصصة بكل عملية تتعلق بأموال يشتبه أنها متحصلة من جناية أو جنحة لاسييما الجريمة المنظمة أو المتاجرة بالمخدرات …أو مايبدو أنها موجهة لتمويل الإرهاب.
ويتعين القيام بهذا الإخطار بمجرد وجود الشبهة حتى ولو تعذر تأجيل تنفيذ تلك العمليات او بعد إنجازها .
ويجب ابلاغ كل معلومات ترمي إلى تأكيد الشبهة أو نفيها دون تأخير إلى الهيئة المتخصصة.
هذه المواد وإن كانت تهدف إلى حماية الإقتصاد الوطني من الإجرام المنظم إلا انها تصطدم بمبدأ قانوني عالمي وهو السر المهني للمحامي والذي نصت عليه المادة 86 من النظام الداخلي لمهنة المحاماة.
وحيث ان المادة المذكورة في فقرتها الأولى أجزمت بأنه: (( يجب على المحامي احترام السر المهني بالنسبة للتصريحات والوثائق التي تسلمها من موكله تحت طائلة السرية ))
وجاء في الفقرة الثانية منها بأن السر المهني يعد ((مطلقا ومن النظام العام)).
إن فكرة الالتزام بالسر المهني خلقت أول الأمر لدى الأطباء ابقراط 460-370 قبل الميلاد، ، ثم لدى القساوسة، ثم لدى المحاميين.
إن السر المهني لدى المحامي هو من البديهيات المفروضة عليه والتي لا يجب عليه البوح بها حتى في رضى الزبون لما للسر المهني من إكبار وإجلال يلحق مهنته قبل أن يلحق شخصه بل ويلحق بمصداقية جهاز العدالة ككل لما يعطيه المجتمع للمحامي من ثقة يجد مرجعيتها في قسمه قبل القانون ، وقد نصت التشريعات على عدم امكانية استنباط الدليل –على جريمة مهما عظمت – من المراسلات بين المتهم ومحاميه ولو كان هذا الدليل هو إعتراف بالجريمة الملاحق بها
((هذا وقد أعطى القرار الصادر عن محكمة الجنايات بفرنسا (لوط و كارون) المؤرخ في 1887/12/15 تفسيرا أكثر دقة ووضوحا للطابع المطلق للسر المهني حيث جاء فيه ما يلي :
” حيث إن التخلي عن اعتبار السر المهني التزاما مطلقا لتحويله إلى التزام نسبي يعني القضاء عليه وفتح الباب لتقديرات تحكمية في حالة إباحةخرقه عند الضرورة”.
ولقد عبر عن ذلك مجلس هيئة المحامين بباريس حسب قراره الصادر في 1887/3/8 حيث صرح بما يلي :” يمكن للمحامي الإمساك عن القول رغم الإذن له بالحديث من لدن زبونه إذ لا يعتبر هذا الأخير الحكم الوحيد فيما يخص مصلحته، إذ ان دفاعه هو المؤهل للبت في ذلك، ذلك أن إذن الزبون إن كان ضروريا فهو ليس كاف”، وهذا هو الموقف الذي تبنته ضمنيا محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 1962/5/24 حيث ورد فيه ما يلي :
“يمكن للمحامي رفض الإدلاء بشهادة بخصوص وقائع وصلت إلى علمه بمناسبة مزاولة عمله، وان هذه القاعدة لا تعرف أي استثناء حتى و لو بلغ إلى علمه أن زبونه خرق القانون ولو كان الجنائي منه”.2
” حيث إن التخلي عن اعتبار السر المهني التزاما مطلقا لتحويله إلى التزام نسبي يعني القضاء عليه وفتح الباب لتقديرات تحكمية في حالة إباحةخرقه عند الضرورة”.
ولقد عبر عن ذلك مجلس هيئة المحامين بباريس حسب قراره الصادر في 1887/3/8 حيث صرح بما يلي :” يمكن للمحامي الإمساك عن القول رغم الإذن له بالحديث من لدن زبونه إذ لا يعتبر هذا الأخير الحكم الوحيد فيما يخص مصلحته، إذ ان دفاعه هو المؤهل للبت في ذلك، ذلك أن إذن الزبون إن كان ضروريا فهو ليس كاف”، وهذا هو الموقف الذي تبنته ضمنيا محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 1962/5/24 حيث ورد فيه ما يلي :
“يمكن للمحامي رفض الإدلاء بشهادة بخصوص وقائع وصلت إلى علمه بمناسبة مزاولة عمله، وان هذه القاعدة لا تعرف أي استثناء حتى و لو بلغ إلى علمه أن زبونه خرق القانون ولو كان الجنائي منه”.2
إن الواجب المفروض على المحامين نقابات وأفراد هو التصدي لكل النصوص المخالفة للمبادئ المستقر عليها في التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية والتي تشكل خطرا على قيم المهنة وعلى مصداقيتها فالسر المهني للمحامي حق مقدس له وللمجتمع لا يمكن التنازل عنه أو تركه إلى النسبية التي تتغذى من أهواء البشر ومصالحهم الآنية
والمحامي في النهاية مواطن شريف وشرفه يقتضي أن يمارس مواطنته في حدود مبادئ المواطنة وأن يمارس مهنته في حدود ما تقتضيه الاخلاقيات العالمية المستقر عليها منذ قرون من الزمان.
أ.ع هرادة
كاريكاتير- هرادة عبد الكريم – الجزائر